رسائل إسرائيل الصاروخية في سورية: لا مكان لإيران

اختلف الاستهداف بأهدافه ومكان تنفيذه عما سبقه من اعتداءات سابقة لسلاح الجو الإسرائيلي في سورية، وحمل معه رسائل عدة. الغارات استهدفت مكتب قائد الفرقة السابعة من الفيلق الأول في الجيش السوري، التي يقودها اللواء أكرم حويجة، من دون أن يقترب الى نقاط لحزب الله في هذه المنطقة.

سارعت تل ابيب بعد ساعات للكشف عن أهداف الهجوم، والرسائل التي ارادت أن يحملها إلى دمشق. وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قال إن العدوان “استهدف نقاطا تابعة لقوة القدس في الحرس الثوري الإيراني” محملاً دمشق مسؤولية كل ما يجري على أراضيها ومن أراضيها.

بعد كلام وزير الدفاع، غرد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي أدرعي، ليكشف الرسالتين المراد أن تصلا الى دمشق. بحسب ادرعي ارادت تل أبيب القول إنها “لن تسمح بتموضع الإيراني في سوريا عامة، وقرب الحدود خاصة (في إشارة إلى الحدود مع الجولان المحتل ).”

هكذا يكون المشهد شبه مكتمل إسرائيليا. ولكن ما هي المخاوف التي دفعت تل أبيب في أول هجوم دقيق الأهداف، بعد أخر عدوان لها، والذي قضى فيه أحد عناصر حزب الله في جنوب دمشق، لاستهداف نقطة تابعة للجيش السوري وتجنب استهداف نقاط قريبة منها لحزب الله؟، وهل فعلا استهدفت إسرائيل مقرات تابعة لقوة القدس؟.

بحسب مصادر جاده إيران، فقد استهدفت الطائرات الإسرائيلية كما أسلفنا مكتب قائد الفرقة السابعة والهدف من ذلك انهاء دور اللواء أكرم حويجة، واضافت المصادر أن حويجة “هو الشخص الذي سبق لتل أبيب أن ذكرت اسمه ووجهت رسائل له، ولقائد فيلقه اللواء علي الأسعد بالإضافة الى أربعة من رفاقيهما، بأنهم هدف للإسرائيلي”. الرسائل التي ألقيت على شكل قصاصات ورقية في مناطق تابعة للفيلق الأول قبل شهر من العدوان، طالبت الضباط القادة في الجيش السوري بالابتعاد عن حزب الله وإيران، وحذرتهم من الإصرار على تعاونهم مع الحزب والإيرانيين، كما أكدت أن تعنتهم سيجعل منهم هدفا لإسرائيل. وهذا ما حدث فعلا.

أرادت تل أبيب انهاء دور حويجة لدوره في تغطية نشاط حزب الله في الجنوب السوري، خاصة في منطقة تواجد الفرقة السابعة واللواء تسعين، المنطقة التي تعتبر الأخطر على إسرائيل. فهي تقع في منطقة فض الاشتباك المتفق عليها منذ تشرين الأول/ أكتوبر 1973. تذرعت إسرائيل بأنها عثرت على عبوات ناسفة، قرب نقاط عسكرية تابعة لها في الجولان المحتل، وبررت عدوانها بأنه رد على ما وجد.

لم ينجح العدوان باغتيال اللواء حويجة، لكنه أدى إلى سقوط جنديين من عناصر الفرقة. تقول مصادر جاده إيران إن الهجوم لم يحقق هدفا كانت تريده إسرائيل، ترجمة لما ارسلته سابقا عبر القصاصات الورقية، أو عن طريق الفيديو المصور الذي نشرته في نيسان ابريل الماضي لحويجة وقالت إنه برفقة الحاج هاشم قائد قوات حزب الله في الجنوب السوري. الفيديو كان عند الخط الحدودي في الجولان.

تبدو إسرائيل هنا كمن يريد إعادة صياغة قوانين اللعبة من خلال هجماتها المتكررة على سورية، مع تعديل بالأهداف وحفاظا على المبتغى. فبدل أن تستهدف نقاطاً تابعة لحزب الله، وتنتظر رده إن أدى ذلك لوقوع ضحايا. باتت تتبع استراتيجية جديدة، تقوم على تحريض ضباط سوريين، على عدم التعامل او التعاون مع حزب الله وإيران. السبيل الى ذلك هو تهديد حياتهم ما يمنعهم وغيرهم من التفكير في التعامل مع الإيرانيين في سوريا عامة والجنوب السوري خاصة.

