حسن حردان – باحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية
تحلّ ذكرى استشهاد القائد الثوري، مؤسس رابطة الشغيلة، ظافر أنور الخطيب هذا العام، في زمن انتصارات قوى المقاومة والتحرّر واتساع وتنامي قوة جبهة المقاومة في المنطقة، التي باتت ممتدّة من لبنان وسورية والعراق مروراً بغزة واليمن وصولاً إلى إيران ـ الثورة… فيما تراجعت وانحسرت هيمنة الإمبراطورية الاستعمارية الأميركية وتفجرت التناقضات في داخلها، بعد الهزائم التي ألحقتها بها قوى المقاومة في العراق، وبجيوشها الإرهابية في سورية، التي استهدفت بحرب كونية، قادتها إدارة العدوان الأميركي… فيما تفاقم المأزق الوجودي لكيان العدو الصهيوني اثر هزائمه المتكرّرة أمام المقاومة الباسلة في لبنان وقطاع غزة، وتآكلت القوة الردعية لجيش العدو، وبات يجري المناورات الدفاعية استعداداً لمواجهة هجوم المقاومة وسيطرتها المحتملة على الجليل المحتلّ في أيّ حرب مقبلة…
هذا التطور في قوة وقدرات المقاومة، واتساع جبهتها، طالما تطلع إليه الشهيد ظافر، الذي كان يدعو الى بناء جبهة المقاومة وتحصين قرى الجنوب اللبناني وتوفير مقومات الصمود الشعبي في مواجهة الاحتلال والعدوان الصهيوني على فلسطين.. لأنّ البوصلة عند ظافر كانت دائماً هي فلسطين، القضية المركزية وجوهر الصراع مع قوى الاستعمار، التي تقف وراء تمزيق وتفيت الوطن العربي ووحدة الأمة العربية، لإبقائها خاضعة لسيطرة الاستعمار كي يواصل عملية نهب خيراتها وثرواتها..
إنّ احياء ذكرى استشهاد ظافر، في كلّ عام، إنما هي لإعادة التذكير بتراثه الثوري ونضالاته الوطنية والقومية التي ضحى وقدم دماه في سبيلها، وللتأكيد بأنّ هذه النضالات والتضحيات لم تذهب سدى، فهي تثمر اليوم في ساحات الصراع، معادلات قوة في مواجهة قوى الاحتلال والاستعمار… وبفضل انتصارات المقاومة انتقل لبنان من زمن قوته في ضعفه، إلى زمن قوته بمقاومته المقتدرة المستندة إلى المعادلة الذهبية “جيش وشعب ومقاومة”، معادلة باتت تحمي لبنان وثرواته من العدوانية والأطماع الصهيونية… وهو حلم طالما ناضل ظافر ورفاقه، الشهداء منهم والأحياء، من أجل تحقيقه
إذا كانت الإنجازات الهامة لحلف المقاومة في مواجهة قوى الاستعمار والصهيونية والرجعية قد حققت تقدّماً في أحد أهمّ المهمات النضالية، التي كان يطرحها الشهيد القائد ظافر الخطيب مع رفاقه في رابطة الشغيلة باعتبارها أولوية من الأولويات الكفاحية الملقاة على كاهل حركات التحرر العربية، في سياق النضال الوطني والقومي، إلا أن مهمات التغيير الاقتصادي والاجتماعي وتحرير لبنان من النظام الطائفي، آفة الآفات والمولد للأزمات، ومن التبعية الاقتصادية للنظام الرأسمالي الغربي، لا زالت تواجه المصاعب الكبيرة، بسبب، عاملين:
العامل الأول، استمرار سيادة الطائفية والمذهبية التي تغذيها الطبقة السياسية وأحزابها المتحكمة بمفاصل السلطة. العامل الثاني، عدم توافر موازين قوى وطنية، وغياب ائتلاف وطني حقيقي يجمع الاحزاب والحركات والقوى صاحبة المصلحة في خوض النضال السياسي والجماهيري لإحداث التغيير عبر إسقاط النظام الطائفي والخلاص من السياسات الرأسمالية الريعية المتوحشة.. التي تسبّبت بإفلاس لبنان والانهيار الاقتصادي وتدهور قيمة الليرة ومستوى معيشة اللبنانيين..
ظافر الخطيب كان مناضلاً ثورياً بكلّ ما للكلمة من معنى، فهو جمع بين الفكر الثوري والممارسة الثورية.. كان منظراً مبدعاً في طرح النظريات والأفكار لمواجهة التحديات المطروحة أمام قوى الثورة، وفي الوقت نفسه كان منخرطاً في النضال الجماهيري يشارك الطلاب والأساتذة والعمال والمزارعين في تحركاتهم ونضالاتهم، بالقدر الذي كان فيه أيضاً يحمل البندقية في سياق النضال المسلح ضدّ قوى الرجعية والطائفية، التي اشهرت السلاح لفرض مخطط تقسيم لبنان.. وكما كان مقاوماً مع رفاقه الشغيلة، في قرى وبلدات الجنوب ضد العدو الصهيوني.
هكذا عرف ظافر مناضلاً ثورياً في كلّ ساحات النضال، مدافعاً عن قضايا المحرومين والفقراء، متصدّياً لمخططات التقسيم والفتن الطائفية، ومقاوماً في مواجهة الاحتلال الصهيوني.. وفي نفس مفكراً يطرح مهمة بناء الحزب الثوري العربي لتحرير الوطن العربي من كلّ أشكال الاستعمار، وتحقيق الوحدة العربية، داعياً للتلاحم مع حركات التحرر العالمية في مواجهة قوى الإمبريالية..
انّ تزامن ذكرى استشهاد ظافر الخطيب مع ذكرى استشهاد القائدين في حلف المقاومة، قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، إنما تدلل على هذا المعنى من التلاحم العربي والأممي، وتؤكد بأنّ القادة الشهداء أمثال، ظافر وسليماني والمهندس وعماد مغنية، وقبلهم تشي غيفارا إلخ… يرحلون جسداً لكنهم باقون في القلوب والعقول تنهل الأجيال وتتعلم من فكرهم وارثهم النضالي ونكرانهم لذاتهم.. هكذا يظلون مشاعل في تاريخنا تضيئ لنا طريق مواصلة النضال والمقاومة للتحرر من الظلم والاضطهاد والاحتلال والاستعمار…