ميخائيل عوض | كاتب وباحث
اطلق سعد الحريري طلقة الرحمة على الحريرية-السنية السياسية في اعتذاره واكمل المهمة في مقابلته على الجديد، باتهام والتطاول على الشيعية السياسية، وجار على الثنائي وحمل حزب الله مسؤولية فشله، وهو راحل الى غير عودة بيقينه بعد ان استنفذ المناورات وفرص التسويات وركوب اكتاف الثنائي الشيعي الذي مكنه من نفسه منذ اتفاق الدوحة وتسويتها الملغومة، وظل متمسكا به، وحال دون نجاح الجهود لتحرير الدولة والمجتمع من ارث ومثالب الحريرية السياسية التي لن يذكرها اللبنانيون الا بمساوئها.
فلن يجد احدا لها حسنات لتذكر، واستمر الرئيس بري وفيا للحريري برغم ما اجتاح لبنان من كوارث، وتمسك بتكليفه لدرجة لم يكن الحريري نفسه يتمسك بالتكليف على ذات القدر، وقد اوفاه الرئيس سعد معروفه ووفائه لوالده ولشخصه بالطعن بدل الوفاء وحفظ الجميل، وفعلها ثانية وعاشرة بالسيد حسن نصرالله وبحزب الله الذي لم يترك سبيلا والية الا وسعى عبرها وعلى حسابه وشعبه، لتعويم الحريري منذ ٢٠٠٩ عندما مرر التمديد للمجلس النيابي لحفظه، ثم في قانون وانتخابات ٢٠١٨ عندما اهداه سلة من النواب لتمكينه من تمثيل السنة والبقاء في رئاسة الحكومة وليؤمن له حماية من بطش محمد بن سلمان الذي لم ولن يغفر لسعد افعاله وسينال منه وربما اصبح اقرب الى هدفه بعد الاعتذار. وبين اسباب الاعتذار الاكثر اهمية الاعلان السعودي الصريح بالتخلي عن سعد واستبداله بالدكتور جعجع والبطريرك بشارة الراعي كمنصات تأثير للدور السعودي في لبنان، والاكثر خطورة ما تتحدث عنه صالونات مقربة؛ من ان الاعتذار جاء بموجب اتفاق جرى بين سعد والامير محمد كان قد توسطت فيه مصر والسفيرتين الامريكية والفرنسية بمقابل اطلاق سراح عائلته والسماح لها بالسفر الى الامارات يعتذر الحريري.
ما يكشف كم تم استغباء اللبنانيين والمتاجرة بدمائهم ولقمتهم ومدخراتهم وتبين ان هدف الحريري من التكليف وعدم نيته التأليف، استخدامه لتحرير عائلته، وليس لتشكيل حكومة الامر الذي يفسر مناوراته ولماذا امضى فترة التكليف في السفر والتنقل بين العواصم .
سعد بإنهائه الحريرية – السنية السياسية وبطعنه الثنائي الشيعي اعطب الشيعية السياسية التي ستحمل الاعباء ومسؤولية وتبعات الانهيار لأنها تمسكت به وقدمت الكثير من التنازلات واهدرت الوقت والفرص واهمه ان ابوة النظام الطائفي والمذهبي قد آلت اليها بعد ٧ ايار والدوحة، فدافعت عنه وتمسكت به وعومت الحريري كأحد مفاتيحه، حتى انهكها واضعفها وحرض الجميع عليها، ونجح الحريري واركان واعلام المنظومة والسفارات في حشد العداء لحزب الله والتطاول على السيد حسن نصرالله بشخصه والحط من مكانته وقيمته، فغدر به وهزمه الحريري والمنظومة في حرب الفساد التي اعلنها والتزم بخوضها بنفسه في الحملة الانتخابية، كما افشلوه في حماية النظام وحكومة الحريري وفي التزامه تامين المشتقات النفطية الايرانية، وفي دعوته بري وحاكم المصرف لضبط سعر الدولار وتامين الدعم والواردات، وسعوا بقصد وبخبث لحشره وتحميله مسؤوليات ما الت له البلاد وحالة الكتلة الشيعية التي باتت متذمرة وتطالب الحزب والسيد شخصيا بتامين الحاجات وتناشده بالاسم ليؤمن لترات البنزين للسيارات المقطوعة في الطرقات والمحتشدة على المحطات، وبذلك فلن يسلم الثنائي من غضبة الجمهور الشيعي الذي ابتلاه النظام والمنظومة المافياوية بخسارة اكثر من ٦٠ مليار دولار هي حاصل الاغتراب لمئة سنة دون ان تستفيد القاعدة الاجتماعية الشيعية ومناطقها من النظام وخدماته وانجازاته الصفرية..
