حوار الدكتور حسن احمد حسن حول تطورات الإقليم
حوار شامل خاص بموقع (منارة القلم المقاوم) من أغنى وأشمل اللقاءات التي أجرتها معي وسيلة إعلامية إلكترونية، وقد أبدعت الإعلامية المتميزة والمتألقة الأخت وردة سعد في طرح أسئلة تراود ذهن الكثيرين:
ـ أسرار الصعود الصيني ـ الروسي، وتآكل الهيبة الأمريكية.
ـ زيارة وزير الخارجية الصيني إلى سوريا وأهميتها السياسية والاقتصادية.
ـ ماذا عن خروج القوات الأمريكية من العراق والمنطقة؟.
نظراً لكبر حجم النص سأقسمه إلى ثلاثة أقسام أنشرها تباعاً
(1ـ3)
هذه الأسئلة وغيرها كانت محور حديثنا مع الباحث المتخصص بالجيوبولتيك والدراسات الاستراتيجية الدكتور حسن احمد حسن .
الحديث عن خطاب الرئيس الدكتور بشار الأسد يحمل الكثير من الأبعاد والدلالات والتغييرات التي أصابت أعداء المنطقة بالأخص أصاب بسهام هذا الخطاب الشفاف والصادق المنظومة الكاوبوية الأميركية، عن قراءة الدكتور حسن احمد حسن لانهيار الطاووس الأميركي يقول:” لا يستطيع أشد المعجبين بأداء اليانكي الأمريكي أن ينكر التآكل المستمر والمتصاعد في الهيبة الأمريكية ونزولها التدريجي عن سنام القرار الدولي، فالفزَّاعة التي اختلقها” الكاوبوي” وسوَّقها عبر الإمبراطورية الهوليودية للسوبرمان الأمريكي لم تعد كما كانت عليه مطلع القرن الحالي ، ومع مرور الوقت توسعت الخطوط الحمراء التي كانت ترسمها واشنطن للآخرين وتلزمهم بالابتعاد عن التفكير بالاقتراب منها، فضلاً عن الويل والثبور وعظائم الأمور التي تنزل على رؤوس من يعميهم التيه فيقدمون على المساس بتلك الهيبة الزائفة، والمتابع لتصريحات المسؤولين الصينيين والروس يلمس بوضوح ارتفاع النبرة الرافضة لاستمرارية الأحادية القطبية في العلاقات الدولية.
هذا التآكل المتواتر في الهيبة الأمريكية ولّد العديد من التداعيات والتفاعلات التي تشكل بدورها مقدمات لاصطفافات ما تزال تموج بما هو مجهول الهوية، لكنه يشتمل على تغيرات حتمية ، والفضل الأكبر والأول في ذلك يعود لمحور المق اوم ة، وليس إلى قوى عظمى على الإطلاق، ولعل الصفعة الأشد التي تلقتها واشنطن منذ أن غدت قوة عظمى مهيمنة كانت بعد أشهر قليلة من انتصار الثورة الإسلامية في إيران عندما أقدم بعض الطلاب الإيرانيين على اقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز كل من فيها رهائن في الرابع من تشرين الثاني عام 1979م.، واستمر ذاك الوضع/444/ يوماً حيث تم الإفراج عن /52/ أمريكياً، واقتصر الرد الأمريكي على قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وفرض حظر تجاري عليها ، لكن نتائج الحظر جاءت على عكس ما تريد واشنطن وحلفاؤها، فهاهي إيران الثورة قوة كبرى إقليمياً لا يمكن تجاهلها، ولا القفز فوق دورها الريادي والفاعل في كل ما تشهده المنطقة من أحداث.
