حاورته وردة سعد
قال الدكتور السيد هادي أفقهي، ان الجمهورية الاسلامية تواجه حرباً مركبة وليس حرباً ذات بعد واحد، حرباً مسعورة، اقتصادية، سياسية، دبلوماسية، اعلامية، امنية، خصوصاً فيما يتعلق بالفضاءات الافتراضية والاعتداء على المنشآت، واغتيال العلماء، اضف الى ذلك حرب الاشاعة والدعاية المغرضة.
وكالة مهر للأنباء – القسم الدولي: الجمهورية الإسلامية تُشكل اليوم نموذجاً للاستقلال والحرية على المستوى العالم برمته، فقد اصبحت إيران قوة إقليمية عظمى لا يُمكن تجاهلها ومُحاربتها بسهولة، فالثورة الإسلامية أخرجت اسرائيل وأميركا من ايران، ووقفت بوجه الظلم والإجرام وهذا ما ترفضه الولايات المتحدة، فامريكا تُعادي النظام الإسلامي في إيران لأنه نظام مستقل ذا سيادة يدافع عن الحكومات والبلدان والشعوب المظالومة في العالم.
فبدفاع الجمهورية الاسلامية عن المظلومين في مختلف بقاع الارض وعلى وجه الخصوص دفاعها عن القضية الفلسطينية جعلها مُستهدفة من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. اضف الى ذلك سعي امريكا واسرائيل لجعل ايران عدوة للمنطقة عبر تقديم الاكاذيب والخدع لفرض سيطرتهم على منطقة الشرق الاوسط، لكن ايران اكدت في اكثر من مناسبة ان سياستها تتمثل في تعزيز العلاقات الطيبة مع دول الجوار وبناء الثقة واجراء الحوار لاستتباب الامن المستدام في المنطقة الذي لا يمكن ان يتحقق إلا من خلال التعاون و إرساء السلام.
وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر، “وردة سعد” حواراً صحفياً مع الدبلوماسي الايراني السابق الدكتور “السيد هادي أفقهي”، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
** ما هي المنطلقات العقائدية السياسية التي ارتكزت عليها الثورة الاسلامية ؟ وما هي الاجواء الاقليمية والدولية والداخلية التي كانت محيطة بالثورة ؟
المنطلقات والاسس هي قرآنية سماوية بإمتياز، حيث سمى البعض هذه الثورة بإسم “ثورة باسم الله”، هذه الثلاثية هي التي ضمنت واسست لهذه الثورة؛ ثلاثية “الامة والامام والاسلام”، وقد حاول جاهدا الاستكبار العالمي ان يفصل بين هذه الاضلع الذهبية. في الحقيقة، ان الثورة عمرها اكثر من ثلاثة وخمسين عاما، ولكن انتصار الثورة وما بعد الانتصار نسميه ما بعد انتصار الثورة الاسلامية.
ومن هنا يعتقد العالم بأنها فاجأت العالم بمعسكريه الشرقي والغربي، وعلى المستوى الداخلي كان الشاه في عز قوته بعد عملية التتويج، وكان الشاه آمن، اضف الى ذلك لانهم كانوا يطلقون على ايران “الجزيرة الامنة”، السافاك كان مسيطر، الكثير من العلماء في السجون، رؤساء الاحزاب السياسية واليساريين كلهم كانوا في السجن.
واُريدَ لهذه الثورة ان تنطلق شرارتها من مقال كُتب ضد سماحة الامام الخميني (قده) في الجرائد، بإسم الكاتب رشيدي مطلق. هذه كانت الشرارة، وبدأت بعدها الاعتصامات والمسيرات من قم الى تبريز الى كرمان والى ان انتصرت الثورة، هذا في الداخل.
وعلى المستوى الاقليمي كان هناك عملية يأس بعد حربين فاشلتين بين العدو الصهيوني والعرب 67 ايام عبد الناصر، وفي عام 73 بفترة السادات، وانتهت بتوقيع معاهدة كامب ديفيد، ولم يكن هناك اي امل بتحسين الوضع الفلسطيني، الكل هيأ نفسه للتطبيع وللاستسلام امام العدو الصهيوني”، ” الشاه كان يتمتع بقوة ظاهرية في الداخل، وشرطي في الخليج الفارسي على مستوى المنطقة، وأما على المستوى الدولي ما من ثورة او من نظام الا وكان يخضع لأحد المعسكرين اما الشرقي الشيوعي الاشتراكي أو الغربي الرأسمالي الليبرالي، صحيح كان هناك منظمة ولا تزال اسمها عدم الانحياز، ولكن هي كلها انحياز”. وأتت الثورة الاسلامية بشعار“لا شرقية لا غربية” لتتحدى المجتمع الدولي وليس الشاه فحسب.
