نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني .
هنا النسخة الصينية من صفقة القرن , بعدما تعثرت , وربما ووريت الثرى , النسخة الأميركية من الصفقة …
وهؤلاء هم الايرانيون الذين يطرحون نظامهم الثيوقراطي كنظام طوباوي (ولا طوباوية في زمننا أو في أي زمن آخر) كم تراهم بارعون في اللعب داخل المعادلات , وداخل التناقضات , الدولية والاقليمية البالغة التعقيد !
400 مليار دولار على مدى 25 عاما . في العقل العربي ليس بالرقم الأسطوري . على مدى عقود طويلة من العائدات النفطية الهائلة ما زلنا خارج الزمن الصناعي , كما خارج الزمن التكنولوجي . مضارب قبلية , باحلال الزجاج محل وبر الابل , وتحميها الأساطيل .
عند الايرانيين يمكن لهذا المبلغ أن يحوّل دولتهم الى دولة صناعية كبرى ليس فقط على مستوى المنطقة , وانما على المستوى العالمي , مع ما لذلك من انعكاسات مثيرة على دورها الجيوسياسي , ودورها الجيوستراتيجي .
صدمة في الدوائر السياسية , والاعلامية , الأميركية , وبالأخص الوكالات الاستخباراتية التي كانت تستبعد عقد الصفقة لاعتقادها أن ايران تخشى من ردة الفعل الأميركية الى حد الامتناع عن اتخاذ أي خطوة في اتجاه العودة الى الاتفاق النووي , وتكثيف العقوبات الاقتصادية , ناهيك عن لاءات صقور المحافظين الذين يرون أن الاتفاقية تعني وضع ايران بين فكي التنين .
المعلقون في الصحف الأميركية الكبرى حملوا على السياسات البهلوانية لدونالد ترامب , كونها وضعت الأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة داخل دائرة الخطر حين خرجت من اتفاق فيينا , وتركت القنوات مفتوحة على مصراعيها بين بكين وطهران , مراعاة للدولة العبرية ولبعض الدول العربية .
في رأي هؤلاء أن المصالح الحيوية لبلادهم كانت تقتضي المضي في المسار الديبلوماسي مع ايران كي تبقى هذه بمنأى عن الاغراءات الصينية , بالتداعيات الدراماتيكية , والتي لا بد أن تؤثر على توازنات القوة في الشرق الأقصى . بطبيعة الحال في الشرق الأوسط .
حدث ما حدث . انها رقصة التانغو مع التنين . بعد انقضاء نحو شهرين من بدء الولاية لا تزال ادارة جو بايدن تطلق المواقف الضبابية والملتبسة , ظناً منها أن ذلك يمكن أن يستدرج ايران التي لا تؤمن البتة بديبلوماسية “الغموض الخلاق” الى ردهة المفاوضات .
هذا في حين كانت المواقف الايرانية قاطعة . كل شيء يبدأ برفع العقوبات , دون البحث لا في المشاريع الباليستية ولا في التواجد الجيوسياسي من ضفاف البحر الأحمر الى ضفاف البحر الأبيض المتوسط .
للمرة الأولى تستعيض الصين عن سياسات التسلل , تحت جنح الظلام , الى دول محورية في أرجاء الكرة الأرضية , بالقاء الضوء على توقيع الاتفاقية العملاقة , والتي تعقبها اتفاقات أخرى , مع ايران .
الصين التي تعاملت , حتى الآن , مع “الضربات” الأميركية بالقفازات الحريرية التي اشتهرت بها عبر
القرون , أعلنت أنها ستدافع عن مصالحها المشروعة
مع ايران .
الترجمة العملانية لدى واشنطن أن الغواصات قد ترافق ناقلات النفط من مضيق هرمز الى موانئ الصين التي أعلنت أيضاً , مع ما لذلك من دلالات قانونية ودلالات سياسية , أنها ستبذل قصارى جهدها لحماية الاتفاق النووي والذي أقره مجلس الأمن الدولي .
جو بايدن قال ان الصين تسعى لتكون القوة العالمية الأولى “… وهذا لن يحصل في عهدي” . “النيويورك تايمز” تساءلت ما اذا كانت السياسات الكلاسيكية , أو السياسات البطيئة , يمكن أن يكون لها أي أثر .
سؤالنا : بعد ربع قرن من الآن , أين سيكون الايرانيون وأين سيكون العرب ؟ حائك السجاد الذي اشتهر بطول الأناة لا يريد اقفال الباب مع أميركا التي يمكن أن تعطيه الكثير خشية ذهابه أكثر في الخيار الصيني .
العرب من فراغ الى فراغ . دائماً ثمة أقدام غريبة , وأدمغة غريبة , هي التي تملأ الفراغ …