سجون شرق الفرات.. ورقة ابتزاز لدول العالم هل تنجح؟ الجزء الثاني


رضا الباشا | كاتب واعلامي سوري

في 18 من كانون الثاني/يناير عام 2018، حذرت قوات سوريا الديمقراطية من مضي تركيا في عمليتها العسكرية التي أطلق عليها حينها “غصن الزيتون” في عفرين. التحذير اتبع بإعلان “قسد” نيتها وقف العمليات العسكرية تحت راية التحالف الأميركي ضد “داعش” شرق الفرات في حال استمرت أنقرة في عمليتها.

في 9 شُباط/ فبراير من العام نفسه، نقلت وكالة أنباء الاناضول التركية تصريحاً عن مُتحدثٍ باسم الحكومة التركية أن وحدات حماية الشعب الكردية أطلقت سراح 400 عنصر من تنظيم داعش في عفرين ودير الزور شريطة أن يُقاتلوا ضد القوات التُركيَّة.

وقال المتحدث باسم البنتاغون العقيد روبرت مانينغ للصحفيين، إن “توقف الحرب على داعش يعني أن بعض العمليات البرية التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية، قد علقت مؤقتاً”.

وأضاف أن “وتيرة الضربات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش لم تتأثر، وأن قوات سوريا الديمقراطية ما زالت تسيطر على الأراضي التي استعادتها من التنظيم المتشدد”.

وفي 5 من شهر آذار/ مارس من من العام ذاته، قال المتحدث باسم البنتاغون أدريان رانكين غالاوي، إن “الجيش الأميركي شاهد مقاتلين من قسد ينسحبون من الحرب ضد داعش في وادي نهر الفرات الأوسط للقتال في أماكن أخرى، ربما في عفرين”، وحذّر من “تأثير عملية غصن الزيتون على القتال ضد داعش”.

في هذه المرحلة لم يكن القتال ضد تنظيم “داعش” قد انتهى بعد. مما أوردناه، يلاحظ حجم الابتزاز الممارس من قبل “قسد” وأميركا على المجتمع الدولي، لتمرير أهداف معينة من خلال استخدام ورقة قتال داعش شرق الفرات.

مشهد مشابه لسابقه تكرر شرق الفرات بالتزامن مع الهجوم التركي على منطقتي تل أبيض ورأس العين في ريفي الرقة والحسكة مطلع تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019. الفارق بين المشهدين يكمن في استخدام “قسد” هذه المرة قضية أسرى داعش في السجون للضغط على أنقرة لايقاف عملية “نبع السلام”.

في اليوم الأول لإعلان تركيا بدء هجومها البري على مناطق شرق الفرات، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، في بيان صدر عن مكتبها الإعلامي، إن سجن جركين في منطقة القامشلي، الذي يحتجز فيه مسلحون أسرى من “داعش”، تعرض لقصف تركي. اتهم البيان أنقرة بالقصف على السجن لإحداث ثغرات فيه لإطلاق سراح أسرى من داعش.

بعد أيام استخدمت قسد مجدداً ورقة أسرى “داعش” للضغط على الإدارة الأميركية هذه المرة، لدفعها لإرغام تركيا على وقف عملية “نبع السلام”، فأعلنت الإدارة الذاتية في 13 من تشرين أول/أكتوبر فرار 785 من مسلحي داعش الأجانب من سجن يقع قرب مخيم عين عيسى. وأرجعت الإدارة الذاتية أسباب تمكن مسلحي التنظيم من الهروب إلى قصف تركي للمنطقة إضافة إلى توجه مقاتلي “قسد” لمواجهة المسلحين المدعومين تركيا في تل أبيض، ما أدى إلى ضعف الرقابة على المنطقة.

اللافت أن الإدارة الذاتية ركزت في بيانها حينها أن جميع من هربوا من منطقة “عين عيسى” هم من الأجانب علماً أن معلوماتنا تؤكد أن الأسرى من مسلحي داعش في هم من مسلحي داعش السوريين، ممن تعتقلهم قوات سوريا الديمقراطية قرب الرقة وهم بغالبيتهم من أبناء عشائر الرقة والحسكة.

وتؤكد معلومات حصلنا عليها أن “قسد” أطلقت سراح 300 منهم مطلع عام 2021 وغالبيتهم من أبناء مدينة الرقة التي تفتقد “قسد” السيطرة الفعلية عليها، وجاء إطلاق سراحهم للتخفيف من الاحتقان الشعبي ضد “قسد” في المدينة.

