ميراي الملحم | كاتبة لبنانية .
منذ بدء الأزمة الإقتصاديّة ومع استمرار تهريب البضائع بلا حسيب ، اقتُرِح رفع الدّعم عن المواد الإستهلاكيّة من المصرف المركزي أيّ من أموال المودعين المنهوبة ، كَأحد الحلول لمعالجة الوضع المالي المُتردّي ؛ إذ من غير المنطق أن تستفيد منه كل المكونات الطبقيّة على حدّ سواء .
أمّا بعد الأحداث المُذِلّة التي شهدناها في الآونة الأخيرة بين الشعب اللّبناني ذاته أو مع جنسيّات لاجئة ، أصبح رفع الدّعم فرضاً إلزاميّاً لا مطلباً ، كي لا نشهد قريباً مجازر دمويّة للحصول على كيس سكّر مدعوم أو علبة حليب ؛ وبالتّالي حماية جميع المقيمين على الأراضي اللبنانيّة من ناحية والحفاظ على ما تبقّى من أموال المودعين على تعدّد جنسيّاتهم من ناحية أخرى .
مع ازدياد التوتّر الإقتصادي ، باتَ المواطن اللّبناني يطالب أكثر فأكثر بالتّفرد بِبعض الإمتيازات .. وما أَنْ -لا سمح الله- تحاول الدّولة اللّبنانية ” وانضَربت عَ راسها ” مساعدته بِإعطائه لمحة إمتيازات “ورشّة ملح زيادة ” عن الغير حامل الجنسيّة اللبنانية (بالطبع مع الحفاظ على حقوقه الشرعيّة والإجتماعيّة) ، تحتشد وتستنفر الأُمَم الكونيّة ومنظّمات الشرائع الإنسانية ، وتعلو أصوات اللاجئين ضدّ هكذا تصرّف ، وتبدأ الإتّهامات العشوائية ضدّ الشعب اللبناني بالعنصريّة والتعصّب ، مع العلم أنّ هذا حَقّ من حقوق إبن البلد وحامل الجنسيّة اللبنانية ، مُتَناسين على سبيل المثال قانون ترحيل أيّ فرد غير شرعي على أرض الولايات المتّحدة ، مُغفِلين عن بدء مناداة بعض الدّول الأوروبيّة بِضرورة عودة اللّاجئين إلى بلادهم ، مُتَعامين عن حقيقة الدّول العربيّة المُرّة لعدم أو بالكاد استقبال لاجئين وفرضها أقصى الشروط ، حتّى أنّ بعضها أغلق الحدود بالكامل في وجههم ، والبعض الآخر حصَرهم في مخيّمات على الحدود ؛ تطول وتستمر لائحة البشاعة العالميّة وتبقى الإنسانيّة على غبّ الطّلب ، وإنْ على حساب الشّعب اللبناني .
للأسف لعنة الودائع في المصارف اللبنانية ، ساوَت المواطن بالأجنبي من حيث تنصيبة الأموال ، ووضعت الكلّ في نفس السلّة ؛ فأصبح أيّ مقيم يتحمّل بمفردِه الضغط بَدَل المصارف وأرباب السّلطة .
نَعم المصارف لم تُحسِن إدارة الودائع على حدّ سواء اللبنانيّة والأجنبيّة ، نَعم جميع المودعين لهُم حقوق منهوبة ، ولكن أنْ يَعتبر الأجنبي نفسه المظلوم الأكبر ويُجاهر بذلك بلطجيّاً ، فمَهلاً ، الكلّ كان على علم بِتورّط المصارف في فساد المنظومة السياسيّة اللبنانية ، وهذا أمر ليس خفيّاً على أحد ؛ وبالتّالي هناك مَن طنّش وأودَع أموالَه ، وهناك مَن فَضّل مصارف خارج لبنان ..
كما استفاد اللّبناني من ازدهار هذا القطاع والفوائد الخياليّة لسنوات مليئة ” بالتّنبلة والبريستيج ” ، أيضاً تنعّم المودع الأجنبي بِنفس النّمَط البرجوازي المزيّف .. والآن على جميع المودعين التّشارك بالتّساوي في هذه الكارثة ، أيّ بمثابة زواج ماروني لا طلاق ولا خلع ، عَلى الحلوة والمُرّة ..
نتفهّم صرخة الأجنبي أو النازح أو اللاجئ لفقدان أمواله ، كلّنا نعاني من نفس الظلم والألم .. ولكن مع إحترامي للجميع ، المتضرّر الأكبر يبقى المواطن اللّبناني على أرضِه ؛ مصائب متَتاليّة ومن كل صوب ، من نهب شقى عمره وبطالة وتفجيرات إلى تجويع ، في حين المساعدات “تِرَشرَش” للأجنبي وبالدولار ، وعدد العاملين اللاجئين في ازدياد مستمر ؛ فرجاءً ” خدونا بالحلم شوَيّ ، ما عارفين بَقى من وين ولّا من وين بدنا نلاقيها ” .. ويا ليت الجميع – لبنانيّون وغير لبنانيّون مقيمون على الأراضي اللبنانيّة – يدركون أنّ لديهم واجبات وليس فقط حقوق يطالبون بها تحت سقف القانون ، يا ليت يتوقّف الصّراخ في وجه البلد المُضيف والإستقواء على شعبه بمراجل دونكيشوتيّة بينما ” الله معُه الكل نايِم ” أمام العدوّ الحقيقيّ ، لعلّنا جميعاً نرتاح يوماً ولَو قليلاً ..
في هذه المرحلة الدّقيقة ، علينا رسم خريطة واضحة للخطوات المستقبليّة .. ربّما اللاجئ الفلسطيني وضعه يُعالج بطريقة مختلفة نظراً لوضع بلده ، ولكن مَن يزور قريتَه “ويكآند_ينغ” ويعود بعد أيّام إلى لبنان للإلتحاق بعمله ، وكل حين وحين نسمع شكواه تزداد ، لِما يبقى والعديد من أراضي موطنِه ” سَرِح مَدِح ” سالمة ، لِما والأغلبيّة شاركوا في الإنتخابات الرئاسيّة من السفارة السّورية في لبنان ؟ ما المنطق في هذا ؟
بكل محبّة أتوجّه لكلّ لاجئ أو نازح أو أجنبي غير راضٍ عن وضعِه الحياتيّ في لبنان ، نَعم بلدنا طائفي والحلول غير مطروحة حاليّاً ، وهذا أمر ليسَ بالجديد ، فلِما اللّجوء إليه بالتّحديد ؟
تعبنا من معاتبة الجميع لنا ، فَيَا مُنتقداً ، لا طرداً ولا مع السّلامة ، ” بَس والله بلاد الله واسعة ” ..