كتاب الموقع

حوار الدكتور حسن احمد حسن : الأطماع الأردوغانية والسيناريوهات المحتملة ..

الكثير من التساؤلات التي قد تخطر على ذهن أي مهتم بالوضع السياسي والميداني وتطور الأحداث وتداعياتها على الجغرافيا السورية، وبخاصة ما يتعلق بالأطماع الأردوغانية والسيناريوهات المحتملة… تساؤلات دقيقة وعميقة توجهها الإعلامية القديرة يارا صالح إلى الدكتور حسن أحمد حسن في حلقة جديدة من برنامج صباح سياسي على شاشة الإخبارية السورية بتاريخ 31/10/2021م.، وفيما يلي أهم الأسئلة المطروحة والأجوبة عليها:
الإعلامية يارا صالح:
أبدأ معك دكتور من التفويض الذي مُنِحَ لرجب طيب أردوغان رئيس النظام التركي باستمرار أعماله العدوانية الحربية التركية على الأراضي السورية.. الخارجية السورية أدانت، ما الذي يعنيه هذا الأمر في علم الساسة، وفي علم العسكرة؟

د. حسن: أشكرك على السؤال.. نحن نتحدث عن موضوع شائك وإشكالي.. يحق للداخل التركي .. التجمع التركي.. المجتمع التركي أن يعطي أردوغان التفويض الذي يشاء حيث يشاء لكن على الأرض التركية، وهذه الأرض سورية، وعندما نتحدث عن الأرض السورية فلا القانون التركي ولا غيره يسمح بذلك.. هناك ما يسمى القانون الدولي(العالمي) ، السؤال: تحت أي قانون موجود أردوغان وقوات أردوغان، أو القوات الأمريكية على الجغرافيا السورية؟.. قانون واحد هو قانون العربدة.. قانون السلبطة..قانون التجاوز على القانون الدولي، وبالتالي موضوع أن يمنح تفويضاً أو لا يمنح، فهذا شأنه، ولا يعني السوريين على الإطلاق، لكن إن دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على العدوانية التي تحكم مفاصل القرار في الداخل التركي.. علينا ألا ننسى بأن السنوات الطويلة التي استطاع فيها أردوغان أن يبقى في سدة الحكم في موقع متخذ القرار قد مهدت له ومكنته من التحكم ببقية مفاصل صنع القرار في الداخل التركي..
سواء تم تفويض أردوغان باستمرار عدوانيته، أو لم يتم، فالوجود التركي الحالي هو وجود عدواني احتلالي، ومن واجب الدولة السورية قبل أن يكون من حقها أن تعمل على إنهاء هذا الوجود، ومن واجب المجتمع الدولي إذا كان هناك من ما يزال ينادي بالمجتمع الدولي، وبالنظام الدولي، وبميثاق هيئة الأمم المتحدة أن يعمل على إرغام أردوغان على تنفيذ ـ الحد الأدنى ـ ما تم التعهد به، والاتفاق عليه مع الصديق الروسي، فما الذي نفذه أردوغان حتى الآن؟..وشأن أردوغان بهذا الخصوص شأن الأمريكي عندما بقيت واشنطن تداور وتماطل وتسوف أكثر من عامين في تنفيذ ما تعهدت به بالفصل بين ما أسموه زوراً وبهتاناً معارضة مسلحة معتدلة وأخرى متشددة، وكأن بقية الفصائل التي أسموها معتدلة هي أقل إجراماً، أو أقل إرهاباً، أو أقل تدميراً، أو أقل قتلاً، أو أقل تعطشاً للدماء.. بعد مرور أكثر من عامين لم تفِ أمريكا بكل ما تعهدت به، والآن أردوغان يعيد الدرس ذاته، وبالتالي إن دل هذا على شيء فبكل تأكيد يدل على أن هناك عدوانية، وهذه العدوانية متأصلة لدى أردوغان المسكون بهاجس استعادة أمجاد السلطنة العثمانية.. يعني عندما يظهر رئيس دولة كرجب طيب أردوغان بزي السلطان العثماني ويتبجح بذلك، فهذا يعني أنه يريد أن يعيد الزمن إلى الوراء.. فيا أردوغان، ويا غير أردوغان الزمن لا يعود إلى الوراء على الإطلاق، وزمن الاستفراد بالقوة والبطش والاحتكام إلى شريعة الغاب هذا زمن ولى ولن يعود.
المشكلة الأساسية أن الحرب التي فرضت على الدولة السورية لم تعد مواجهة بين الجيش العربي السوري والمجتمع السوري شعباً وجيشاً وقيادة من جهة، وما بين هذه المجاميع الإرهابية المسلحة من جهة أخرى، بل مع تلك المجاميع ومع رعاتها وبناتها وداعميها إقليمياً ودولياً، وبالتالي لا يمكن النظر إلى ما قد يحدث في إدلب إلا من خلال النظر إلى اللوحة بشكل بانورامي وشمولي، وليس على الجغرافيا السورية فقط، بل من خلال هذا المحيط الذي وصفه قائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد بأنه هائج ومضطرب.