مما لا شك فيه أن إسرائيل حاولت بالتهديد المكتوب، لكنها لم تنجح. فأرادت أن تكون لرسائلها ترجمة حقيقية على الأرض. شخص واحد يكفي لردع عشرات غيره، معادلة تعتبر أكثر فائدة لها من استهداف مقرات لحزب الله، يترتب عليها رد من جنوب لبنان. أو قصف لمقار إيرانية، قد يترتب عليها رد من نقطة ما من سوريا “كما حدث صيف 2018”.

ولكن السؤال: هل فعلا شعور إسرائيل بالخطر يكمن فقط في الجنوب السوري؟ أم أن الجزء الأول من تغريدة أدرعي عندما قال: “سوريا عامة، والحدود خاصة ” هو المهم؟.

في الواقع، حاول الإسرائيلي عبر أميركا أكثر من مرة، أن يضغط لإجبار دمشق على انهاء الوجود الإيراني في سوريا. والتأكيد أن الوجود الإيراني في سوريا سيعني المزيد من العقوبات. رد دمشق الرافض للرضوخ للمطالب الأميركية، عزز باتفاق التعاون العسكري لمدة خمسة عشر سنة. يقضي الاتفاق بأن تتعاون إيران وسوريا، على إعادة بناء الدفاعات الجوية السورية، بما يمكن دمشق من اغلاق اجوائها ومنع أي عدوان أكان إسرائيلياً ام غير ذلك.

وتشير المصادر إلى أن قواعد الدفاع الجوي لن تكون إيرانية بحتة بل ستكون مشتركة، ويبدو أنها ستجهز على الطريقة الإيرانية “النفس الطويل بما يضمن إنجازها” ستجهز على مراحل، تبدأ من شمال سوريا ووسطها وشرقها، لتصل لاحقا الى الجنوب. وهذا سيضع إسرائيل أمام تحديات صعبة في حال تمكنت دمشق من الوصول اليه. فالخطة الإسرائيلية في بداية الحرب السورية، كانت تقوم بالدرجة الأولى على عمليات تهدف لتدمير كافة نقاط الدفاع الجوي السورية، الأمر الذي جعل من الأجواء السورية مستباحة أمام الجميع. فقدت بذلك سورية مقومات الدفاع عن نفسها واجوائها “وربما هذا ما جعل التهديدات الأميركية عام 2014 بقصف دمشق أكثر جدية وسهولة.”

عام 2015 كان يتوقع أن تفي روسيا بتعهداتها، بحماية الأجواء المحيطة بقاعدة حميميم، بنصف قطر دائرة يصل الى 50 كم، وهذا لم يتم. تكرر العدوان الإسرائيلي على نقاط لا تبعد عن حميميم أكثر من 5كم. وهنا كان لابد من بديل، معاهدة تعاون مع إيران، التي تمتلك دفاعات جوية وأنظمة رادار متطورة تمكن دمشق من الوصول إلى هدفها، وإعادة بناء دفاعاتها الجوية مجددا، لتكون هذه المهمة، تهديدا لإسرائيل لعدة أسباب. تقول المصادر إن أول الأسباب هي أن الدفاعات الجوية السورية لن تكون مرتبطة بروسيا، التي تربطها علاقات جيدة مع تل ابيب، ما يعني أن دمشق ستكون مبسوطة اليد في استخدام ما لديها ومن دون قيود. الأمر الثاني، سيكون الوجود الإيراني ضروريا لدمشق بحكم الأمر الواقع. السبب الثالث هو أن عدد لا بأس به من الضباط السوريون سيعملون على التغيير من اسلوبهم العسكري بما يتناسب مع الشريك الجديد ومصدر التسليح الجديد أيضا، وهذا بحد ذاته يشكل قلقا كبيرا لإسرائيل، لنتذكر مخاوف أميركا من اقتناء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي اس 400.

هذا الأمر سيغير الكثير من المعادلات بين دمشق وتل أبيب. وسيعطي لسوريا فرصة لترسيخ معادلة ردع جديدة لن تكون فيها أي عوائق أو حدود مرتبطة بمصدر التسليح. هنا نعود إلى العدوان الأخير، وهدفه الرامي الى ترجمة التهديدات التي وجهت سابقا للضباط السوريين. فإسرائيل باتت تسعى للضغط على شخص الضابط السوري، كعامل مباشر يكون استفزازه عامل ضغط على القيادة للحد من دور إيران في سوريا. أو لخلق حالة من التأفف وقلق لدى الضباط السوريين، تدفعهم للحد من التعاون والتنسيق مع ايران وحزب الله. ولعل هذا هو السبب المباشر لمسارعة بني غانتس لمخاطبة دمشق مباشرة والقول “أنتم المسؤولون وأنتم المستهدفون.”


الكاتب : رضا الباشا
الموقع :jadehiran.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2020-11-21 07:25:58

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version