د. محمد سيد أحمد | كاتب وباحث مصري
ليست المرة الأولى التي نكتب فيها عن تنظيم داعش ولن تكون الأخيرة، فهو ذلك التنظيم الذي ولد من رحم «الربيع العربي» المزعوم الذي انطلق في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011، والمصطلح في أصله يشير إلى ذلك التنظيم الإرهابي الذي يُعرَف بـ «تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام»، والذي حلّ في السنوات الأخيرة محلّ تنظيم «القاعدة» الذي كان يتصدّر المشهد الإرهابي العالمي قبل بداية انطلاق موجة الربيع المزعوم الذي جاءت نتائجه كلها في صالح العدو الصهيونيّ.
وعلى الرغم من وجود العديد من التنظيمات الإرهابيّة التي اكتسبت شهرة كبيرة عبر التاريخ بين سكان المعمورة، إلا أنّ تنظيم داعش يُعَدّ الأكثر شراسة ووحشية ودموية على مدار التاريخ البشريّ، فالعمليات الإرهابية التي أقدم عليها هذا التنظيم لم يرتكبها غيره من قبل خاصة القتل والتمثيل بجثث الأطفال والنساء والشيوخ وفي العلن وأمام الكاميرات، في عالم تطوّرت فيه وسائل الإعلام بشكل مذهل وأصبح العالم قرية صغيرة يتمّ تداول أخبارها بسهولة ويُسْر بين كافة سكانها، حيث أصبح كلّ مواطن إعلامي يحمل وسيلته الإعلاميّة في يده، وهي هاتفه المحمول المتصل بشبكة الإنترنت الذي يمكّنه من التواصل والتفاعل مع الأحداث في كلّ بقاع المعمورة وعبر مواقع تبث عليها ملايين الأخبار والصور والفيديوات في الدقيقة الواحدة مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها من الوسائل التي اصطلح على تسميتها بـ «السوشيال ميديا».
لذلك أصبح مصطلح داعش يُستخدم للإشارة إلى كلّ ما هو غير إنساني ومضادّ للإنسانية ليس فقط في مجال العنف والتطرف والإرهاب السياسي، بل في المجال العام وكافة مناحي الحياة، فتداول المصطلح من خلال الحياة اليومية للمواطنين يشير إلى السلوكيات الإنسانية السلبية، لذلك لا عجب أن يصف مواطن سلوك مواطن آخر قام باستغلاله أو ظلمه أو قهره بأنه داعشي، ولم يعُد استخدام المصطلح يدعو للغرابة عند استخدامه في حياتنا اليومية كمؤشر على الشراسة والوحشيّة والدموية في معاملاتنا اليومية مع بعضنا البعض.
وبالطبع الجميع يعلم دور الولايات المتحدة الأميركيّة في رعاية التنظيمات الإرهابيّة حول العالم على أقلّ تقدير في العقود السبعة الأخيرة وبعد أن أصبحت قوى استعمارية فاعلة على المستوى الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد أن ورثت هذا الدور من بريطانيا أحد أبرز القوى الاستعماريّة القديمة، ذلك لأنّ هذه التنظيمات تلعب دوراً وظيفياً لتحقيق مصالح القوى الاستعماريّة المسيطرة سواء في منطقتنا العربية أو حول العالم، وعندما ظهر تنظيم داعش في السنوات الأخيرة تحت رعاية العدو الأميركي في العراق ثم انتقل إلى سورية وبعدها بدأ يتمدّد ليشكل خطراً داهماً على مصر.
حيث تسلل عبر الحدود الشرقيّة المتاخمة لفلسطين المحتلة بمساعدة العدو الصهيوني وبدأ الجيش المصري معركته مع الدواعش في سيناء وهي المعركة المستمرة منذ ما يزيد على السبع سنوات حتى الآن، ثم تسلله إلى ليبيا وهو ما شكل خطراً على الحدود الغربيّة لمصر دفعت الجيش المصريّ للوقوف بقوة وحزم لدعم الجيش الوطني الليبي لإيقاف تمدّده حتى لا يصل للأراضي المصرية. هذا بالطبع إلى جانب تحركات الجيش المصري على الحدود الجنوبية مع السودان حتى لا يتسلل عبرها الدواعش للداخل المصري.