لقد أدرك منظرو الاستراتيجية الأمريكية أن استعادة الهيبة في اقتحام السفارة واحتجاز موظفيها كرهائن تتطلب إحداث ضجة كبيرة وخضَّة نوعية تصيب العالم كله بالذهول، وهذا ما حصل بانهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يشكل القطب المكافئ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتمكن شاغلو البيت الأبيض من الإدارات الجمهورية والديمقراطية أن يخترقوا الوعي الجمعي في العالم كله، وأن يفرضوا مسلمة على الجميع مفادها أن الإدارة الأمريكية قدرٌ لا طاقة لأحد في الكون برده، وأن القرارات الأمريكية كالقطار الذي يسحق كل من يقف في طريقه، وليس أمام الجميع إلا محاولة اللحاق به والصعود إلى عرباته، ولو كانت العربة الأخيرة، وجاءت أحداث الحادي عشر من أيلول وما أفرزته من احتلال لأفغانستان عام 2001، ومن ثم اجتياح العراق واحتلاله عام 2003 خارج القانون الدول في ظل صمت مطبق عم َّ أرجاء الكون، وغدا التنفس بالشهيق والزفير عملية تتطلب الحصول المسبق على الإذن الأمريكي بذلك، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى أتى وزير الخارجية الأمريكي” كولن بأول” إلى دمشق حاملاً معه ما يمكن تشبيهه بإنذار غورو جديد، ووضع على الطاولة المطالب الأمريكية التي تعني إرغام دمشق على تبديل هويتها وثوابتها، ويبدو أن الريش الطاووسي المنفوش حول كولن بأول قد حجب عن عينيه الرؤية الصحيحة، فنسي أو تناسى أنه في دمشق، وأن شموخ قاسيون أسمى من كل عنتريات البيت الأبيض، وأسد العرين المرابض هناك لا يؤخذ بتهديد أو وعيد، ولا يلوى ذراعه بثناء أو إطراء، فسرعان ما تهدل الريش المنقوش وخرج “باول” من دمشق واضعاً ذيله بين جنبيه، ونار الحقد والانتقام تأكل أحشائه، وقد ظن العديد من الباحثين والمفكرين والمتابعين أن سورية حكمت على نفسها بالموت والفناء لأنها رفضت الإذعان للعربدة الأمريكية، وتجرأت على تشق عصا الطاعة الأمريكية، مقدمة الأمن الوطني السوري على أية اعتبارات أخرى مهما كانت النتائج، لا بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما وقفت إلى جانب حز ب ال له في حرب”33″ يوماً التي هزت العالم، ولاحقاً في دعم الم قاو مة الفلسطينية التي أرغمت حكام الكيان الصهيوني على التخلي عن العنجهية الطاووسية تيمناً باليانكي الأمريكي، ومنذ لك الوقت والهيبة الأمريكية في تآكل مستمر ومتصاعد.
كل ما سبق يؤكد أن الصعود الروسي أو الصيني، واستعادة ماء الوجه في مجلس الأمن الدولي ما كان له أن يكون إلا بفضل صمود محور الم قا و مة، فاقتحام طلاب الثورة الإسلامية في إيران للسفارة الأمريكية أظهر العضلات الأمريكية المنفوخة على حقيقتها التي تقول: ما ترونه ليس عضلات قط، بل انتفاخ بحقن البوتكس وغيرها من متطلبات ما أفرزته الأفلام الهوليودية التي تبقى مجرد أفلام وألعاب تدار من غرف المونتاج والمكساج وما يرتبط بتسويق الصورة المطلوبة، وجاءت زيارة كولن بأول البائسة إلى دمشق في مطلع أيار 2003 لتنزع القناع تلو الآخر عن وجه من يعملون في البيت الأبيض ليظهروا على حقيقتهم رعاة بقر “كاو بوي” يخيفون الناس بالصراخ والممارسات الوحشية، لكنهم يبتلعون الرد المؤلم، ويستمرون بتسويق الأكاذيب للتغطية على عجزهم عن كسر إرادة أصحاب العزة والسيادة والكرامة، وقد مهد ذلك كله لتنامي إرادة التحدي لدى روسيا والصين، وكان الاستخدام الأول لحق النقض “الفيتو” المزدوج في مجلس الأمن بعد أن أثبتت سورية أنها عصية على الأخذ كغيرها، وبعد مرور الأسابيع والأشهر التي تحدثت عنها واشنطن وبقية العواصم المرتبطة بها مؤكدة أن سقوط الدولة السورية حتمي، ولن يستغرق إلا أسابيع قليلة ، وفي جميع الأحوال لن يفوق الأشهر المعدودة على أصابع اليد الواحدة، وها قد مرت الأشهر والسنون، وانقضى العقد الأول كاملاً وسورية الأسد ما تزال صامدة شعباً وجيشاً وقائداً”.
يتبع غداً القسم الثاني…..