كتاب الموقع

زمن أولاد الأزقة

محمود بري | كاتب لبناني

هذا هو زمنهم… وهذا عهدهم.. يتواصل ويزدهر (منذ كذبة انتهاء الحرب).

أولاد الأزقة. يتفننون بإهانة الإنسان الذي “علَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ”.

يفرضون قوانينهم بجلافة على الجميع. لا أحد ينجو من مقصّاتهم. حين تحاول المواجهة تكتشف كم هم أقوياء؛ منيعون؛ لا يؤثر بهم شيء…لا القانون ولا العدالة ولا الشرطة ولا الأمن.

أولاد شوارع! هذا ما يبدو لك، لكن التوصيف تعوزه الدِّقة. هم أولاد الأحزاب… كل الأحزاب (يعني كِلها): حزب اللفتوش، حزب الماخ، حركات المشاخف، تيارات الملسوخين، تجمع القوى اللهطية… مع بطونهم وأفخاذهم. أولاد هذه القبائل المتوحشة أقوياء كلهم ومدعومون  من الذين فوق، في الطوابق العليا من برج بابل.

“هذا لبنان”.

فشرتم…! هذا لبنانكم أنتم… ما جعلتم لبناننا عليه؛ مجرّد مكبّ لزبالتكم مما تُسمّونه أفكاراً وقضايا وأجندات. هذا نتيجة ما ارتكبتم بحق بلدي بعد أن أسقطتم دولته السيئة وصرتم دولته الأسوأ في تاريخ الدول. قُلتم أنكم ستعملون على استبدال حكم التمييز الطائفي بالعدالة الإلهية، ووويلات النظام العرقي المُظلم بالديمقراطية المُشرقة، وشيطانية الـ”واسطات” بتكافؤ الفرص… كم كنتم يوضاسيين وكذبة عن سابق تصميم!

جعلتم بلدنا منفى لأهله؛ جئتم بأصناف زواريب الدنيا ونفايات شعوب الأرض وزعران الفرار من العدالة ليتحكّموا بالبلد تحت إرادتكم وفي تصرّفكم، وليكونوا عمادكم ضدنا لو فكّرنا بالتحرك ضدّكم…ثم جلستم جانباً مثل من لا يخصّه شيء، تمشون بجنازاتنا!

لنا اخترعتم مشكلات لا حلّ لها، ولكم ابتكرتم مشاريع سلب ونهب بتسميات خُلّبية تحت يافطات البناء والإعمار؛ شاركتم المستعرب على مال خزينتنا ورحتم وإياه تمتصّون كما يمتصّ العلق الدم. وحين فرغ الإناء فتحتم دفاتر الديون علينا حتى أحفاد أحفادنا، وبنيتم ثرواتكم الحرام ورفاهيتكم المنهوبة من ماليتنا ولقمتنا واقتصاد بلدنا. لم تشبعوا… لم تأخذوا العِبرة من نصف جثة مرمِيّةٍ على “زفت” الطريق تنهشها النيران التي أوقدها المقتول… ووصلت بكم الوقاحة الإجرامية إلى نهب ودائعنا التي في البنوك (بنوككم)… تلك الدريهمات التي وفّرناها من لقمة عيش أولادنا يوماً فيوم، اغتصبتموها عنوة هكذا، ثم نفضتم أيديكم الوسخة ورحتم تختبئون في التعميم… تقنعوننا أن من فعلها هم الإمبريالية والصهيونية والعدو الإسرائيلي، هؤلاء الطواطم الذين اخترعتم وتستحضرونهم فقط أدوات كلامية لكي “تأكلوا رؤوسنا”.