ـ الإعلامية يارا: دعنا نتحدث أولاً عن ادلب ، ومن ثم نوسع الدائرة للحديث عن المحيط المضطرب بما يتعلق بسورية.. يبدو وكأن إرسال المزيد من الآليات العسكرية والجنود الأتراك ضمن تفكير أردوغان وخططه الإجرامية المقبلة، فلأي غرض يتم ذلك إن لم يكن لمواجهة حربية مع الجيش العربي السوري وحلفائه؟ واليوم أردوغان مستعد لمواجهة نارية ما بين جيش وجيش.. نحن كنا نتحدث عن مواجهة بين الجيش العربي السوري والتنظيمات الإرهابية المسلحة التي هي رأس حربة لداعميها، ورأس حربة حتى لحلف الناتو.. اليوم نتحدث عن احتمال أن يكون هناك إطلاق نار جندي لجندي؟.

ـ د. حسن: أردوغان لم يترك مجالاً للتأويل أو التحليل، وقال إنه مستعد للذهاب حتى الآخر، وحتى لاستخدام الأسلحة الثقيلة، أي استخدام الأسلحة الثقيلة ضد الجيش العربي السوري على الجغرافيا والأرض السورية، فلو سألنا أي طفل صغير، أو أي مختص من سورية أو غيرها: ماذا يعني هذا العمل؟.. هذا يعني الإصرار على الافتئات والتطاول على القانون الدولي، ويعني الإصرار على الضرب بميثاق هيئة الأمم المتحدة عرض الحائط، وما كان لأردوغان أن يصل إلى ما وصل إليه لولا هذه الاشتباكات والتداخلات بين عدة أطراف أصبحت منخرطة بشكل أو بآخر في الاشتباك الدائر فوق الجغرافيا السورية، ولذلك يمكن تصنيف الحرب المفروضة على الدولة السورية بأنها حرب ما فوق إقليمية وأقل من عالمية، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يعد الحديث ممكناً أو موضوعياً عن الوصول إلى نهايات صفرية: أي طرف يخسر كل شيء، وطرف يكسب كل شيء، وبالتالي ما يميز الأداء المضطرب هو شخصية أردوغان الإشكالية ليس فقط ضد سورية، بل هو شخصية إشكالية في الداخل التركي، ومع جميع الدول المحيطة أو التي تحد تركيا، وإشكالية على المستوى الدولي، وإذا ناقشنا الأمر موضوعيا ـ وأنا لا أريد التهجم الشخصي، لكن ـ هل هناك عاقل يمكن أن يقتنع أن رئيس دولة يصرح علناً أنه سيطرد عشرة سفراء دفعة واحدة؟ هذا الكلام أقرب ما يكون إلى الجنون… سبب هذا الكلام أن هناك عقدة نقص تسكن أردوغان، وهي جنون العظمة، وتتحكم بسلوكه، وتهمين على طريقة تفكيره، وبالتالي أمام هذا الواقع الشاذ أو الاستثنائي لابد من التفكير بإيجاد مخارج، أما موضوع الاحتكام إلى الميدان فبأي لحظة يستطيع أي طرف أن يبدأ أعمالاً قتالية، لكن هل القرار السليم يكون ببدء الأعمال القتالية؟. الدولة السورية مواقفها واضحة منذ البداية، وقد أشار السيد الرئيس أكثر من مرة بأنه لا يوجد شيء اسمه حل عسكري، بل يوجد حل بمسارين: سياسي وعسكري، وحيثما يمكن الاعتماد على نتائج المسار السياسي، فالدولة السورية تشجع ذلك، وقد رأينا الكثير من النتائج الإيجابية المترتبة على ذلك.
