زوال كيان الإحتلال بين الحقيقة والخيال .
هذا الإندفاع يمكن ملاحظته من خلال سلوك قيادة العدو التي اتجهت وبوتيرة متصاعدة في عقيدة الجيش القتالية من نمط الحرب المتحركة السريعة الى نمط الدفاع عن الجبهة الداخلية ، وهذا في الحقيقة انقلاب جذري في حركة الصراع ، فخلال 10 سنوات اضطرت سورية ومعها العراق وبشكل نسبي لبنان وفلسطين ان تقاتل داخل الأسوار لتنتقل المعركة الآن الى حدود الأسوار، وتترسخ اكثر في الجانب الإسرائيلي حيث ترتفع الجدران على حدود جغرافيا الاحتلال وتتركز الإجراءات اكثر على مواجهة التحديات المرتبطة بالجبهة الداخلية
عمر معربوني – باحث لبناني في الشؤون السياسية والعسكرية
يعيش الإقليم تحولات كبيرة هي في الواقع نتيجة طبيعية لتراكم قوة المقاومة بفصائلها المختلفة على إمتداد جغرافيا الصراع من اليمن الى العراق الى سورية وفلسطين ولبنان.
وعلى مدى مائة عام من الصراع بدأتها طلائع المقاومة في فلسطين بمواجهة قطعان المغتصبين الصهاينة وصلت الأمور الى مرحلة التحوُّل التصاعدي بعد دخول إيران على خط المواجهة منذ العام 1979بنتيجة انتصار الثورة الإسلامية وبعد خروج مصر من المواجهة مباشرة ، وقبل تفكك الإتحاد السوفياتي بسنوات
التحول المفصلي الأهّم في تاريخ مقاومة الاحتلال شكّله النموذج اللبناني حيث كنّا أمام نشوء حالة مقاومة تأمنت لها للمرّة الأولى شروط نجاح مؤاتية تَداخلت فيها عوامل الديموغرافيا مع العقيدة ما انتج مقاومة منظّمة وبيئة حاضنة مباشرة تحولت مع الزمن الى مجتمعٍ مقاومٍ متراص ومتماسك ومتكامل كان ولا يزال السند الداعم وخزّان المجاهدين والمجاهدات
وعلى الرغم من اني لست متخصصاً في الشؤون الفقهية والشرعية الاّ اني كغيري نشاهد تماهياً بين العقيدة المحرِّكة للجهاد وحركة الجهاد بأبعادها المسلكية ومسارها المتلاحق وهي كعقيدة باتت ملاصقة وشريكةً لقيادة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ومن خلفهما القيادة الإيرانية الداعمة لهما
في البعد العقائدي تؤمن المقاومتين اللبنانية والفلسطينية بحتمية زوال كيان الاحتلال استناداً الى النصوص القرآنية وتحديداً ما ورد منها في سورة الإسراء حيث جاء في الآيات 8 : ” وَقَضَيْنَآ إِلَى بَني إِسْرَائيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً* فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً* ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً* إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرةِ لِيَسُوؤواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً* عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً ”
هذه الآيات تُعتبر منهجاً عقائدياً اساسياً تتبناه كذلك الجمهورية الإسلامية في ايران وباتت في زمن صعود المقاومة بمثابة الحصن الحصين الذي شكّل الدافع للإعداد الجيد للمواجهة من خلال توفير شروط التكافوء والإنتقال الى التفوق
على المستوى الموضوعي المرتبط بحركة الوقائع يبدو المشهد اكثر وضوحاً لناحية الإنقسام العامودي الحاد على مستوى الأنظمة والشعوب ، ويبدو الى جانبه ايضاً التقدم المستمر لقوى المقاومة حيث انتقلت هذه القوى منذ سنوات قليلة من مرحلة الصمود الى مرحلة الدخول في الدفاع الإيجابي وتتحضر للدخول في مرحلة الإندفاع
