جوزف الهاشم | كاتب لبناني
منذ أن وقَعتِ الدولةُ في قبضة عـددٍ من الأقوياء أصبح لهم فيها كـلُّ النفوذ والمنزلة والثروة، ولم يتركوا لنا فيها إلاّ الخطر والفقر والجزْيـة، فإذا لم يبـقَ لنا من الحياة إلاّ الأنفاس، فخيـرٌ لنا أن نموت شجعاناً من أنْ نفقد حياتنا في أيدي السفهاء -شيشرون (1)-.
عـدُّوا معي… وهنا لا يتوقّف العـدّ.
الدولة أشبه بجثّـة في نعشٍ محمولٍ على أكتاف جوقـة الشرف الحكومية…
شعبٌ يعيش على حبوب الضغط وينتظر سيارات الإسعاف…
طبقةٌ سياسيةٌ قوافلُ من اللصوص تتناسل كما تتناسل الأوبئة والجائحات.
حكامٌ يغتالون الوطن والشعب ويسجّلون الجريمة ضـدّ مجهول…
الأبناء يولدون مرهونين للـدَّيْنِ والأجنَّـةُ في بطـون الحوامل فقراء في الأرحام.
الجياع لا يحلمون برَمَـقِ العيش إلاّ وهُـمْ نيامٌ، والخبـزُ مجبولٌ بالعرق والدموع… و«بالكورونا» وأخواتها.
كيانٌ مصدَّعٌ، وطـنٌ مدمـرّ، سيادة مغتصبة، سلطة مفكّكة، أمـوال مسلوبـة… شركات تجارات مصارف إدارات مؤسسات، كانت… وكأنّها لم تكـن…
طبابة، تعليم، ماء، كهرباء، هـواء…
رزق وظائف، عملٌ أعمال ارتزاق…
عـدلٌ عدالة أمـن استقرار…
قيَـمٌ مسؤولية ضمير أخلاق…
هذه كلّها ألفاظٌ سحرية ساقطة من قاموس هذه التي إسمها الدولة.
هل تريدون بعد أنْ نستكمل مسلسل العـدّ…؟
هَـلْ نصِـفُ فواجع شعب منكوب مشرّد مفقّر، مهجّر، موجوع مفجوعٌ مذعورٌ مقبور ، لا يتوحّد إلاّ بالموت ولا يحيا إلاّ بالموت…؟
«وكنتُـمْ أمواتاً فأحياكمْ ثـمَّ يـميتُكْم ثـمَّ يحييكم ثـمَ إليه تُرْجَعون (2)».
أما بعد، فهل سنظلّ مغلولي الأيدي أمام هذا الهواء الأصفر السياسي الذي يهـبّ علينا ويتلاعب بنا…؟
وهل سنظل نهرْوِل مذعورين وراء الأمل الموعود والمستقبل المفقود، والحياة تجري أمامنا إلى حيث لا مكان ولا زمان…؟
وهل يستطيع الذين يبشِّرون بجهنّـم أن يَعِـدوا الناس بالفردوس…؟
كيف يكون الخلاص إذا ظلَّـت هذه الوديعة التاريخية التي إسمها لبنان رهينةً في أيدي المجانين…؟
بصراحة، ولِـمَ المكابرة والخجل…؟
لا خلاص، ما دمنا لا نعرف ولا نريد أن نعرف كيف نفسّر في قاموسنا السياسي معنى الإصلاح والتغيير، ومع سوء التفسير يصبح الإصلاح خطراً على الإصلاح ويصبح التطوير خطراً على التغيير، ويصبح الفساد هو العقيدة السائدة التي تنافس الدين والنظام.
لا إصلاح ولا تغيـير، إلاّ بتغيـير هذه الطبقة السياسية الحاكمة.
وما دامت الطبقة الحاكمة هي القابضة على زمام سلطات الحكم بالزَيْـفِ والعنف، فلا مجال لأن تغيّـر نفسها بنفسها.
في انتظار الإنتفاضة الشعبية المغلولة بالجائحات، لا بـدّ من أن نلجأ إلى العالم والأمم المتحدة ، وقد بـدا العالم أرأف بلبنان من حكَّامه وأَرحـم.
عندما سقطت باريس في يـد الإلمان لم تخجل الحكومة الفرنسية من أنْ توجّـه نـداء إلى أميركا وبريطانيا يقول: «نناشدكم في هذه اللحظة التاريخية أن تنقذوا فرنسا».
إذا لم يتـمّ إنقاذ لبنان المتدحرج في مهاوي السقوط فلا يبقى من تراثـه إلا ما يحفظه متحـف التاريخ من إهراءات القمح المحترقة في مرفـأ بيروت.
الجمهورية