نارام سرجون | كاتب سوري
الأحداث الكبيرة والشخصيات الخطرة التي تشق الناموس والفطرة البشرية هي التي تلد الأمثال العابرة للثقافات مثل عبارة حصان طروادة .. ومثل عبارة يوليو قيصر لصديقه “حتى أنت يابروتوس” .. ولكن الحرب السورية أنهت زمن العبارات القديمة التقليدية لأن شخصياتها كانت خطرة جدا وخرقت الناموس البشري الطبيعي والفطرة .. فكل السوريين كانوا مذهولين من رفع السافل خالد مشعل لعلم الارهابيين السوريين وكان هذا العلم المرفوع اقوى من خنجر بروتوس في ظهر يوليوس قيصر.. ولم يصدق كثير من السوريين حركة مشعل وكانوا ينظرون اليه وهم يقولون: حتى انت يامشعل؟؟
ولكن جاسوس الجواسيس عزمي بشارة كان شيئا في منتهى القسوة على ضمائر السوريين .. الهارب الفلسطيني الذي طار كالعصفور العائذ بدمشق والذي يقدم نفسه على انه مناضل فلسطيني اممي مثل تشي غيفارا .. نجد انه يلجأ الى قصر أمير ويعيش كأمير .. ويقضم من لحوم العرب ويتلوث شاربا هذا المناضل الاممي بالدم العربي .. حتى يقطر الشاربان دما ساخنا .. وأكثر مافي المشهد من قسوة هو انه يتلفع بعلم فلسطين وباسم فلسطين وقلادة فلسطين وألام فلسطين وعذابات فلسطين ولكنه ينسى فلسطين ويلغ في دماء كل من قاتل من اجل فلسطين .. ولم تعد له قضية الا ان تحتل تركيا سورية وليبيا ومصر .. انه بحق يفوق درس حصان طروادة .. الذي ذهب الى متحف الامثال وحل محله (ثعبان الكنيست عزمي بشارة) .. ويكفي ان نذكر هذا الاسم حتى ترى ملامح التقزز والغضب على وجوه الناس او على الاقل ابتسامة سخرية من ذكر هذا الاسم .
هذه الايام بدأنا نلاحظ موجة من المنشورات السورية التي تحمل وجهين .. فقد اقتربت من الموقف الوطني السوري كثيرا وتطابقت معه ثم تجاوزت الموالين في الهجوم على المعارضة حتى استقطبت مجموعة كبيرة من الجمهور المؤيد .. ومن ثم بدأت بالتدريج في دس السم وخلع الدولة السورية من قلوب الناس .. كما فعل ابو موسى الاشعري عندما خلع عليا كما يخلع الخاتم من الاصبع ..
المنشورات الخبيثة مدروسة بعناية فائقة فهي تمجد الرئيس حافظ الاسد والرئيس بشار الاسد وتلقي باللائمة في كل الفشل على البطانة وعلى الاتفاقات والتفاهمات التي يزعم انها ابرمت بين تجار دمشق وشخصياتها العريقة وبين الرئيس الراحل حافظ الاسد الذي حار في سبب انطلاق الاخوان المسلمين في الثمانينات فأسّر له البعض من انه يجب ان يترك تعيين المسؤوليين الحكوميين لأعيان ووجهاء السنة الذين لن يتدخلوا في مؤسستي الجيش والامن اللتين ستتركان للرئاسة .. ثم تسرد هذه المنشورات تفاصيل التفاصيل عن جلسات واتفاقات وأسماء ومسؤولين عن الفساد .. ولكن الرسالة الخطرة التي تريد هذه المنشورات ان تبثها هي التالي:
ان الرئيس حافظ الاسد ومثله الرئيس بشار الاسد غير قادرين على ضبط الفساد لأنه اتفاق وتفاهمات بين وجهاء السنة في سورية وخاصة دمشق وبين القصر الرئاسي .. بأن تجار السنة ووجهاءهم هم من يدير عجلة الاقتصاد والدولة والوزارات .. ولا يد للرئيس في فسادهم ولا سلطة له عليهم فهم فوق اي سلطات بحكم التفاهمات التي تلت احداث حماة .. تخيلوا ان هذا الرجل القوي الذي دوخ العالم يصور على انه يفقد السيطرة على محيط قصره كما يزعم هؤلاء !!