لو تتذكرين معي مدام يارا عندما تم الحديث عن تحديد أربع مناطق لخفض التصعيد، وعندها سمعنا بعض الأصوات التي ترتفع متسائلة: وماذا عن كل الفترة السابقة؟ وكيف؟ ولماذا؟.. الحروب لا تقاد بالعنتريات، واستراتيجيات الدول لا ترسم بردود الأفعال، والحرب بالتعريف هي الجهد والأعمال التي تخوضها الدولة بكل إمكانياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والمعرفية والدبلوماسية والإعلامية..الخ، وبالتالي لا بد من الاستفادة من كل الإمكانيات، وجميع المسؤولين السوريين بدءاً بالسيد الرئيس حماه الله ومروراً ببقية المسؤولين الرسميين في مفاصل صنع القرار أكدوا على حقيقة واحدة، وهي : لن يبقى شبر من الجغرافيا السورية إلا وسيعود إلى حضن الدولة السورية وسيادتها الوطنية، وسيرفرف علم الجمهورية العربية السورية على كامل جغرافيتها، وهذا قد يحتاج وقتاً، وإذا كان بالإمكان الاستثمار في علاقات الأصدقاء الروس أو الأصدقاء الإيرانيين من خلال الجانب الاقتصادي مع تركيا أردوغان للعمل على تقليل ما يمكن أن تسفر عنه المواجهة الحتمية في نهاية المطاف، فعندما يصر أردوغان ويرسل عشرات آلاف الجنود، فهؤلاء ماذا يفعلون؟ هل أتوا للتسلية فقط؟.. وهو لم يكتف بإرسال الجنود، بل هناك سياسة التتريك العلنية التي يتبعها أردوغان، وكذلك عندما نتحدث عن مصادرة إرادة أبناء المناطق التي تحتلها العصابات الإرهابية المسلحة التي يرأسها أردوغان ولا تعمل إلا وفق توجيهاته وإرادته.. هذا الواقع شاذ واستثنائي، وهذا الواقع مناقض للقانون الدولي، ويمثل افتئاتاً لحقوق الدولة السورية، وهذا الواقع متناقض مع ما يتشدق به أردوغان، فهو في كل مرة يقول: تركيا حريصة على سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها، فكيف أنت حريص على سيادة الدولة السورية وتطالب بها، وأنت جنودك يحتلون أراضي سورية.. هذا النفاق.. هذا الكذب يعني الاستمرار بمحاولة خلط الأوراق.. مرة يضع رجلاً مع الروسي، ومرة مع الأمريكي، ومثل هذا التشتت والتذبذب بالمواقف التركية، لن تصل بأردوغان إلى حيث تريد، أو إلى حيث تقوده أحلامه الطورانية والعثمانية، فهو يريد التصعيد، ويتحدث عن سعيه لتعديل ما ورد في اتفاقية 1923م. عندما كانت تركيا طرفاً مهزوماً في الحرب العالمية الأولى، وأطلق على ما حدث آنذاك: تقاسم تركة الرجل المريض، وأردوغان الآن يريد أن يعيد الزمن إلى الوراء، فسبحان من يحيي العظام وهي رميم.. عليه أن يستفيق من أحلام اليقظة هذه..
في نهاية المطاف ـ وتبقى وجهة نظري الشخصية ـ عندما نتحدث عن مثل هذا الاشتباك ما بين قوى إقليمية ودولية، فالخروج منه يتطلب الاتفاق على كبش فداء “محرقة”.. ما أثبتته الدولة السورية أنها أكبر من أن تكون كبش فداء، وما أنتجه صمودها منذ 2011 كبير جداً، ولا يمكن أن تتنكر لدماء الشهداء التي أريقت والتضحيات التي قدمت دفاعا عن سيادة سورية وكرامتها، ولا يمكن إلا أن تتابع، ووضعنا اليوم أفضل مما كان عليه بعشرات المرات، وعندما نتحدث عن قوى مثل روسيا وأمريكا نتحدث عن قوتين عظميين، وأحد تعريفات الحرب أنها لعبة الكبار، وهذا يعني أن كل ما دون الكبار جزء من هذه الحرب، وبالتالي لا أظن ما نشهده من تغيرات وانفتاح على دمشق بعيداً عن التنسيق الروسي الأمريكي، وعندما نتحدث عن تفاهمات روسية ـ أمريكية فالرأس الحامية لدى أردوغان سترغم على إعادة النظر، وفي حال استمر بعناده، فقد يكون هو كبش المحرقة التي تفضي إلى حلحلة بقية الملفات في المنطقة، وأعود وأشدد: هذه وجهة نظر شخصية.

