كتاب الموقع

دروس وعبر من الحراك الشعبي في لبنان

محمد زكريا عباس | كاتب لبناني .

حصل ما هو متوقّع في لبنان، انفجر الشارع على وقع ملامسة سعر الدولار الأميركي عتبة الـ 10 آلاف ليرة لبنانية، رغم أنّ سعر الدولار لم يرتفع كثيراً عن الأيام القليلة التي سبقته. لكن المؤكّد أنّ وضع معيشة غالبية اللبنانيين وصل إلى مرحلة صعبة جدًا تُنذر بالأسوأ. وربّما ما تحمله الأيام المقبلة سيكون أقسى بكثير.

تمّ قطع الطرقات على امتداد الساحة اللبنانية، في صورة أعادت إلى الأذهان بعضًا من مشاهد 17 تشرين الأول من عام 2019. وعلى هذا النحو لا بدّ من التذكير والأخذ بعين الإعتبار بعض الدروس والعِبَر التي تعلمناها من التحرّكات السابقة، على قاعدة “فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى”:

أولاً: من حقّ الناس أن تعبّر عن وجعها وحالتها التي تسوء يومًا بعد يوم لكن بشكل حضاري وسلمي بعيدًا عن العنف وأذية المواطنين.

ثانيًا: لا يمكن لأحد بالشكل العام أن يصنّف النّاس التي نزلت إلى الشوارع حسبَ معاييره، لأنّه من الصعب معرفة ما هي نوايا الأفراد الشخصية، وخاصة في ظلّ وضع اقتصادي يحمل الكثير من الفرضيات.

ثالثًا: كي لا نُلدغ من جُحرٍ مرّتين. يجب التوقف عند بعض الأمور:

1. قد يحرّك الوضع المعيشي الصعب الكثير من الناس من دون أيّ دوافع أخرى.
2. هناك قوى سياسية وأحزاب جاهزة دومًا لاستغلال هذه التحركات العفوية عبر المشاركة فيها وإعطائها زخماً أكبر تمهيداً للإستغلال الأكبر في مراحل قادمة.
3. تلك الأحزاب السياسية وخاصة المحسوبة على بقايا 14 آذار تعمل على الزجّ “بشعارات سياسية” بعيداً عن المطالب المعيشية، وخاصة فيما يتعلّق بالتهجّم على سلاح المقاومة!.
4. المتضرّر الأوّل من قطع الطرقات العشوائي، وإن كان بسبب الغضب والألم والجوع، هو المواطن الساعي يومياً لتحصيل قوت يومه، فيما التجّار المحتكرين، وأصحاب المصارف والمسؤولين في الدولة وخاصة عن ارتفاع سعر الدولار لا يتمّ قطع الطرق عليهم، ولا التّوجه بالشعارات ضدهم، وإذا حصل ذلك يكون بشكل خجولٍ جداً.
5. أفق استمرار التحرّكات في الشارع من دون رؤية واضحة من الصادقين فيه، سيساعد أكثر الأحزاب المستغلّة له في توجيه التحركات نحو أهدافها.
6. توقيت قطع بعض الطرقات وتوقيت التحرّكات في بعض الساحات، خاصة بعد الساعات والأيام التي تلي التحرّكات الأولى العفوية، يخضع في أغلب الأحيان لتوجيه غرف سوداء للأحزاب السياسية المستغلة لوجع وصرخة النّاس، تستخدمه حسب أجنداتها.
7. تركيبة لبنان الطائفية حتى الآن ما زالت قوية ومتماسكة، وهي التي تساعد منظومات الفساد في السلطة على الصمود. ونحتاج مزيداً من الوقت للتخلّص من هذا الأمر، والذي يكون فيه الوعي والمعرفة من المرتكزات الأساسية بعيداً عن التعصّب والجهل والتّبعية العمياء للزعيم.
8. ممارسات بعض وسائل الإعلام اللبنانية التي تفتح الهواء للمحتجّين وتغطي الأحداث التي تتناسب مع توجهاتها، وتحاول توجيه المتظاهرين نحو أهداف محددة، ليست بريئة. وهي تنسّق مع الغرف السوداء بسبب وجود مصالح مشتركة مادية وسياسية ضدّ المقاومة وضدّ رئيس الجمهورية. وبحسب تصريح نائب الأمين العام لحزب الله لقناة الميادين (الأربعاء 3 آذار 2021)، فإنّ لدى الحزب معلومات مؤكدة أنّ السفارة الأميركية تعاقدت مع وسيلتين إعلاميتين لبنانيتين، وتدفع لهما أموالاً مقابل تقارير تمس بحزب الله بشكل سيء. (وهنا نستذكر الـ 10 مليار دولار التي تكلّم عنها “ديفيد هيل” من أجل دعم منظّمات المجتمع المدني وبعض القوى في لبنان ضد حزب الله).
9. يحقّ للعديد من الأطراف المحلية وعلى رأسها المقاومة أن يكون لديها حذر شديد من أيّ حركة تحصل في الشارع لأنّ أبواب الإستغلال ضدّها مفتوحة، وخاصة أنّ الميدان الوحيد المتبقي لمواجهتها بحسب المستغلين وأمنياتهم هو عبر تنفيذ “انقلاب شعبي” عليها تكون رافعته الهموم المعيشية والضغوط الاقتصادية على الناس، بعد تشويه صورتها وتحميلها مسؤولية حماية الفساد في لبنان.

لا يمكن لأحد التنبؤ مطلقاً بما ستؤول إليه الأمور في القادم من الأيام. لكن في ظلّ التجارب السابقة، والحملات الموجّهة لخدمة أهداف سياسية، ومع أهمية السعي لإيجاد حلول سريعة للتخفيف من عبء المعيشة على الناس، يبقى العقل المستند على قوة المنطق وتمييز الحقائق هو القائد الذي يجب أن يسير خلفه كل خائف على المقاومة، يعاني من أوضاع معيشية صعبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى