تحليلات و ابحاث

رفع حظر التسليح عن إيران.. أسئلة المردود السياسي والقدرة المالية على صفقات الأسلحة

الاستحقاق المذكور تعتبره طهران أهم مكاسب الاتفاق النووي سياسيًا وعسكريًا، إذا أنه سيمكنها من العودة لشراء الأسلحة التقليدية وبيعها. أسلحة تشمل الدبابات والطائرات المقاتلة والمدفعية الثقيلة. احتفت إيران بهذا المكسب قبل أيام على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي أكد يوم 14 تشرين الأول / أكتوبر ” أنه قريبا ينتهي هذا الحظر الظالم الممتد لعشر سنوات. قاتلنا أميركا أربع سنوات للوصول إلى هذا اليوم، وواحدة من فوائد الاتفاق النووي هي رفع الحظر التسليحي علينا، وعندها نستطيع شراء وبيع الأسلحة لمن نريد”.

بين الاستيراد والاكتفاء الذاتي

بمعزل عن حقيقة وجود نوايا لدى طهران لعقد صفقات السلاح مع الخارج، إلا أنها تنظر لرفع الحظر كميزة سياسية وحق مكتسب بفعل الاتفاق النووي. من هنا كانت الشراسة الإيرانية في الدفاع عن هذا الحق، كي لا يُفهم أنها أعطت لخصومها ضوءًا أخضر لممارسة ضغوط أكثر عليها، كما أنها بهذا الإصرار تتجنب تشجيع هؤلاء الخصوم على توجيه ضربات أكبر إليها. ولتثبيت جديتها في الاستفادة من هذا الحق، لم تتوان إيران عن إبراز اهتمامها بتحديث معداتها العسكرية، ولا سيما الخاصة بالقوات الجوية والدفاع الجوي، وذلك بعد تحقيقها الاكتفاء الذاتي إلى حد ما في عدد من الأفرع البرية والبحرية.

زيارة وزير الدفاع الإيراني امير حاتمي إلى روسيا جاءت لتؤكد هذا الاهتمام، حيث شارك الأخير في منتدى الجيش -2020 الدولي للتكنولوجيا العسكرية، الذي تنظمه وزارة الدفاع الروسية، فعرض خلاله أحدث المنتجات الدفاعية لبلاده، واطلع على أحدث المعدات الروسية، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي بعيد المدى Almaz-Antey S-400، ونظام الدفاع الجوي قصير المدى Pantsir-S2 المحدث، ودبابة القتال الرئيسية T-90. كذلك تضمنت جولة حاتمي داخل المعرض التوقف عند الطائرة المقاتلة طويلة المدى Su-30 متعددة المهام، وهي طائرة لطالما أبدت طهران اهتمامًا بها، إذ تفوق بقدراتها المقاتلات الأميركية من طراز F-15C الأقدم التي تملك إسرائيل والسعودية عددا منها. وفي وقت سابق كشفت بعض الأنباء عن بدء طيارين إيرانيين التدرب على تشغيل هذه الطائرات، وذلك بعد زيارة وزير الدفاع الإيراني السابق حسين دهقان لروسيا عام 2016، ومناقشته مع المسؤولين الروس إمكانية شراء إيران طائرات من هذا الطراز.

قبل أسابيع، استعرضت إيران عددا من المنجزات العسكرية، كما أعلنت عن ضم 180 طائرة مسيرة لقواتها البحرية. كان لافتًا التصريح الإيراني بأن طهران قد تعيد النظر في حساباتها الخاصة باستيراد الأسلحة، وتحديدًا نوعية المقاتلات الجوية سواء من روسيا أو الصين، بعد دخول العامل الإسرائيلي في المعادلة من خلال اتفاقي التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين.

لطالما حذّرت طهران قبل ذلك الدول التي تستضيف قواعد عسكرية أميركية في المنطقة، لكن الرابط الأمني والدفاعي الخليجي – الإسرائيلي سينظر إليه على أنه تهديد مباشر لمفهوم إيران الراسخ عن “العمق الاستراتيجي” تجاه إسرائيل.