ربما حرض موقف سعد واعتذاره وتطاوله على حزب الله وعدم احترام تضحياته، وانكشاف حقيقته كمتاجر بتفاهماته مع الرئيس بري، ما حفز بري على اعلان صريح بان المشكلة ليست في الحكومة والتشكيل انما في النظام المأزوم والمفلس وكان السيد حسن نصرالله قالها في مؤتمر فلسطين تنتصر الاعلامي لأول مرة بعد ان كان تطوع للدفاع عن حكومة سعد والعهد والنظام ودعا الشيعة وانصارهم الى الانسحاب من حراك ١٧ تشرين…
هكذا اذن نستنتج ان الحريرية انتدبت منذ البداية مع الاب الى الابن لإنجاز مشروع وخطة لإفقار ونهب البلاد والعباد وتدمير قدرات لبنان وتأليب الشعب على المقاومة والصمود واكدت ذلك ممارسات سعد الحريري ودوافع اعتذاره والمماطلة وتوقيت اعتذاره، بعد ان نفذ المشروع ونجح بتوريط الثنائي وحمل حزب الله المسؤولية ظلما، ووفر شروط وبيئات الحملة على حزب الله والنيل من سيد الكرامة والمقاومة والتحرير وصاحب الوعد الصادق.
ضاعت سنتان ثمينتان على لبنان وشعبه واكبر الخاسرين فيها الكتلة الشعبية الشيعية التي نهبت ودائعها وانهارت قدرة رواتب موظفيها الشرائية، وعانت الامرين من حجب المشتقات النفطية عن مناطقها وتعطيل الكهرباء وخدمات المياه ولم يشفع لها ان الثنائي تمسك بالحريري والنظام مما افاد المنظومة ومدها بأسباب القوة والوقت لتبدد ما تبقى من احتياطي بكذبة الدعم وبتهريب الاموال للخارج.
فلم يأت اعتذار الحريري مفاجئا للمتابعين والعارفين بعمق وعنف الازمة التي تضرب لبنان وقد بلغت مرحلة الانهيار والانفجار العنيف، ولازمته في تمثيل السنة والاخطر ازمته مع السعودية واميرها.
خرج انصاره وزعرانه وارتكبوا اعتداءات في بيروت، غير ان حراكهم كشف عن حجم تأثيره المحدود وعدم جدواه وعدم قدرته على تغير التوازنات.
اعتذر لان السعودية حرقته وليس بيقظة ضمير، او لان حزب الله لم يناصره اولان بري لم يسانده ويدعمه، ولم تفلح جهوده وسفراته ورجاءه للعالم بتحسين علاقته بالأمير محمد، وجل ما تحقق له تسوية الافراج عن اسرته.
حاول رمي الكرة بمرمى عون بتسريب تشكيلة اسماء لميعه لكن عون ردها ولم ينكسر ولا قبل التسليم والهزيمة فجاء اعتذاره اشبه بهزيمة له ومؤشر لانهيار تياره، وموت ظاهرة الحريرية، و تقصد افشال الثنائي الشيعي في ادارة النظام واللعبة الداخلية وطعن بالظهر للرئيس بري، واوحى بتحميله اسباب الازمة.
لم يربح احد في المنظومة المافياوية من التكليف ومن الاعتذار، وحده سعد الحريري حقق مبتغاه، الا ان لبنان ربح بان ازاح عن صدره احد مفاتيح المنظومة المافيوية وكشف عن هامشية تأثير الثنائي الشيعي في صلب وبنية النظام العميقة.
