تتسارع التطوّرات في الضفة الغربية المحتلّة، لا سيما في مدينة جنين ومخيمها، حيث يستعدّ المقاومون للتصدّي لجيش العدو، في حال قرّر شنّ عملية عسكرية كبرى، على خلفية العمليات الفدائية التي انطلقت من هناك. وفي ما يبدو انعكاساً لحالة الزخم التي ولّدتها مقاومة جنين، تتوسّع دائرة الاشتباك في مختلف أنحاء الضفة المحتلة، وسط تضاعف عمليات إطلاق النار في الريف، بعد أن كانت مقتصرة على المخيّمات والمدن، في مشهد مشابه لأجواء الضفة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة
جنين | تشهد الضفة الغربية تطوّرات دراماتيكية بين ساعة وأخرى؛ إذ ارتقى أربعة شهداء خلال يوم واحد، بينما كان مخيّم جنين يعلن النفير العام لصدّ الهجمة الإسرائيلية المقبلة، توازياً مع إصابة مستوطنَين اثنين بإطلاق نار في نابلس، في ما أعقب سلسلة عمليات إطلاق نار في بيت لحم وجنين. وتشي تلك التطوّرات المتسارعة بتعمّق دائرة الاشتباك وتوسّعها، خصوصاً إذا ما قرّر العدو شنّ حملة عسكرية كبيرة ضدّ جنين ومخيّمها. وبدأت أحداث فجر العاشر من رمضان، بوصول مستوطنَين بمركبة إلى قبر يوسف شرق نابلس، من غير تنسيق أمني، وبعد يوم واحد من إحراق شبّان لأجزاء من القبر الذي يقتحمه المستوطنون لأداء طقوس تلمودية. واقتحمت المركبة محيط المكان، لكنّها فوجئت بملاحقة شبّان لها، ثمّ دهست شاباً فلسطينياً، وأثناء مغادرتها المدينة، تعرّضت لإطلاق نار فأصيب المستوطنان بجروح.
في هذا الوقت، استمرّت الفعاليات والمسيرات المسانِدة لجنين ومخيّمها في عدد من المناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما شهدت ليلة العاشر من رمضان نشوء 25 نقطة مواجهة على الأقلّ ضدّ الإسرائيليين. وبعد نجاة والدة الشهيد رعد حازم وشقيقه من محاولة اغتيال أو اعتقال على يد قوّة خاصة إسرائيلية في جنين، جُنّ جنون «الشاباك»، فسارع إلى الاتّصال مجدّداً بوالد الشهيد، مُطالباً إيّاه بتسليم نفسه، لكن الأب رفض التهديدات في خطاب جماهيري قال فيه: «نرفض التهديدات، ولا نخاف إلا الله، ولن نتنازل عن ثوابتنا وأرضنا ومقدّساتنا». ومع مرور ساعتَين فقط على تهديد العدو باقتحام المخيّم، خرجت جنين عن بكرة أبيها، ليجري إغلاق كلّ مداخل المدينة والمخيّم، في حين انتشرت مجموعات المقاومين في الشوارع والأزقة، وجرى تفعيل وحدات الإرباك الليلي و«الكوشوك». هكذا، وبلمح البصر، تحوّلت أجواء جنين إلى أجواء انتفاضة عارمة، وساندتها الضفة الغربية بمواجهات عنيفة اندلعت على أكثر من نقطة تماس، استشهد خلالها الشاب محمد علي غنيم، وهو أسير محرَّر أصيب برصاص العدو خلال كمينٍ لشبّان المواجهات في بلدة الخضر جنوب بيت لحم. ووصف عضو المجلس الثوري لحركة «فتح»، وأحد قادة معركة جنين سابقاً، جمال حويل، أجواء ليلة العاشر من رمضان بالقول: «الصورة في مخيم جنين تعيدنا إلى أجواء معركة نيسان 2002، على رغم كلّ محاولات الاحتلال إعادة صهر وعي الشباب الفلسطيني». وفي بيان مشترك مصوَّر، ظهر ملثّمون من «كتيبة جنين» في «سرايا القدس»، و«كتائب القسام» و«أبو علي مصطفى» و«شهداء الأقصى»، وأكدّوا استعدادهم للتصدّي لجيش الاحتلال، قائلين: «نحن على أتمّ الجاهزية للتصدّي للعدو بكلّ الوسائل المتاحة، وسنقاتل بإرادة المنتصرين ويا خيل الله اركبي، إنها ساعة الحق».
ومن الملاحظ أن عمليات إطلاق النار تضاعفت في الريف الفلسطيني، بعد أن كانت مقتصرة على المخيّمات ثمّ انتقلت إلى المدن. كما أن البلدة القديمة في نابلس تواصل حشد مقاتليها التابعين لـ«كتائب شهداء الأقصى، لكن حتى الآن لم تشهد المدينة سوى إطلاق نار متكرّر باتجاه نقطة عسكرية إسرائيلية مقامة على جبل جرزيم. ويرى مراقبون أن الأجواء التي خلقتها جنين في عموم الضفة الغربية، مشابهة لأجواء الضفة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومعركة «سيف القدس» في العام الماضي، فيما من المرجّح أن تستمرّ عمليات إطلاق النار وتتوسّع، وأن يزداد عدد المطارَدين المطلوبين لجيش العدو، بالنظر إلى أن ظاهرة المطارَد أصبحت تمثّل القدوة، وتحيط بها هالة من الاحترام والتقدير. كما أن نجاح العمليات الفدائية يشكّل دافعاً لعمليات أخرى، وكذلك استمرار استشهاد فلسطينيين جدد من شأنه تسعير الغضب ومضاعفة وتيرة التصعيد.