في العام 2015، بدأت السعودية عدوانها على الأراضي اليمنية، ووعدت بحسم المعركة خلال أشهر، لكن بعد 6 سنوات من العدوان، وجدت المملكة نفسها غارقة في المستنقع اليمني، مع تكبدها خسائر عسكرية واقتصادية هائلة قُدِّرت بمليارات الدولارات، إلا أنها تعمل على التكتم عليها.
أنفقت السعودية مليارات الدولارات منذ بدء عدوانها على اليمن، في محاولة لقلب المعادلة لمصلحتها، من خلال شراء الأسلحة، من صواريخ وطائرات وعتاد، وتمويل الضربات الجوية، ودفع البدائل المالية وغيرها، ناهيك بتكاليف التشغيل العالية والدعم اللوجستي والأموال التي تعطى لقوات تقدّم الدعم، كالقوات السودانية. كل ذلك يُضاف إلى الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة من الاستهداف اليمني للداخل السعودي، فكم بلغت حصيلة هذه الخسائر؟
الخسائر العسكرية البشرية والمادية
وسط سياسة التكتم الإعلامي السعودي على الخسائر التي تتكبَّدها المملكة العربية السعودية في مختلف الجبهات اليمنية، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع في مؤتمر صحافي، بعنوان “حصاد 6 سنوات من الصمود في وجه العدوان”، مقتل وجرح أكثر من 10400 جندي في صفوف الجيش السعودي منذ بداية العدوان، منهم 400 قتيل ومصاب منذ مطلع العام 2021، إضافة إلى أكثر من 226615 من المرتزقة ما بين قتيل وجريح.
ومنذ بداية الحرب، دمرت القوات اليمنية أكثر من 14527 آلية ومدرعة ودبابة وناقلة جند وعربة وجرافة وسلاحاً متنوعاً، وأطلقت 1348 صاروخاً باليستياً، منها 499 استهدفت منشآت عسكرية وحيوية تابعة للسعودية والإمارات، وبعضها طال العمق السعودي، ليستهدف أكبر ميناء نفطي في السعودية، في ما يؤكد “فشل محمد بن سلمان في رهانه على الحرب”، بحسب عضو المكتب السياسي لحركة “أنصار الله” محمد البخيتي.
هذه الصواريخ منها ما أصاب هدفه، وتسبب بخسائر كبيرة، ومنها ما تم التصدي له في سماء السعودية، وهو ما كلّف بالطبع خسائر أيضاً، بسبب الكلفة العالية لتشغيل منظومات الدفاع الجوي وثمن الصواريخ التي تستخدمها.
فاتورة عالية من المسيّرات السعودية
في العام 2021 وحده، بلغ عدد الطائرات المسيرة التي أسقطتها الدفاعات الجوية اليمنية 20 مسيّرة، تنوعت بين أميركيةٍ وصينيةٍ وتركيةٍ، من بينها:
– 11 طائرة “Scan Eagle” أميركية الصنع، تبلغ كلفة الواحدة منها نحو 3 ملايين دولار.
– طائرة “mq9 ريبر” أميركية الصنع، تتمتعُ بمواصفاتٍ تكنولوجيةٍ عاليةٍ، وتبلغُ كلفتها 11 مليون دولارٍ.
– 4 طائرات من طراز “CH4” صينية الصنع، تبلغ كلفة الواحدة منها حوالى مليون دولار.
– طائرتان من طراز “WlNG LOoNG” صينية الصنع، تبلغ كلفة الواحدة منها حوالى مليون دولار.
الخسائر العسكرية في العمق السعودي
بحسب الأرقام التي أعلنها الجانب اليمني، فإنّ إجمالي العمليات العسكرية حتى منتصف كانون الأول/ديسمبر 2021 بلغ 62 عملية نوعية، باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي استهدفت العمق السعودي، متسبّبة بخسائر اقتصادية وعسكرية متنوعة.
وقد استهدفت الضربات اليمنية مناطق واسعة في السعودية، هي مناطق خميس مشيط وجيزان وعسير ومأرب والرياض وجدة وأبها والدمام ونجران، مع ما ينتجه ذلك من خسائر اقتصادية.
أبرز الاستهدافات في العام 2021:
29 عملية قصف على قاعدة الملك خالد الجوية.
8 عمليات قصف لمطار جدة الدولي.
10 عمليات ضد أهداف خاصة في شركة “أرامكو” النفطية في جدة والرياض وجيزان ونجران وميناء رأس التنورة.