والاخطر هو ان من يدير عجلة الفساد في سورية هم شبكة اخطبوطية شرسة سنية .. اي ان من يمص دماء السوريين هم بحماية واشراف اهل السنة (بعد ان كانت الرسالة قبل سنوات ان اهل السنة هم ضحايا هذا العهد ومظلوموه) .. وفي هذا رسالة خطيرة وهي في تحميل جزء من الشعب السوري مسؤولية الفساد بحيث تصبح هي الجهة التي تصب عليها باقي المكونات جام غضبها .. ويصبح هناك شرخ نفسي بين الاقليات والمكونات الاخرى التي ستحس انها مهملة ومسحوقة بسبب طبقة فاسدين من أهل السنة بعلم الرئيس .. أي ان القاء اللوم على رامي مخلوف في بداية الاحداث تغير اليوم وتحول الى طبقة التجار الدماشقة والحلبيين .. وهذا التوجيه نحو هذه الطبقة فيه نوع من الانتقام منها لأن هذه الطبقة فيها وجوه وطنية هي التي وقفت مع الدولة خلال السنوات الماضية لأنها كانت ترى التاجر التركي في الاناضول يتطلع لاقتلاع الطبقة التجارية السورية والحاقها بالاقتصاد التركي وابتلاع اصولها وتدميرها كي ينتعش الاقتصادي التركي .. في تكرار قميء لما فعله السلطان سليم الاول بعد اجتياحه دمشق والقاهرة .. اذ انه نقل كل المهنيين والعمال المهرة والتجار الى استانبول لاعمارها .. وتحولت دمشق والقاهرة الى أحياء فقيرة بلا فنون ولاتحف ولاعمران ولا صناعات ولا ابتكارات لأن كل متميز كان فورا ينقل الى استانبول لأن البلاد كانت مستباحة ووظيفتها هي فقط خدمة استانبول .. ولذلك نرى انه طوال 400 سنة احتلال عثماني لم تنشأ صناعة في دمشق ولايوجد ضابط عثماني مرموق بقود الجيوش وتسجل باسمه انتصارات من عائلة دمشقية او سورية .. فكل مدينة عليها وال تركي وحاشية تركية والباقي عبيد وعمال سخرة ..
المهم ان هناك عملية تسلل خطيرة تفصل الرئيس بشار الاسد عن الدولة السورية بحجة انه الرجل النظيف في الدولة القذرة الملوثة بالفساد .. حيث تجري في هذه المنشورات عملية فضح الفساد والتنقيب عن الفاسدين ونشر ملفات الوزارات واحدة بعد اخرى بتفاصيل وأسماء وأرقام لاتتاح الا لأجهزة مخابرات تبني عليها قصصا ومؤلفات ..
وبالتالي صار الطحين مفقودا بسبب سوء مؤسسة المطاحن التي يتحكم فيها فاسدون ووزراء التموين .. والمحروقات شحيحة بسبب فساد كبير في وزارة النفط .. وليس بسبب ان قسد تفجر انابيب النفط والغاز المتجهين للحكومة السورية وتمنع حبة قمح واحدة من التوجه غربا فكل شيء يسرق ويباع لغير السوريين .. والليرة تنهار بسبب حازم قرفول وليس بسبب وجود 27 مليار دولار ودائع سورية في مصارف لبنان التي سرقت .. والنتيجة التي سيدفع الناس لاستنتاجها هي ان كل وزرارات الدولة الرئيسية منخورة بالفاسدين وان الذين انشقوا لايشكلون الا 30% من مجموع العملاء فيما ال 70% الباقون هم من يدمر الدولة والمواطن بسوء ادارة مقصود .. ويقدم الرئيس على انه لايقدر على فعل شيء .. فعينه قصيرة ويده قصيرة ولايقدر ان يضع حدا لهذا الأخطبوط .. ولذلك فان المواطن صار ثأره مع هذه الدولة التي لايقدر عليها الرئيس وليس مع الرئيس .. او قد يصل الى نتيجة ان الرئيس عاجز وبالتالي فانه لم يعد هناك مبرر لحماية موقع الرئاسة الذي لايقدر ان يحمي البلاد والمواطنين من الفاسدين .. ولذلك فان غضب المواطن واحتداده قد لايقصد به الرئيس الذي يتم تقديمه ضحية ومصابا بداء النأي بالنفس .. ولكنه قد يتجه اليه لاحقا .. وهذا تمهيد لاطلاق موجة احتجاجات شعبية في صفوف الموالين ضد الدولة الفاسدة وطبقة التجار الدماشقة دون ان تمس الرئيس في البداية لأن الغضب ليس موجها للرئيس .. أي ان هذه الحركة ستفصل الرئاسة عن جسم الدولة ولكنها ستنتقم من أجهزة الدولة .. والتجار .. وتشيع جوا من التحدي بين الرئاسة والناس اذا لم تتم الاستجابة للمطالب في اعادة لما حدث في درعا التي أعلنت (اما ان يشنق المحافظ او تقوم الثورة) .. وهذا يعني تجريد الرئاسة من اسلحة الصمود في تكتل الجمهور الموحد وشقه .. واصابه الاقتصاد السوري أكثر بضرب التجارة والتجار الوطنيين الذين التحموا بقرار الدولة والرئاسة ..
هذا أيضا تسديد خبيث بعيدا عن الامريكيين لابعاد الامريكيين عن المشهد وتحويلهم الى ذئاب بريئة من دم اقتصادنا وليرتنا .. فهذه المنشورات تركز على فكرة ان الفساد والدولة المنخورة هما أس البلاء وسوء الادارة وليس الاحتلال الأمريكي ..