ماذا يستطيع نظام المنظومة المافياوية الحاكمة بعد خسارتها الرهان على تعويم سعد لتشكيل حكومة نهب ما بقي من املاك للدولة وذهب واحتياطي.
ماذا يستطيع عون؛
قد يدعو لمؤتمر حوار في بعبدا لن يثمر تفاهمات وتسويات وسيقاطعه كثيرون.
سيدعو لاستشارات نيابية وتتوزع الاصوات وقد لا يجدون سني وازن مستعد لحمل الازمة وتحمل اعباء الانفجار الاجتماعي والانهيار، بعد تجربة حسان دياب مع المنظومة ومع من رشحه.
بين الاستشارات والتكليف والتأليف ستستهلك اشهر واذا لم تنفجر الازمة وتنهار الدولة وتسيطر الفوضى فقد تنتج حكومة حيادية لإجراء الانتخابات النيابية اذا خضعت المنظومة لابتزاز وطلبات السفيرة الامريكية والفرنسية والا فالتمديد او الفراغ الدستوري في المؤسسة التشريعية بانتهاء الصلاحية واو باستقالات للنواب..
الشارع مأزوم والدولار يحلق بلا ضوابط والمصرف سيوقف الدعم وتمويل المشتريات ما سيدفع البلاد الى الفوضى وستتوحش وينهار الامن والسلم الاهلي وتنشأ السلطات المحلية في المناطق والبلدات للزعران وللخلايا النائمة، حيث تمكنت، وللعصابات وادارة الاحزاب والزعامات..
وصلت البلاد الى اخطر ازمنتها والى المفترق الحاد؛ فإما انهيار وفوضى تحت نظر وادارة المنظومة والثنائي وعون او ينتصر خيار الانقاذ.
خيار الانقاذ ممكن بسيناريوهات منها؛
– حكومة انتقالية بصلاحية تشريعية مدعومة ومحمية من الجيش والمقاومة. القوتان الضامنتان للسلم الاهلي واللتان انجزتا انتصارين وتحريرين وينتصب امامها اليوم مهمة الانقاذ ولم يعد في طريقها من عقبات كئداء فالحريرية ذهبت مع الريح والشيعية السياسية ثلمت مصداقيتها وانهارت رهاناتها على رافعة الحريرية بينما عون عسكري وقد لا تنقصه الجرأة ويؤمن بالجيش وقاد حكومة عسكرية.
-السبيل الثاني؛ حكومة لون التوجه شرقا على ان تشكل منسجمه متضامنة قرارها سيادي وجادة فتبدأ خطواتها بالانفتاح على سورية وفتح الحدود وكسر قانون قيصر والاتصال بإيران وروسيا والصين والعراق بأولويات وطنية اجتماعية، وقد تستوجب جولة عنف ك٧ ايار يجب ان تتجرأ عليها لإنجاز المهمة وكي لا يضيع لبنان على املاءات السفيرة الامريكية ومصالح المافيا والمنظومة التي نهبت وافقرت وتخاف من عقوبات امريكا واوروبا.
-المسار الثالث؛ تفويض الجيش بالحكومة واو بالإدارة وبإدارة المؤسسات الاكثر خدمية والتصاقا بحياة الناس وحاجاتهم عبر اعلان الطوارئ في ظل تصريف الاعمال الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا.
النظام افلس، بإجماع الكل، والبلاد في ازمة حكم وازمة وظائف كيان وازمة وحدة وطنية والفوضى جارية على قدم وساق.
فإما انقاذ يشكل منصة لتغير النظام او انهيار يرثه نظام وجغرافية وكيان مختلف عما كان.
الكرة الان في يد اللبنانيين وحدهم وقد اعلنت السعودية عزوفها وامريكا هزمت في افغانستان وقد تنسحب من سورية والعراق واسرائيل عاجزة ومازومة وسورية مازالت منشغلة بأوضاعها فالفرصة ذهبية لينتج اللبنانيون حلهم الانقاذي قبل فوات الاوان وخراب بيروت.