الإنفاق السعودي العسكري
تُقدّر المشتريات العسكرية للسعودية بنحو 63 مليار دولار منذ بدء عدوانها على اليمن، من بينها 28.4 مليار دولار أُنفقت على صفقات لشراء الأسلحة الأميركية منذ شهر آذار/مارس 2015، منها 20 عقداً صادقت عليها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في العام الجاري، بلغت قيمتها 1.2 مليار دولار.
وشكَّلت صفقات السلاح السعودية مع أميركا 74% من الإنفاق التسليحي لها، إضافةً إلى بريطانيا وفرنسا اللتين شكلتا 16% من المشتريات، وفق ما كشفه تحقيق استقصائي أميركي.
ووفق تقرير لمجلة “فورين بوليسي”، فإنَّ تكاليف بارجتين حربيتين، تتبعهما 6 فرقاطات مرافقة، استأجرتهما السعودية لاستخدامهما في الحرب على اليمن، تبلغ 300 مليون دولار يومياً. وتحمل البارجة على متنها 6000 جندي بعدتهم وعتادهم، و450 طائرة بطياريها، وعليها أيضاً مدافع وصواريخ بعيدة المدى. وبهذا، يكون إجمالي تكاليف البارجتين مع توابعهما 54 مليار دولار خلال 6 شهور.
كذلك إضافةً إلى نفقات قمرين صناعيين للأغراض العسكرية، تبلغ تكلفة الساعة الواحدة مليون دولار، أي في اليوم الواحد 48 مليون دولار، وهو ما يعادل ملياراً و440 مليون دولار خلال الشهر الواحد. ما يكلف 8 مليارات و640 مليون دولار خلال 6 شهور.
وتبلغ كلفة تحليل المعلومات وعرضها واستخراجها من الصور والبيانات التابعة للأقمار الصناعية العسكرية 10 ملايين دولار يومياً، أي 300 مليون دولار شهرياً، ليصل المبلغ إلى مليار و800 مليون دولار خلال 6 أشهر.
وتبلغ كلفة طائرة “الأواكس” 250 ألف دولار في الساعة، أي 6 ملايين دولار يومياً، ما يعادل 180 مليون دولار شهرياً، أي ما يعادل ملياراً و80 مليون دولار خلال 6 أشهر.
أما كلفة الصاروخ الصغير، فتبلغ 150 ألف دولار، وكلفة الصاروخ المتوسط الحجم تبلغ 300 ألف دولار، وكلفة الصاروخ الكبير الحجم 500 ألف دولار. وتبلغ كلفة الصيانة وقطع الغيار لكل طائرة في الغارة الواحدة 150 ألف دولار.
الاقتصاد السعودي يواجه تحديات متزايدة
شهدت الميزانية الجديدة للسعودية في العام 2022 خفضاً للإنفاق العسكري بأكثر من 10% مقارنة مع ما كان عليه في العام 2021، إذ تعتزم السعودية تخصيص 171 مليار ريال للإنفاق العسكري في العام 2022، مقارنة بـ190 مليار ريال في 2021.
هذا الأمر، بحسب مراقبين، يأتي في المقام الأول بسبب الخسائر الكبيرة التي يتكبّدها الاقتصاد السعودي جراء الحرب على اليمن، وعدم قدرة الرياض على الاستمرار في الرفع التدريجي لميزانيتها العسكرية والتكتّم على خسائرها، رغم أنَّ عائدات النفط الكبيرة كان من المفترض أن تغطي هذه الخسائر.
يُضاف إلى ذلك تعثّر خطط ولي العهد السعودي التي أقرها في خطته المسماة “رؤية 2030″، وهو ما أبرزته مجلة “الإيكونوميست” البريطانية في تقرير لها نشر في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، إذ اعتبرت أنَّ “خطّة تحديث الاقتصاد السعودي تسير بشكل أبطأ مما كان مخططاً لها”، وتحدثت المجلّة عن السياحة التي اعتبرت أبرز ركائز “رؤية 2030″، بهدف تنويع الاقتصاد النفطي. وقد أرجأت السعودية إطلاق استراتيجية التطوير لمدينة الرياض بحلول العام 2030 “لعدم اكتمال عناصر مهمة فيها”، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية.
يبدو أنَّ الرياض فشلت في تحقيق هذا الهدف، ولم تنمُ السياحة فيها، لأسباب متعددة، أبرزها عوامل داخلية مرتبطة بطبيعة المجتمع السعودي، وعدم الاستقرار الذي تعيشه السعودية نتيجة الاستهدافات اليمنية للعمق السعودي.
احمد فحص | الميادين نت