وإذا كنا قد أدركنا حجم الخطر الذي يشكّله تنظيم داعش باعتباره تنظيماً خارجياً تحركه أميركا يمتلك أفكاراً معادية للإنسانية، فإنّ الأفكار الداعشية نفسها التي تحارب الإنسانيّة تمتلكها وتؤمن بها وتنفذها العديد من القوى الاجتماعية الموجودة داخل المجتمع المصري، وهي وإنْ لم تدخل فعلياً ضمن هذا التنظيم الإرهابي الدولي، لكنها تنفذ ضدّ مواطنيها أفكاره وممارساته الشرسة والوحشية والدموية.
فالتجار والسماسرة الذين يطلقون على أنفسهم لقب رجال الأعمال والذين يتلاعبون بقوت الشعب ويسرقون وينهبون ثرواته أليسوا دواعش وأكثر شراسة ووحشية ودموية مع الفقراء داخل مجتمعنا المصريّ، والموظفون الكبار والصغار الفاسدون والمرتشون والمزوّرون الذين يضربون بالقانون عرض الحائط ولا يطبّقونه إلا على الغلابة أليسوا دواعش، والمسؤولون العاجزون عن حماية المواطنين من شراسة ووحشية ودموية التجار والسماسرة والموظفين الفاسدين أليسوا دواعش؟ ومن ينفذون أجندة النظام الرأسمالي العالمي وتعليمات صندوق النقد الدولي لتصفية وبيع ممتلكات الشعب المصري المتمثلة في شركات ومصانع القطاع العام أليسوا دواعش؟
فعلى الرغم من نجاح الجيش المصري من تجفيف منابع الإرهاب على الأرض المصرية، إلا أننا لم نتمكن من العودة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للغالبية العظمى من المصريين إلى ما كانت عليه قبل موجة «الربيع العربي» المزعوم رغم أنها لم تكن مرضية بل كانت المشاركة الشعبيّة في أحداث 25 يناير/ كانون الثاني دافعها الأوّل هو تحسين هذه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية البائسة، وما وصلنا إليه الآن هو أكثر بؤساً بكلّ تأكيد ويرجع السبب إلى أننا ورغم هزيمتنا للمشروع الأميركي – الصهيوني الذي يمثل دواعش الخارج إلا أننا لم نتمكّن حتى الآن من تحقيق أي انتصار على دواعش الداخل، الذين يسيرون عكس الاتجاه ففي الوقت الذي تسعى فيه الدولة لبناء مشروعات قومية جديدة وكبيرة، في إطار استراتيجية تنموية طموحة تعرف باستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030، يحاول دواعش الداخل التخلّص من المشروعات القوميّة العملاقة التي أقامتها مصر أثناء تجربتها التنموية في ستينيات القرن الماضي.
فدواعش الداخل يحاولون إقناعنا بأنّ تصفية وبيع القطاع العام يقومون به لأنه يخسر. وهذا بالطبع عبث، فالقطاع العام لا يجب النظر إليه بمنطق المكسب والخسارة، ذلك لأنه يقوم بتوفير سلع استراتيجية لخدمة المشروعات التنموية للحفاظ على استقلال الوطن كما ساهم الحديد والصلب في بناء السدّ العالي، وبناء حائط الصواريخ بعد نكسة 1967 على سبيل المثال، هذا إلى جانب توفير سلع أساسيّة مدعومة للغالبية العظمى من المواطنين كما ساهمت شركة مصر للغزل والنسيج، وشركة مصر للأدوية، وشركة الدلتا للأسمدة والصناعات الكيماوية على سبيل المثال. فالقطاع العام بشركاته ومصانعه يخدم الوطن والمواطن وهذا هو الهدف من وجوده، لذلك يجب على الشرفاء كلهم خوض معركة الحفاظ على ممتلكات الشعب التي يسعى دواعش الداخل لتصفيتها وبيعها، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
البناء