هذا الإندفاع يمكن ملاحظته من خلال سلوك قيادة العدو التي اتجهت وبوتيرة متصاعدة في عقيدة الجيش القتالية من نمط الحرب المتحركة السريعة الى نمط الدفاع عن الجبهة الداخلية ، وهذا في الحقيقة انقلاب جذري في حركة الصراع ، فخلال 10 سنوات اضطرت سورية ومعها العراق وبشكل نسبي لبنان وفلسطين ان تقاتل داخل الأسوار لتنتقل المعركة الآن الى حدود الأسوار، وتترسخ اكثر في الجانب الإسرائيلي حيث ترتفع الجدران على حدود جغرافيا الاحتلال وتتركز الإجراءات اكثر على مواجهة التحديات المرتبطة بالجبهة الداخلية
وأهم التحديات التي تواجه قيادة العدو هذه الأيام هي الإحساس بالتهديد الوجودي وليس مجرد التعاطي مع مخاطر يمكن معالجتها بإجراءات روتينية كما الحال مع الغارات في سورية وفلسطين والتي باتت مجرد إجراءات يعتبرها العدو استباقية لكنها على الرغم من كثافتها لم تغيّر كثيراً في البعد الإستراتيجي المرتبط بميزان القوى وقواعد الإشتباك
ومن يتابع مراكز الأبحاث الصهيونية وتصريحات المسؤولين هناك ، مضافاً اليهم ما تسوقه وسائل الإعلام المختلفة يُدرك طبيعة الهواجس التي باتت خبزاً يومياً لمجتمع العدو ، ويُدرك اكثر الإحساس المتصاعد بعدم الشعور بالأمان والسقوط المتتابع لمقولة ” ارض الميعاد ” والتي قامت على عاملين : .. .. .. ..
1- عامل الآمان المرتبط بالتفوق على كل الجيوش العربية والتي اسقطته المقاومتين اللبنانية والفسطينية من خلال المواجهات المستمرة والتي باتت فيه الجبهة الداخلية مسرح عمليات وبات كل منزل في الكيان يعيش الخوف من سقوط الصواريخ على رأسه ، وهو خوف يتحول الى رعب متنامي بسبب الصواريخ الدقيقة التي أصبحت سيرتها يومية على لسان القادة والناس في كيان الاحتلال .
2- عامل الهجرة المعاكسة والذي يمكن مراقبته من خلال مركز الإحصاء الإسرائيلي الذي يورد وبشكل دوري معلومات عن ميزان الهجرة من والى الكيان والذي يشهد خللاً واضحاً لصالح المهاجرين من الكيان والذين وصلوا الى حوالي المليون خلال 15 سنة ، والأهم ان بين هؤلاء ما تقارب نسبته 20% من أصحاب الإختصاص ما يعني تراجع القدرات العلمية في البحث والتطوير خصوصاً اذا ما علمنا ان نسبة المهندسين في مختلف الإختصاص باتت مهندس صهيوني مقابل 25 مهندس في دول وقوى محور المقاومة وهي نسبة تم تحقيقها خلال ال 30 سنة الفائتة وعلى مراحل ويعتبرها قادة العدو من أخطر العوامل على بقاء ووجود الكيان .
انطلاقاً من هذه الوقائع والتي سنعمل على تفصيلها لاحقاً في تفاصيلها المختلفة يبدو الخط البياني بما يرتبط بالصراع صاعداً لمصلحة قوى المحور وهابطاً بما يرتبط بكيان العدو ، واستناداً الى هذا الخط البياني وربطاً بالبعد العقائدي يبدو المسار في تحولاته سائراً نحو تراجع حتمي لقدرات الاحتلال الذي بات يعيش كجزيرة في بحر من الجهاد يحيط به من كل الجوانب ويضيّق عليه الخناق يوماً بعد يوم ليتأكد لقادة العدو قبل قادة محور المقاومة ان الزوال قريب.
اسلام تايمز