غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد
لا وقت للمناكدات والاستنزاف وللشغب السياسي في وجه الحكومة الجديدة، أيا كانت الملاحظات والتحفظّات، لا ينبغي قبول ذرائع المشاكسة والتحريض في ظل الكارثة، فهي تغدو ضربا من العبث السريالي. والواجب الوطني يفرض الالتزام بمنطق المسؤولية في زمن الانهيار الكارثي، حيث باتت المشكلة الوطنية الخطيرة توجب عزل غواية تسجيل النقاط وخوض المناكفات في زمن حرج للغاية. وهذه هي الروح التي تتعامل بها الشعوب الحية في الظروف الحرجة، إلا حيث تغلب المصالح والحسابات الصغيرة، وتطفو الحسابات الذاتية وتنشر الخراب.
أولا: ليس هذا النص خطابا في أخلاقيات العمل العام، التي تُنتهك وتُبتذل في مواضع كثيرة، وتُسفّه بكلّ وقاحة وخفّة أحيانا، بنزق المناكفة والنكاية، لكن الظروف توجب استحضار المسؤولية الوطنية سياسيا وإعلاميا بالابتعاد عن التحريض والإثارة والتربّص الانتهازي، لتصيّد الهفوات والأخطاء. وتلك هي روحية يفرضها زمن الكارثة الكئيب الخانق، الذي يُطبِق على صدور اللبنانيات واللبنانيين. والكلام يطال الواقعين السياسي والإعلامي الملزمين عرفا بفرصة سماح زمنية للحكومات الجديدة، درجت العادة على احترامها في لبنان خلال الأشهر الثلاثة الأولى، بعد نيل الحكومات الثقة النيابية. فالظرف الحرج أدعى لتحكيم التعامل الإيجابي سياسيا وإعلاميا، والبلد يدفع ثمن كلّ جهد مستنزَف، وكلّ وقت يُهدر بالمشاحنات والمناكدات على حساب العمل المشترك المنتج والممكن في سبيل الإنقاذ واحتواء الكارثة وتخطّي الانهيار.
ما يحتاجه اللبنانيون، هو تفعيل الحوار الناضج حول الحلول الممكنة، وكيفية تعزيز التضامن الوطني لتخطّي الكارثة، وبناء إرادة وطنية وحالة من الوعي والجهد التعبوي المشترك حول مسار الخلاص والنهوض الممكن، بترشيد الأداء الحكومي واحتضانه بدلا من استنزافه وإضعافه أو استضعافه.
ثانيا: ما يستدعي التنويه أن بارقة أمل سرت على صعيد الرأي العام، ونشرت مسحة تفاؤل واقعي سوف يترسّخ مع تحرك العمل الحكومي وحصول انفراجات تدريجية في الظروف الخانقة التي نعيشها، ومن واجبنا التنويه بأن تسمية الزميل الأستاذ جورج قرداحي لوزارة الإعلام، تُعتبر فرصة هامة لتعامل مهني جدي ومنتج مع قضايا القطاع الإعلامي بمؤسساته وأطقمه المهنية ونقاباته. ولاشكّ أن وجود إعلامي مخضرم صاحب تجربة مهمة في العمل الإذاعي والتلفزيوني داخل لبنان وخارجه يمثّل نقلة مهمة وواعدة في قيادة الملف الإعلامي، ورسم سياسة إعلامية وطنية، تناسب الظروف الراهنة، وتحقّق المصالح العامة للشعب والوطن، بتعزيز روح التضامن، وشبك الوطن بالانتشار والمحيط الشقيق، وترسيخ تقاليد الحوار، واتخاذ القرارات والمبادرات المناسبة، في سبيل الارتقاء بالأداء الإعلامي العام إلى مستوى التحديات الراهنة تقنيا ومهنيا. ونتطلّع مع الوزير الصديق إلى تطوير مستوى ونوعية أداء الإعلام العام، ورعاية القطاع الإعلامي، وتحفيز نموّه وتطوّره بالإجراءات والتسهيلات المتاحة. ووجود وزير مهني، سيختصر المسافة على جميع أهل المهنة ومؤسسات القطاع المختلفة، لبلورة جدول مهامّ عملي.
ثالثا: من الطبيعي أن تكون تقوية الإعلام العام، أي اذاعة وتلفزيون لبنان، من أهمّ بنود جدول أعمال الوزير الزميل، إلى جانب رعاية الوكالة الوطنية الناجحة مهنيا، والحاضرة في الإعلام الوطني والعربي الدولي، كمصدر معتمد لاستقاء الأخبار والمعلومات حول لبنان، عبر رعايتها وتطويرها باستكمال ما حقّقته، ولكن، من الملحّ تقوية بثّ تلفزيون لبنان، وتوسيع نطاق تغطيته أرضيا وفضائيا، وتطوير محتواه البرامجي وتعزيزه، وتطوير إمكانات هذه المؤسسة الوطنية العريقة برامجيا وتقنيا باتفاقات إنتاج مشترك مع القنوات الشقيقة والصديقة، إلى جانب العمل لتطوير إذاعة لبنان، وتقوية بثّها الوطني وتغطيتها الخارجية، عبر شبكها بالبثّ الفضائي لتلفزيون لبنان، ومن خلال شبكة الأنترنت. وينبغي إعطاء اهتمام خاص لإنتاج برامج موجّهة إلى الانتشار اللبناني في المغتربات، وبثّها بواسطة الأنترنت.
إن هذه المقترحات العامّة قابلة للتحوّل إلى جدول تنفيذي ضمن فترة زمنية معقولة. ومن المتاح توفير الموارد والشراكات الممكنة، إذا تضافرت الجهود والإمكانات في بلورة فرص تنمية وتطوير إعلامنا الوطني خلال فترة عمل الحكومة. وبوجود الوزير قرداحي في الوزارة، ثمّة فرصة لا ينبغي أن تُهدر دون التأسيس لنقلة إيجابية، وفتح مسارات جديدة أبعد من حدود معالجة ندوب الانهيار.