الثورة اتت بظروف استثنائية وبشكل استثنائي، اليوم نسمع من اصدقاء وكبار عملاء وموظفي الشاه المتواجدين في الخارج بدأوا يتحدثون عن حقائق، مثل: “صهر الشاه الذي اطلق على الشهيد الحج قاسم سليماني انه البطل القومي الايراني”، بدأوا يعترفون ويتساءلون: “هل كانت اسباب هذه الثورة اقتصادية ام سياسية ام أمنية؟ كلها كانت مجتمعة، وكان هناك تحقيق للهوية الايرانية”.
يقول هويدا رئيس وزراء الذي كان في عهد الشاه: “اتذكّر عندما رجعنا من الخارج الى ابادان كنت ارى اللوحة مكتوبة على النوادي ودور السينما والقطارات انه ممنوع ركوب الكلاب والايرانيين في هذا النادي او في هذه السينما، وحتى عندما كنا نذهب من طهران الى كرج كان من المفترض ان نأخذ الاستعلام من القنصلية البريطانية انذاك، هذا الوضع كان، فالثورة الاسلامية لم تقودها احزاب معينة.
** هل بالامكان ان نضع مقارنة ومقاربة بين قوة ايران ما قبل وبعد انتصار الثورة الاسلامية ؟
قوة ايران في السابق لم تكن قوة ذاتية بل كانت قوة مكتسبة، فقد كانت مدعومة عبر علاقة وثيقة بين الشاه واميركا، بين الشاه والعدو الصهيوني. وبعد سقوط نظام الشاه ظهرت هشاشته داخليا، بينما الان قوة ايران هي قوة ذاتية وهذا حتى ما يقوله الاعداء امثال ترامب الذي كرر اكثر من مرة انه امريكا صرفت اكثر من 7 تريليون دولار في منطقة الشرق الاوسط، ولم تنجح كل برامجنا ومخططاتنا واجنداتنا في المنطقة، والذي افشل هذه المخططات هي ايران ومحور المقاومة.
** البعض تحدث عن ان نتائج مفاوضات الاتفاق النووي لديها ارتباط بالوضع الداخلي والاقليمي والدولي ما مدى جدية هذا الكلام ؟
في لقاء قائد الثورة مع قادة القوة الجوية، اشار الى موضوع مهم جدا وبالغ الاهمية، وخاطب المسؤولين بالدرجة الاولى، ومن ثم ابناء الشعب، انه نحن الان نواجه حربا مركبة وليس حربا ذات بعد واحد، وذكر بعض النماذج ان هناك حرب اقتصادية، سياسية، دبلوماسية، اعلامية، امنية، خصوصا فيما يتعلق بالفضاءات الافتراضية، وقال علينا في المرحلة الاولى الدفاع والمواجهة في هذه الحرب، ولكن يجب ان ننتقل من التموضع الدفاعي الى التموضع الهجومي، والا سيستمر العدو في حربه علينا. ونحن الان في حرب مسعورة، حرب اقتصادية، حرب سيبرانية، كذلك الحرب الامنية الاعتداء على منشآتنا، اغتيال علمائنا، حرب الاشاعة والدعاية المغرضة.
اضف الى ذلك، ان اغلب هذه المواقع المُغرضة حديثها عن ايران وفقط ايران، ونمتلك قائمة بالاذاعات والتلفزيونات الناطقة باللغة الفارسية ضدنا حوالي 71 فضائية وإذاعة وموقع، هذا عدا عن القضايا الهامشية “حدث ولا حرج فيها”. اذن كيف يمكن لايران ان تواجه كل هذه التحديات، ما لم يكن لديها نظام مُتماسك مُنسجم بقواه الثلاثة المنضوية تحت ارشاد وادارة سماحة السيد القائد، وكيف يمكن لهذا الشعب ان يصمد ويواجه كل هذه الضغوطات؟.
الى جانب هذا نأتي الى نظرية الميدان والدبلوماسية، البعض كان يتصور في الحكومات السابقة انه كلما ننشط في الميدان كلما نواجه في الدبلوماسية مشاكل، في حين ان اليوم نشهد ان هذه المناورات تدعم طاولة المفاوضات، وحضر الوفد الايراني مدعوما بهذه القوة. وبالمقابل، انظر الى الوفد الاميركي ببداية الجولة السابعة في عهد السيد رئيسي، عندما قدمنا ورقتين تتعلقان بآلية رفع العقوبات وغيرها، انتفض الاميركي وشركائه البريطانيين والفرنسيين والالمانيين انه ما هذا؟ نحن لم نتفق في آخر جولة من المفاوضات في عهد السيد روحاني على هذه النقاط، واتى الجواب من الجانب الإيراني انها من صلب الجولات الستة التي قمتم انتم بتأجيلها في الماضي.
