رسالة إلى الحاج أبو ميثم
زينب زعيتر | كاتبة لبنانية
ستكون حروفي اليوم رسالة إليك بعد كثيرٍ من الدهشة والصدمة من لحظة ورود خبر شهادتك أيها المبارك.
أيامٌ قليلة لندرك أن خبرًا كهذا أصبح حقيقة، لا تكفي الأيام هذه لتحرك ما في أعماقنا من كلمات، لكني تركت قلمي يقرر ولو شيئًا بسيطًا مما استذكر من صورةٍ لمجاهد تضج بملامح النور كأنها مرت على شعلة موسى، أو ربما أزهرت من نور فاطمة.
اعلم يا حاج، رسالتي لا تشبه رسالتك في حرب تموز، إلا ربما بأمر واحد فقط هو الموقعية، فأنا انظر الى مقامك كسيد أنار بحسن أخلاقه، بتواضعه، بزهده، درب كل شاب أو فتاة كان يحلم أو تحلم أن يلتقي برجل من رجالات الله، فموقعي مثلهم بل تميزت عنهم لأني التقيت عظيماً من أولئك الرجال.
وانت كنت بموقع الجندي ترسل إلى القائد تشكره على دعمه المعنوي وتشد من أزره وتخبره يقيناً أن النصر آتٍ لا محالة، فنحن ممن رشفنا شربة واحدة وبعضنا رمى الماء امتثالاً لأمر الولي كما فعل أصحاب طالوت وقد يكون من ترك الماء تأسياً بالعباس.
سيدي أبا ميثم، رسالتك كانت تحت القصف وبين غبار المعارك في الجنوب، حروفها نورٌ من وجوه الأقمار خلفك وأمامك وفي كل الجهات يصدون أعتى الجيوش، أما رسالتي فيعصرها الحزن وأنا أجلس بهدوء لأفكر أنك لن تقرأ حروفي وأنا أشك بأن تعبيري سيعكس ألمي عندما أعود لأعلم أن هذه الأرض أصبحت خالية من عباد الله الذين يمشون على الأرض هوناً.
أصدفة رحيلُك في ليلة العباس وقد حملت نفس الاسم وتربيت على يد صاحب نفس الاسم السيد الشهيد عباس الموسوي، ومن يعرف السيد عباس ومن قابل كل من تربى في كنفه يدرك أي معلم وأي تلاميذ.
حاج أبو ميثم، التقيت السيد عباس صحيح، هل يمكن أن توصل السلام من أرواحنا المتعبة الى روحه الطاهرة؟
حاج، كيف يكون ممكنًا أن تساعدنا هناك؟ تعودنا أن تكون حاضرًا دائمًا عند كل طلب من صغير او كبير.
تفاجأ البعض ببيتك الترابي، لم أتفاجأ فالتراب على لسانك صفة تطلقها على كل من لا يعلو في الأرض، من يحمل قلباً نورانياً كقلبك، من تعلم أن الدنيا وبما فيها لا تساوي عفطة عنز عند أميرنا علي بن ابي طالب عليه السلام.
هل تعلم يا سيدي أن الفقد وحده يُشعر المرء بأهمية الوجود، يخبره أن الدنيا لا أمان فيها فلا تجعلوا الأمل طويلا، وان القلب سيقف فجأة لينهي حياة مليئة بمراحل لم يهدأ الجسد فيها سعياً وجهداً وجهاداً؟
أيكفي أن نقول جزاك الله عنا خيراً أيها المجاهد من العام 1980 أو ربما أكثر، قاتلت بشجاعة وحملت الأمانة وتركت خلفك مسيرة من النضال من اقليم التفاح الى الجنوب فدمشق وحمص وحلب وغيرها من الثغور؟ أوقفت الساعة لتجري بتوقيتك انت كل ميادين القتال، لتحمل الدم بين كفيك علك تبحث عن صورة الحسين يحمل بين يديه رضيعه المقتول.
حاج أبو ميثم كيف يمكن أن نرى ابتسامتك الهادئة بعد ضجيج الصراخ؟ كيف يمكن أن نسألك عن ميدانك التالي، عن سكونك المهيب، عن تواضعك، عن سماحة السيد لنطمئن منك؟ الآن ننتظره هو أن يخبرنا عنك ما علمنا وما لم نعلم.
ننتظر أن يعلم الكون ما ينطوي فيك من عالم أكبر.