ومايخيف ان هذه المنشورات صارت تقترب من مؤسسة الجيش وصارت تتحدث عن الجيش الذي كان ضباطه يبيعون المواقع العسكرية ويبيعون حياة عناصرهم .. مما تسسب بألاف الشهداء .. وهذا سيقلل من احترام الناس للجيش الأسطوري الذي صمد وضحى وقاتل .. واذا كانت فيه قلة قليلة جدا من الفاسدين فانه المؤسسة السورية الاطهر على الاطلاق .. والأجدر بالاحترام على الاطلاق .. والأنقى والانظف على الاطلاق .. والمؤسسة السورية التي تستحق ان تكون محط فخر جميع السوريين على مر الاجيال والايقونة التي تعلق في أعناق كل من بقي على قيد الحياة .. لأن هذا الجيش صنع ملحمة ومعجزة لايزال العالم يتحدث بها ولايستطيع ان يفهم سر هذا الاعجاز العسكري في ان يقاتل جيش في 2200 نقطة حرب موزعة على كامل الجغرافيا .. وتقصفه طائرات الناتو واسرائيل ويواجه حربا نفسية من كل فضائيات وجرائد ومواقع العالم الالكترونية ويواجه وحوشا آدمية ونصف جيش الناتو واسرائيل والخيانات العربية والاسلاميين العرب والاخوان المسلمين ودول النفط بكل طاقاتها .. وينتصر ..
تخيلوا ان استشهاد (ابو يعرب) الملحمي في جسر الشغور صار يقدم على انه مقصود ومتعمد بسبب ضباط خونة .. رغم ان من يتذكر تلك الفترة يعرف ان القوات المؤازرة التي ارسلت بريا وقعت في كمين في جبل الزاوية أقامه خمسة آلاف مسلح .. أبادوا القوة المؤازرة تقريبا .. وعندما تقدمت الحوامات تعرضت لرمايات المضادات الارضية التي جاءت من تركيا وأصيبت وجعلت عملية الاجلاء مستحيلة .. ولم يتمكن الجيش من دخول المنطقة الا بعد ارسال 100 دبابة لاقتحام المنطقة بعد ان كان السيف قد سبق العذل ..
أنا كنت أشارك بعض المنشورات وأصفق لها عندما كانت تسبقنا في الهجوم على الارهابيين ولكن لن نعطي صك براءة لأحد بعد اليوم .. فدرس عزمي بشارة (او ثعبان الكنيست) لاينسى .. وهذا لايعني اننا ندافع عن الفاسدين .. ولكن احذروا ايها الاصدقاء .. هناك عملية تسميم خطيرة لآرائكم واستدراجكم الى مشاعر معادية للدولة التي صارت كلها فاسدة كي تهدموها لانها هي التي لايقدر الاسد ان يهدمها كما يصورون لكم .. وبذلك تساعدون الامريكيين في تدمير دولتكم وأنتم لاتدركون كم فعل كثير من الاسلاميين .. حاربوا في كل مكان وماتوا ونزفوا في كل حروب امريكا ودمروا بلدانهم وهم يظنون انهم يقاتلون الشرور والكفار والحقيقة هي انهم ماتوا مجانا من أجل امريكا وفي سبيلها وليس في سبيل الله ..
هذا مقال ليس لحماية أحد ولا لتغطية فساد بل ضد الفساد ولكنه ضد تحويل الفساد الى قصة أظافر اطفال درعا .. وهو جرس انذار ومقال استشعار عن بعد لأنه يرى ان توقيت هذه الحرب النفسية غريب وان انفلات هذه التقارير وهذه التفاصيل في هذا التوقيت غريب .. في وقت يتصدر الفقر فيه المشهد وارتفاع الاسعار .. وعجز مؤسسات الدولة عن تلبية احتياجات الناس لأسباب كثيرة بيروقراطية وفاسدة ولكن الجزء الاكبر بسبب الضغط والحصار والاحتلال الامريكي لمواردنا الهائلة ..
تذكروا ان تكونوا حراسا لأنفسكم ولعقولكم .. وحراسا للنصر .. وتذكروا ان درس ثعبان الكنيست عزمي بشارة لايجب ان ينسى .. وأن تسألوا كلما قرأتم منشورا من ينشر ولم ينشر؟ وماسبب توقيته؟ .. وماهي مصداقيته؟؟ ان الانجراف وراء كل منشور لانه يحكي حكايات الفاسدين لتفريغ غضبنا ليس لانه يريد اظهار الفاسدين بل تحويلكم الى اعداء لدولتكم .. وستدركون انكم تحاربون الاسد نفسه عندما تدمرون دولتكم .. ويبقى الاسد من دون دولة ..وانتم بلا دولة .. ولاأسد .. ولابلد .