جعلتم بلدي يتيماً على مائدة لُؤمكم. أتيتم  بكل عفن المحيط والجوارات البشعة وادعيتم  ذلك عروبة ومَسلمة، ثم قعدتم جانباً كأنكم لا شأن لكم في الأمر ولا يد ولا إصبع… أدخلتم كل أمراض عالمكم الوسخ إلى بلدي وراكمتم بين أهلي وجيراني عاهات قبائلكم وويلات طُغاتكم وسكاكين جزاريكم، وحميتم كل هذا الركام بسلطاتكم المغصوبة وشعاراتكم النافقة… ثم شهرتم في وجوهنا سلاح الإتهام بخيانة الأرزة تارةً… والتهويل بعبء العمالة طوراً، ورحتم تصرخون في وجوهنا كي نخرس وإلّا(!).

جعلتم من بديهيات حياتنا ومتطلباتنا الاعتيادية المتواضعة، أعباء لا قِبل لنا بحملها ومشاكل لا قدرة لنا على حلّها، ولا قدرة لقوم المريخ… نهبتم كل لحظة هدوء من أيامنا، اغتصبتم أحلام أولادنا وضحكات أحفادنا. ضربتم علينا الحصار بمكبّات النفايات والتلوّث البيئي واستثمرتم حتى “الزبالة” لشفط صحتنا ومالنا، وبعد ذلك حرصتم على أن تكونوا أنتم المستورد الوحيد لكل ما يتطلّبه المستهلك، فقتلتم واختطفتم وأدّبتم وأرهبتم وألغيتم حتى تسنّت لكم السيطرة ، فرحتم تستوردون عبر الحدود التي جعلتموها مستباحة، وسيطرتم على كل ما يدخل البلد من بضائع ومُستهلكات، ثم جلستم على مناصبكم التي يحميها فسادكم، ترفعون حواجبكم كمن لا عِلم له، وترفعون الأسعار بجشع ثقبٍ لا يمتلئ… تستثمرون في آلام الناس وجنون الدولار.

كسرتم ظهر كهربائنا الرسمية… لتبيعونا كهرباء مولداتكم، وبأعلى وأفظع التسعيرات.

أطلقتم علينا زعران “الدش” وأفاعي السمكرة وديدان الأشغال اليدوية الماصّة، وتصرفتم كأنكم من بلاد الماو ماو… ولا علاقة لكم بشيء.

وللمزيد من ذرّ رمادكم المسموم، رحتم تحددون مناسبات لمؤتمراتكم الصحافية، وللكلمات التافهة التي تُلقونها في مناسباتكم المسماة رسمية، ولخطبكم التي تربطونها ببغال الرزنامة. ثم رحتم تملأون الأجواء بأحاديثكم الممجوجة عن الوطن وتصريحاتكم الفارغة عن القانون والقضاء والعدالة والمسؤولية والحُكم والسلم الأهلي، وصُراخكم الخطابي المسعور عمّا تسمونه قضايا الأمة.

لا أحد منكم أيها الأبالسة تواضع ليتحدث عما يهمّ الناس ويُؤلمهم… لا واحد منكم أطل على “تعتير” المواطن من شرفته. لا “زعيم” منكم أتى على ذكر كيلو البندورة مثلا أو كيلو البرغل أو الرز، ولا عن أسعار اللحوم ولا حتى عن الوقود والخبز والتفاح في بلد التفاح… بل أطلقتم أولادكم يسحبون المتوفر من ذلك في السوق ويصدّرونه إلى… العراق حيث تبيعون مأكلنا بأسعار دولارية مضاعفة. وعمرنا ما ناكل.

قولوا لي:  ما نفع خُطبكم الهدّارة لشعب جائع ولناس كارهين…؟

ألم تلمسوا انكفاء مناصريكم وهبوط الحماسة الشعبية لكم حتى داخل بيئتكم…؟

ألا تلاحظون تآكل شعبيتكم وتردد العديد من حلفائكم في مواصلة تبني خياراتكم السياسية؟

هل تصدقون حقاً أن مؤيديكم الذين اشتريتم باللقمة، هم الشعب اللبناني؟

يمكنكم أن تُنكروا كل تهمة… وحتى أن تُنكروا أنكم الترجمة المحلية للعدو الإسرائيلي الغاشم. يمكنكم أن تُنكروا وتستنكروأ،  لكن من يصدّقكم؟… يا أولاد الأزقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى