رندلى جبور | كاتبة واعلامية
ليست زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى موسكو عادية، بل حملت عدّة رسائل إلى من يعنيهم الامر وإلى من حاولوا التشويش على هذه الزيارة واستبقوها بحملات تدّعي وقوف الروس إلى جانب سعد الحريري ضد التيار ومع العقوبات ضد باسيل.
ففي الشكل، استقبل المسؤولون الروس رئيس الوطني الحر بالأحضان وكانت اللقاءات ممتدة على مدى ساعات طويلة وتستكمل اليوم. وإذا كان البعض يستخدم الخارج لحرتقات داخلية ضيقة، ويضع بعض الدول بسلّة طرف ضد الطرف الآخر، فإن باسيل وسّع بيكار محادثاته إلى ما فوق الحرتقات الصغيرة فارتقى إلى مستوى رجل دولة بعكس الآخرين الجالسين في تفاصيل لا تبني وطناً، وتحدّث في الوضعين الاقليمي والدولي بالإضافة إلى المحلي الواسع، في النفط والغاز، في الاقتصاد والاستثمار، في المشرقية والوجود المسيحي والحفاظ على التنوع والشراكة والاستقرار، في إعادة الاعمار وبناء السلام في الدول الغارقة بحروبها، وفي عودة النازحين.
وقد بعث الروس بالرسائل التالية وفق ما أفادت مصادر دبلوماسية لـ”Media Factory News”:
أولاً: إن الحل الحكومي هو حلّ داخلي والخارج يساعد فقط بعد اتفاق الافرقاء اللبنانيين، والروس لا يقفون مع طرف ضد آخر، وتأييدهم لسعد الحريري ينبع من أنه الرئيس المكلف دستورياً ليس أكثر، ولأنهم يدعمون تشكيل حكومة بسرعة من أجل الاصلاح والانقاذ. وقد تفهموا بقوة موقف باسيل ولم يعتبروه ولو للحظة معرقلاً.
ثانياً: إن الروس أبلغوا الأوروبيين أنهم ضد فرض عقوبات على شخصيات لبنانية يعتبرونها معرقلة للتشكيل لأن العقوبات لا تؤدي إلى نتائج إيجابية بل العكس، ولعلهم انضموا بذلك إلى أصوات أوروبية رفضت تأمين الاجماع في الاتحاد الاوروبي على مسألة العقوبات ما أدّى إلى إجراءات فرنسية يتيمة لا تثمن ولا تغني عن جوع.
ثالثاً: أبدى الروس اهتماماً واضحاً بالوجود المسيحي في لبنان والمشرق ووجهوا رسالة بضرورة احترام دور المسيحيين وشراكتهم الكاملة في الحكم مع رفضهم العودة إلى ما قبل العام 2005، حين كانت الوصاية تفرض على المسيحيين أسماء لا تمثلهم ولا تعبّر عن وجدانهم.
رابعاً: يعتبر الروس أن المنطقة ذاهبة إلى حلحلة وإلى نوع من التسويات وأن على اللبنانيين أن يكونوا جاهزين لتلقف هذه الحلحلة، لأن “ما حدا فاضي” لأي انفجار أمني أو ما شابه في هذا الوطن الصغير.
أما الرسائل التي بعث بها باسيل فهي التالية:
أولاً: إن التيار الوطني الحر لا يعرقل تشكيل الحكومة، والأهم من التشكيل قيامها بالإصلاحات بدءاً من التدقيق الجنائي مروراً بالكابيتال كونترول وصولاً إلى التفاوض مع صندوق النقد وقيادة حملة مكافحة فساد حقيقية.
ثانياً: لا حكم في لبنان بلا شراكة حقيقية ولا لتهميش الدور المسيحي بطرق ملتوية.
ثالثاً: للتعامل مع موضوع النفط والغاز من موقع التفاوض لا التحدي لئلا نخسر كل شيء.
رابعاً: إن التفكير الجدي في مساعدة لبنان ينطلق من التفكير بالاقتصاد وإعادة النازحين وبناء السوق المشرقية الاقتصادية المشتركة وليس بالتلهي بالزكزكات.
خامساً: إن لبنان لن يعود إلى أزمنة مضت، ولا استقرار من دون ميثاقية مكتملة الصفات، ولا أمن من دون الحفاظ على التنوع، ولا لبنان جديداً من دون تلقف فرصة التسويات الاقليمية والدولية الموضوعة على نار حامية ولو كنا نرى بعض الضغوطات التي هي نوع من رفع السقف قبل الذهاب إلى الحل.
سادساً: لاستغلال العلاقات الدولية لمصلحة لبنان وليس لمصلحة فريق.
وأخيراً تقول هذه المصادر، إن زيارة باسيل أكدت أنه ليس في عزلة دولية، وإنه رقم لا يمكن تخطيه في المعادلة اللبنانية، وكل كلام غير ذلك هو مصروف حبر “عالفاضي”. فأصلاً، مجرد حضوره اليومي في كل المقالات والمحطات الصحافية والاعلامية هو دليل على أنه شخصية محورية في هذا البلد، ولو كره الكارهون.