بالعودة إلى ورقة أسرى “داعش” وإعلان فرارهم للضغط على أنقرة وواشنطن، سنجد أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اتهم حينها الإدارة الذاتية ومسلّحي “قسد” بتسهيل مهمة فرار مسلحي “داعش”. وقال في تغريدة على “تويتر” إن “المقاتلين الكرد في شمالي سوريا قد يكونون بالفعل يطلقون سراح مقاتلي تنظيم الدولة لدفعنا إلى التدخل، والمقصود بالتدخل هو إيقاف عملية نبع السلام التركية، من السهل للغاية أن تعيد تركيا أو الدول الأوروبية أسراهم، لكن ينبغي لهم التحرك بسرعة”.

موقف ترامب حينها كان ينبع من تأييده للتدخل التركي في شرق الفرات، ومباركته للعملية العسكرية التركية. حينها شعرت “قسد” بخيبة أمل كبيرة لأنها أدركت بأن الرهان على أميركا لا يمكن أن يكون دائماً، فنلاحظ أنها توجهت لابتزاز ترامب، لكن الأخير لم يخضع لابتزازها فعلياً.

خسرت حينها “قسد” مناطق هامة من شرق الفرات وكادت تخسر أهم معقل لها في سوريا، مدينة عين العرب ” كوباني” في ريف حلب الشرقي، لولا تدخل الجيش السوري حينها ليشكل خط فصل منع المسلحين المدعومين تركيا من التقدم إلى عين العرب.

لم يقف الاستثمار بورقة الأسرى من مسلحي “داعش” عند الابتزاز للدول، بل تؤكد المعلومات التي حصلنا عليها أن أسرى “داعش” شكلوا موارد مالية هامة سواء لـ”قسد” أو مقاتلين فيها، ساعدوا مسلّحي التنظيم على الهرب من السجون والمعتقلات. إذ تؤكد المعلومات أن تهريب مسلح واحد “من غير القيادات” تصل تكلفته لـ 1500 دولار أميركي، وذلك لقاء إيصاله إلى الحدود مع تركيا. في حين تصل تكلفة تهريب عائلة بكاملها لما يقارب 15 ألف دولار.

أمام هذه المعلومات تبرز إلى الواجهة إحدى النساء من “داعش” التي تمكنت من الوصول إلى إدلب شمال سوريا ومنها إلى تركيا، بعد هروبها من مناطق “قسد”. الإمرأة التي تدعى “مريم” تحمل الجنسية البريطانية، نشرت مقطعاً مصوراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعت فيه “أنصار تنظيم داعش للتبرع بالمال من أجل إطلاق سراح أخواتهم ومساعدتهم على الفرار إلى إدلب ومن ثم الذهاب إلى تركيا”.

وتصف “مريم” كيف جرى تهريبها من مخيم الهول في محافظة الحسكة السورية حيث قضت هناك أكثر من عام بعد إلقاء القبض عليها، واصفة تلك الأيام بـ”الأسوأ في حياتها”.

وتابعت المرأة التي كانت ترتدي النقاب وهي تهز أصبع يديها مرتدية قفازات سوداء: “ينبغي علينا تحرير أخواتنا.. تبرعوا كل شهر للمساعدة في إطلاق سراحهم وتهريبهم”.

تجربة مريم البريطانية في الهرب لم تنجح في تكرارها “أليف سانجار”، البالغة من العمر 24 سنة من كولبا في ولاية آمد الكردستانية، التي اعتقلتها قوى الأمن الداخلي لمخيم الهول أثناء محاولتها الفرار مع أطفالها ووالدتها في خزان مساعدات إنسانية.

قالت “أليف سانجار” بأنهن كن تردن الفرار من المخيم، وتروي كيف أمّنوا طريق الفرار: “تحدثت مع أخي عن طريق الهاتف وقال بأنه سيقوم بتهريبنا من مخيم الهول والنفقات والطريق سوف يتم تأمينه من قبل مؤسسة الإغاثة إنسانية”.

هنا نلاحظ بروز اسم مخيم الهول الذي يقع على المشارف الجنوبية لمدينة الهول في محافظة الحسكة شمال سورية، بالقرب من الحدود السورية العراقية، الذي أصبح ملاذاً آمناً للفارين والمعتقلين من تنظيم داعش وخاصة نساؤهم وأطفالهم.

كان المخيم حينها يضم 130 منزلاً ويستوعب نحو 200 عائلة، يحتوي المخيم على عدد من السجون التابعة لـ “قسد” على الرغم من كونه معتقلاً كبيراً. يقطنه 74 ألف شخص منهم 31 ألفاً من السوريين، ونحو 32 ألفاً من العراقيين، و11 ألفاً من جنسيات أوربية، كما يحتوي على 65 ألف امرأة وطفل ثلثاهم تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وأكثر من النصف تقل أعمارهم عن 12 عاماً.