بغض النظر على القيمتين السياسية والعسكرية لرفع الحظر التسليحي المفروض على إيران، هناك عدد من العوامل التي قد تمنع طهران من شراء الأسلحة بكثافة، وتعمد التوجه نحو الشراء الانتقائي. فإيران تعاني الضغوط القصوى، فضلًا عن تهديد واشنطن بفرض عقوبات على المورّدين، كما وعلاقات هؤلاء المورّدين بمنافسي إيران الإقليميين، هذا جنبًا إلى جنب مع استراتيجية الأمن القومي الإيرانية القائمة على الحروب غير المتكافئة ومعارك المناطق الرمادية.

المواقف الدولية

التقرير السنوي الأميركي الأخير حول التسلح في إيران، حذّر من أن رفع حظر التسليح سيدفعها لاقتناء أسلحة، تشمل أسطولها الحربي الجوي، ودفاعات جوية وأسلحة تعزز بها قدرات قواتها البرية. وقد تلقّت طهران عروضًا روسية وصينية لتزويد طهران بمقاتلات يمكن أن تكون سوخوي 27/ سوخوي 30 الروسية، أو ميج 31 الروسية، أو جي 10 الصينية. وهناك احتياجات أخرى قد تسعى إيران لتأمينها بعد رفع الحظر، وتشمل شراء منظومات دفاع جوية أكثر تطورًا من قبيل (S-400 الروسية) ومنظومة الدفاع المتحركة K-300P Bastion-P)) ودبابات تي 90 الروسية. كما أن طهران قد تكتسب التكنولوجيا اللازمة لتحويل قذائفها بعيدة المدى إلى صواريخ، وتحسين دقة صواريخها البالستية القصيرة والمتوسطة المدى، واستحداث تدابير مضادة ووسائل اختراق (سحابات تغشية، أجهزة تشويش، أجهزة تمويه، ورؤوس حربية) لصد الدفاعات الصاروخية.

العقوبات الأميركية أجبرت البنوك الروسية على التخلي حتى عن المعاملات المالية مع إيران بالروبل الروسي. وبالتالي، فصفقات المقايضة التي تنطوي على شحن النفط الخام الإيراني من خلال محطة نفط نيكا بعد تجديدها على الشواطئ الجنوبية الشرقية لبحر قزوين، أو التي تنطوي على طرق أخرى، ستظل خيارًا لإيران لدفع ثمن الأسلحة التي تشتريها من روسيا.

من المرجّح أيضًا انعقاد مباحثات لإيران مع روسيا والصين وتوقيع صفقات أسلحة – حتى ولو بصورة رمزية – لإرسال رسالة سياسية لواشنطن بأن الحظر الأممي قد انتهى، مع الأخذ في الاعتبار عامل الانتخابات الأميركية كعنصر مؤثر على هذه المباحثات. ومن المتوقع أيضًا أن نشهد ما يمكن تسميته بالسياسة التقييدية لروسيا والصين على وجه الخصوص، في التعامل مع إيران في صفقات التسليح.

إلى ذلك، برز تصريح السفير الروسي في طهران ليفان جاغاريان، في 4 تشرين الأول / أكتوبر، وكأنه إعلان بأن بلاده ستبدأ بتنفيذ رفع الحظر فور حصوله. فقد أعلن السفير الروسي أن “موسكو لن تلتزم بحظر الأسلحة على إيران”، مؤكدا أنه “مثلما سلمت موسكو صواريخ إس -300 إلى إيران، ليس لديها مشكلة في تسليم صواريخ إس -400”.

جاغاريان أكد أن “التهديدات الأميركية ضد روسيا حول تعاونها مع إيران ليس لها تأثير على التعاون بين البلدين”، مضيفاً “إذا كان لدى الجانب الإيراني عرض محدد لشراء أسلحة من روسيا، فنحن مستعدون لمتابعة مقترحات الجانب الإيراني بعناية بعد 18 تشرين الأول / أكتوبر”.