عندها ذهب اوستن الى المنامة في البحرين ومن هناك هدد ايران انه في حال لم نتفق مع الايرانيين فكل الخيارات مفتوحة، بعدها بأسبوع واحد هدَّدَ ماكنزي بهجوم عسكري على ايران اذا اتت الاوامر، ومن ناحية اخرى رئيس “السي اي ايه” قال: نحن لا نمتلك اي ادلة قاطعة تثبت بأن ايران تسعى لانتاج قنبلة نووية”. اما المسؤول عن الملف مباشرة رابرت مالي، قال: من الممكن ان لم نتفق ولم نصل الى اتفاق، ربما نضع كل الخيارات، ولكن لم يتحدث أحد عن الخيار العسكري”.
هذه اللعبة هذه التعقيدات هذه الاشكاليات بحاجة الى هندسة عميقة، بحاجة الى ذكاء، بحاجة للاستفادة من الانتكاسات التي حصلت اثناء مفاوضات الحكومة السابقة. اذن مواجهة هذه التحديات بحاجة الى صبر، وبحاجة الى التئام، والى وعي وبصيرة.
** ما الذي يمنع او يحول دون الوصول الى نتائج نهائية فيما يخص الملف النووي ؟
حددت ايران شروط رئيسية واهمها الغاء العقوبات بالكامل ورفضت ان تكون منقوصة، موضوع التثبت على الارض، موضوع الضمانات وهو كان العقبة بنظرهم كيف نضمن ؟، ما الذي تريدونه لنضمن لكم ؟، وانتم الايرانيون ماذا تقدمون لنا من ضمانات ؟، يعني اصبح مضمون الضمانات كرة تتلاعب بين الطرفين.
هم يتحايلون يقولون انهم يمكن ان يعطونا ضمانات ما دام بايدن في البيت الابيض، ولكن لا نضمن لكم بعد انتهاء ولاية بايدن، انظر الى اللعبة، او مثلا يقولون: “لنتفق اتفاق مؤقت لمدة سنتين، الاتفاق المؤقت لا يلغي كل العقوبات”. ايران الان في مرحلة انخراط في اتفاقيات كبيرة في شنغهاي، اوراسيا، صفقات خيالية مع الصين، وروسيا، والهند وباكستان، وهنا يرى الاميركي ان تأثير العقوبات بدأ ينحدر شيئا فشيئا حتى يضمحل.
اذن هم على عجلة من امرهم للتوصل الى اتفاق، ولهذا قال المساعد الاول للرئيس الايراني محمد مخبر، انه ام يعد موضوع الغاء العقوبات موضوع اولويتنا الاولى، ولن نربط حل مشاكلنا وترشيد اقتصادنا في الداخل ولا نعول على ربطه بإلغاء العقوبات، وهذا ما اكده سماحة الامام انه لا يمكن ان نربط عملية ترشيد الاقتصاد ومعالجة وتصحيح القوانين الاقتصادية ومحاربة مكامن الفساد بموضوع لا يمثل سوى عشرين او ثلاثين في المئة، “هذا الامر ارعب اميركا”.
** الى اي حد يمكن الاعتماد على الشرق الذي لربما البعض يعتبر بأنه لم يقم بدوره منذ البداية ؟ هل ترى ان هناك تغيير على الصعيد الداخلي في الجمهورية لمواكب كل هذه التطورات ؟
الشرق يبحث عن مصالحه بصراحة، في عالم السياسة لا صداقات مستدامة ولا عداوات مستمدة، الروس أنفسهم الذين صوتوا على عقوبات مجلس الامن ولكن عندما اتضحت الامور، عندما وقعنا على الاتفاق اتوا الى الجانب الايراني، زيارة السيد رئيسي الى روسيا اتت لفتح حساب عشرة مليار دولار لاعتبارات مالية روسية لايران لتنفذ مشاريع اقتصادية.
هناك تغيير نوعي وتبدل بالنسبة للحكومة الايرانية على مستوى النظام، والوظائف، والمهام، والاداء، كذلك الرقابة الصارمة، والانفتاح على الكثير من القضايا، وقد حصل تسهيل لبعض الامور، وهذا ما بدا في عهد السيد رئيسي عندما كان رئيس القوة القضائية، الان عندما اتى الى القوة التنفيذية والحكومة تسارعت هذه الوثيقة، وحصل ترشيد وتنشيط للاداء من خلال الالتزام بما حدده سماحه السيد القائد، ثم كان هناك بيان الخطوة الثانية، وكذلك ترشيد الاقتصاد ومحاربة الفساد ودعم الوزراء عبر وجود وجوه جديدة.
وبالفعل هناك صدق بالتعامل على كافه المستويات وتحرك لتأمين لقمه عيش المواطن بضمير، وهناك حرص على عدم التضخم بالمعيشة، وتوفير فرص العمل والسكن وكثير من الامور التي تخص المواطن الايراني.