وكانت منظمة اليونسيف قد ذكرت في بيان، أن نحو ثلاثة آلاف طفل ينتمي أهلهم إلى 43 بلداً، يعيشون في مخيم الهول.

وجاء في بيان للمدير الإقليمي لليونسيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “تييد شيبان” إن هناك أكثر من 22 ألف طفل أجنبي من 60 جنسية على الأقل داخل المخيمات والسجون التي تسيطر عليها قسد في شمال شرق سوريا، وأن عشرات البريطانيين محتجزون في ظروف سيئة في معسكرات قسد”.

ونشرت صحيفة “إندبندنت البريطانية”، عن وفاة العديد منهم بينهم رضع. ويقدر عدد الأطفال المحتجزون بـ 35 طفلاً بريطانياً و15 شخصاً بالغاً، وهناك حوالى 400 محتجز بالغ من داعش من دول الاتحاد الأوربي في سوريا، ولدى هؤلاء أكثر من 600 طفل. ويشار إلى أن أكبر مجموعة من سجناء داعش الأوروبيون يأتون من فرنسا تليها ألمانيا وهولندا وبلجيكا والسويد والمملكة المتحدة.

وخلال عام 2019، وقعت 24 حالة قتل داخل المخيم، و506 حالة حرق خيم، و700 محاولة فرار حسب إحصائيات إدارة المخيم.

وحسب المصدر نفسه عن الإحصائيات لعام 2020، فقد وقعت 49 حالة قتل، بحق رجال ونساء من النازحين واللاجئين في المخيم ونساء مسلحي داعش الأجانب، ليكون الإجمالي بذلك مع حالات العام الجاري وقوع 73 حالة قتل، إذ وقعت منذ بداية العام الجاري وإلى نهاية شهر شباط/ فبراير، 37 حالة.

وجددت مؤخراً منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، التأكيد على أن الوضع الأمني في مخيم الهول في ريف الحسكة “يثير المخاوف”، بعد إحصائيات تفيد بمقتل 40 شخصاً وطفلين منذ بداية العام، من بينهم 16 شخصاً خلال شهر آذار/ مارس الحالي.

وقالت المنظمة إنها تلقت تقارير تفيد بأن طفلاً في الـ15 من عمره قُتل في مخيم “الهول” في سوريا في حادثة عنف، الأسبوع الماضي، ولفتت إلى أن فتى آخر في الـ16 من العمر قتل رمياً بالرصاص في المخيم قبل أسبوعين.

وأكدت المنظمة أن هذه الزيادة الأخيرة في العنف بالمخيم تسلط الضوء على الحاجة الملحة لوضع حلول طويلة الأمد لأطفال مخيم “الهول”، وشددت على ضرورة إعادة إدماج الأطفال السوريين بشكل آمن في مجتمعاتهم المحلية، وإعادة الأطفال الأجانب إلى بلدانهم الأصلية بأمان وكرامة.

وطالبت المنظمة السلطات المسؤولة عن المخيم بتأمين سلامة الأطفال وجميع المقيمين فيه.

واتبعت مطالبات المنظمات، بعملية أمنية لـ”قسد” في المخيم استمرت لأسبوع وانتهت مطلع نيسان/أبريل 2021. العلمية الأمنية اسمتها قسد بالعملية الأمنية الإنسانية في مخيم الهول، منعت أي من منظمات الأمم المتحدة من الوقوف على حقيقة العلمية الأمنية، وكذلك منعت منظمات حقوق الانسان من متابعة العملية الأمنية. تم اغلاق المخيم بالكامل، وعرف العالم عن هذه العملية مقاطع فيديو أخرجتها “قسد” عبر وسائل إعلامية مقربة منها أو عبر مراسلين عرفوا بالتقرب من قسد.

أعلنت نتائج العملية الأمنية بأنها كانت جيدة وأسر فيها عديد من قيادات “داعش” المختبئين في المخيم الذي بات في الآونة الأخيرة يشكل هاجساً لدول لعدة دول، منها روسيا والصين ودول أوروبية لهم في الخيم أسر تنتمي لداعش وتحمل جنسية هذه الدول. يمثل المخيم قنبلة موقوتة لما يتربى عليه الأطفال من أفكار داخل المخيم المنعزل تماماً عن العالم ولا يسمح إلا لوسائل إعلامية مقربة من “قسد” أو واشنطن بالدخول إليه.

وهنا يبرز التساؤل الذي ينتظر الأيام لتجيب عليه، هل سنشهد استثماراً من “قسد” وواشنطن لمخيم الهول ومن فيه للضغط على دول أوروبية وغير أوروبية حليفة لسوريا، لارغامها على التعامل بشكل رسمي مع “قسد” كقوة حاكمة لشرق الفرات؟

 

الميادين نت

Exit mobile version