أوروبياً، أكد مجلس العلاقات الأوروبية أنه ينبغي على الحكومات الأوروبية المعنية النظر في الأمر، وأن تزن بكل عناية المخاطر التي تتأتى مع انقضاء موعد نهاية حظر الأسلحة الأممي على إيران. وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أعلن أن الدول الأوروبية مستمرة في قيودها التسليحية على إيران حتى عام 2023.

من المتوقع أيضًا أن نشهد ما يمكن تسميته بالسياسة التقييدية لروسيا والصين على وجه الخصوص، في التعامل مع إيران في صفقات التسليح.

المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، علّق على تصريح ماس، معتبراً أن “القرار الذي سيتخذه الاتحاد الأوروبي حول قيود الأسلحة، شأنهم الخاص، مشيراً إلى أن “ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى قطعت تعهداً في إطار القرار 2231 بعدم منع انتفاع إيران من رفع قيود الأسلحة، وأي خطوة يقومون بها في هذا المسار، ستكون ضد تعهداتهم في الاتفاق النووي والقرار 2231″، مضيفاً “أوروبا أثبتت بعد الانسحاب الأميركي إلى أي مدى هي عاجزة عن تنفيذ تعهداتها”.

على الجانب الصيني، تظهر بكين كطرف من أبرز الداعمين لطهران. إذ أنها كانت من أكبر موردي الأسلحة لإيران خلال حقبة ثمانينيات القرن الماضي، فصدّرت إليها الدبابات والطائرات المقاتلة وناقلات الجند المدرعة وصواريخ البحرية والدفاع الجوي، لكن هذا التعاون تقلص في الفترات اللاحقة، إلى أن زار الرئيس الصيني شي جين بينغ في كانون الثاني / يناير 2016 إيران ووقع على اتفاقية شراكة شاملة معها، تضمنت تطوير التعاون العسكري بين البلدين في مجالات عديدة.

في حال رفع العقوبات التسليحية عن طهران، ستتوفر لبكين فرصة كبيرة لإنعاش اقتصادها وتعزيز علاقاتها مع طهران، عبر توقيع العديد من صفقات الأسلحة والذخائر والمنظومات الدفاعية والهجومية. تمتلك الصين بعض المنتجات العسكرية التي قد تثير اهتمام طهران، وعلى رأسها المقاتلة “جي 10 – سي”، وسفن الهجوم السريع “تايب – 02″، والغواصات من فئة “يوان”، والصواريخ المضادة للطائرات “واي جا – 22″، ومنظومات الدفاع الجوي “أتش كيو- 10”. المضمار الأهم للتعاون المحتمل بين الجانبين، سيكون في مجال الطائرات المسيرة، فقد تبوأت بكين خلال السنوات الماضية مكانة كبيرة في هذا المجال، وخصوصاً في صناعة الطائرات المسيرة الهجومية.

عامل الانتخابات الأميركية قد يؤثر على مبيعات بكين وموسكو للسلاح إلى إيران، بل قد تدفع التوترات الإقليمية والدولية موسكو وبكين إلى تسريع بيع الأسلحة لطهران وفق ما يرى محللون. هناك دوافع جيوسياسية وأمنية للقيام بخطوة كهذه، ومنها مواجهة أميركا، فقد تعمد موسكو لتعزيز التعاون العسكري مع طهران في ملفات كالملف السوري. كما أنه من المنتظر محليًا استغلال طهران للحدث وخصوصا الرئيس روحاني، وتأطيره في سياق الهزيمة الدولية لإدارة ترامب، وانتصار في الوقت ذاته للاستراتيجية التي يقودها روحاني في التعامل مع الولايات المتحدة.

بناء على ما سبق، سيكون موعد 18 تشرين الأول/ أكتوبر، صفحة جديدة في تاريخ هذه المنطقة، خصوصاً في ظل التهديدات المتبادلة بين العديد من الدول وإيران. رفع حظر التسلح عن إيران، لن يُصرف في تجارة الأسلحة فقط، بل ستكون له ترجمات سياسية واستراتيجية كبيرة.


الكاتب : أحمد فاروق
الموقع :jadehiran.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2020-10-18 02:24:09

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى