هلال عون | كاتب واديب سوري .
سعادةَ البابا .. في السنة الأولى من توليك الكرسي البابوي، قلتَ يا سعادة البابا، مخاطبا حاخام روما الأكبر :
“إن الكنيسة الكاثوليكية صديق مقرب منكم.. نعم، إننا نحبكم .. أنتم أخوة أعزاء جداً ومحبوبون لدينا».
وفي زيارتك إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في أيار عام 2009 قلتَ أنك ” تتفهم تطلع الفلسطينيين إلى إقامة دولة مستقلة” ، لكنك دعوهم للنأي بالنفس عن “الإرهاب” .
أي أنك تعتبر الكفاح المسلح لتحرير الأرض إرهابا .
ولكنك لم تشرح لهم كيف يمكن أن يقيموا دولة مستقلة بالورود مع محتل مدجج بشتى أنواع السلاح .
ولم تكلف نفسك دعوة إسرائيل وأمريكا اللتين تضربان بعرض الحائط كل قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي الخاصة بإقامة الدولة الفلسطينية منذ 54 عاما حتى الآن .
لم تدعوهما لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بإقامة دولة فلسطينية .
و في جولتك تلك زرتَ أسرة الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط” الذي لم يمر ثلاث سنوات على أسره من قبل الفلسطينيين ، لكنك بالمقابل لم تزر أسرة أي معتقل فلسطيني، رغم أنهم بالآلاف ، ورغم مرور عشرات السنين على اعتقالهم في المعتقلات الإسرائيلية.
وفي زيارتك الأخيرة للعراق دعوتَ العراقيين وشعوب المنطقة إلى السلام .. ونحن معك ندعو إلى السلام ، ولكننا نسألك :
لماذا ، اذا كنت تريد السلام في منطقتنا لم تدعُ أمريكا لسحب جنودها التي تحتل اراضي سورية وعراقية ؟!
ألم تسمع بمطالبة الدولة السورية بخروج قوات الاحتلال الامريكي والتركي من اراضيها ؟!
ألم تسمع بمطالبة البرلمان العراقي القوات الامريكية بالانسحاب من العراق ؟!
إننا نسألك يا سعادة البابا : لماذا لم تطالب بذلك ، كي يتحقق السلام ؟!.
ونسألك كيف يستقيم قيام السلام مع وجود الاحتلال ، ومع سرقته لنفطنا وقمحنا وقرارنا المستقل!
ونسألك : هل تستطيع يا سعادة البابا أن تقيم سلاما مع (جارك) اذا احتل جزءا من أرضك وسرق لقمة عيشك ، وفرض عليك حصارا خانقا فتك ويفتك بأبنائك ؟!!
لماذا ، إنْ، كنت تريد نشر المحبة والسلام بين الشعوب ، لم تأتِ على ذكر احتلال فلسطين ولا على طرد شعبها ..؟!
إننا لا نتمنى يا سعادة البابا أن تضلل، عن غير قصد وعن جهل بالوقائع ، أتباعَ السيد المسيح بوقوفك ضد العدالة و بنصرتك للظالمين وكشحك الطرف عن المظلومين ..
لا نتمنى أن تكون مثل الكثيرين من مشايخ المسلمين (الكبار) الذين يقفون مع الظالم ضد المظلوم ، و يمالئون وينافقون الحكام في السعودية ويدعمونهم في قتلهم الشعب اليمني المظلوم .. ويخضعون للحاكم ولا يقتدون بنبيهم الذي حرّم قتل النفس البريئة .
انك ، للاسف، يا سعادة البابا تقف مع المحتل لأرضنا ومع السارق لثرواتنا حين لا تطالبه بإنهاء احتلاله ووقف سرقاته .
اننا يا سعادة البابا نريد السلام ، ولكنْ للسلام شروط ، لا نظنك تجهلها رغم أنك تتجاهلها ..
وأولها إنهاء الاحتلال وإعادة الحقوق لأصحابها.
ولهذا السبب فإن دعوتك للسلام هي دعوة للاستسلام ولتكريس الظلم ، بعيدا عن قيم السيد المسيح الذي تحمل رسالته .
نسألك : هل كنت ستدعو امريكا واوروبا للسلام معنا ، لو أن جيوشنا تحتل أجزاء من أراضيهم ، ولو أن حكوماتنا تسرق نفطهم وقمحهم وثرواتهم ؟!!
أم كنتَ ستدعونا لإخراج قواتنا من بلادهم ،ولوقف نهبنا لثرواتهم كي يتحقق السلام ؟!
يؤسفني أن اقول لك : اننا لا نستغرب موقفك ، فهو ليس فريدا في نوعه ، وقد تعوّدنا عبر التاريخ على وقوف معظم رجال الدين مع القوي ضد الضعيف ، في خيانة لمبادئ الرسل والانبياء وشرائع السماء .. (( رغم اننا نعتبر موقفك نتيجة جهل بالوقائع ، كما قلنا سابقا ، وربما نتيجة تضليل اعلامي ، وليس عن فهم وقصد )).
هل تعلم يا سعادة البابا أن (الشيخ) القرضاوي ، يُسمى في بلاد المسلمين ب ” رئيس هيئة العلماء المسلمين “؟!! ..
و لكن رغم فخامة التسمية ، إلا أن الواقع أثبت أنه لا يختلف عن أي تاجر ساقط خسيس ، ولا عن أي فاجر لئيم .. بل هو أسوأ لأنه يتاجر بالدين وبالأرواح وبالدماء وبالقيم السماوية والإنسانية مقابل المال .
هل تعلم سعادتك أن كل شرفاء العرب والمسلمين وغير المسلمين ، يعتبرونه حذاء في قدم أمير قطر و “موزته” وبوقا رخيصا لهما ولأردوغان ؟! .
ثق يا سيدي أنني لا اطرحه مثالا للمقاربة ، لا سمح الله ، وحاشا لله ، فأنت لم تدعُ لقتل ثلث الشعب السوري ( أي ثمانية ملايين إنسان) ..
ولكن الخشية من أن يصبح عدم التصريح بوقف القتل ، وعدم الدعوة لرفع الظلم عن المظلوم نوعا من الموافقة الضمنية على ممارسة القتل والظلم .