ـ الإعلامية يارا: بهذا المعنى دكتور حسن أنت تتحدث بأن اندفاع أردوغان باتجاه الحرب مبني على سياسة خاطئة، وعلى عقلية سياسية إذا صح التعبير غير ناضجة، وأنا اقتبس مما فهمته من حضرتك.. عقلية سياسية غير ناضجة تقوده باتجاه الحرب، وقد يكون هناك وضع للجيش التركي والزج به وتنظيماته الإرهابية بين فكي كماشة.. اليوم هناك محللون سياسيون يقولون: الأمريكي غير راضٍ عن أي توغل تركي جديد، والروسي والسوري غير راضيين، وبالتالي قد يكون أي زج للجيش التركي يعني وضعه بين فكي كماشة، فهل سيزيد هذا من إضعاف تركيا؟

ـ د. حسن: دعينا نتناول الموضوع نقطة نقطة، ما يتعلق بالجيش التركي الجميع يعلم بأن التوجه العام للجيش التركي لم يكن متفقاً مع أردوغان، وحتى قبل محاولة الانقلاب عمل أردوغان على تصفية وإقصاء كل من يقول له لا في الداخل التركي، وبخاصة في وسط الجيش الذي لم يعد أمامه إلا الإذعان، وهذه النقطة علينا أن نتوقف عندها، وأن نتذكر بأن السبب الأساس في الوصول إلى هذا الواقع هو دكتاتورية أردوغان وعقليته الإقصائية التي لا تعترف بالآخر، والنقطة الأخرى: عندما نتحدث عن طريقة تفكير أردوغان وتذبذبه في مواقفه، فهذا يؤكد مدى قدرته على التمثيل، والجميع يتذكر مسرحية دافوس وكيف تظاهر بغيرته على القضية الفلسطينية وتركه الاجتماع والمغادرة، وقلنا عندها يستحق رفع القبعة..ماذا كانت النتيجة؟ كانت مجرد فصل محبوك من مسرحية للضحك على الذقون واللعب بالعقول، وهذا الكلام لم يعد مجدياً على الإطلاق.. أردوغان هو رأس حربة الناتو باتجاه الجنوب، ولكي يفهم أمريكيا أنها ليست اللاعب الوحيد في المنطقة يذهب باتجاه روسيا، ويوقع صفقة بالتعاقد على صواريخ (اس 400).. تقيم أمريكا الدنيا لمنع ذلك فيعمد إلى تخفيض السقف، والتأكيد أن أردوغان لن يكون إلا ضمن توجهات الناتو الذي تقوده أمريكا، والاستمرار بهذا التذبذب سيطبق عليه مضمون قصة الراعي الكذاب، وكل مرة يستنجد ويستغيث لإنقاذه من الذئب، وبالأخير افترسه الذئب..
أنا لا أقول إن سلوك أردوغان يمكن تصنيفه فقط ضمن السياسة الخاطئة، بل هو أقرب إلى العناد السياسي المحكوم بالإخفاق الحتمي، لكن الإخفاق لا يعود على أردوغان فقط، وقد أوضح السيد الرئيس أن الشعب التركي تربطنا به علاقات جيدة وهو جار ونحترمه، لكن عندما نتحدث عن إصرار أردوغان على المضي باتجاه المواجهة المباشرة فهذا يعني توريط المنطقة برمتها.
الأمر الآخر الذي أود التوقف عنده هو: الحديث عن الإقدام على عمل عسكري شيء، والبدء بتنفيذ هكذا عمل شيء آخر.. استبعد أن يقدم أردوغان على هكذا خطوة ما لم يضمن غض الطرف الأمريكي، وأردوغان الآن لا يكتفي باستعداء سورية فقط، فهو اتجه باتجاه أذربيجان وأوكرانيا، واليوم الحديث الروسي عن الموقف الغاضب من تسليم أوكرانيا الطائرة المسيرة “البيرقدار”، وقد أصبح هذا جزءاً من مشكلة مع الروسي، والجميع يتذكر عندما أسقطت الدفاعات الجوية التركية طائرة مقاتلة روسية، وكيف انتقل أردوغان من السقف العالي إلى لعق تصريحاته، وكذلك الجميع يتذكر تهديدات أردوغان بعد تحرير خان شيخون وسراقب وما حولهما وعربداته بمطالبة الجيش العربي السوري بالعودة والانسحاب إلى ما قبل “مورك”، فهل عاد الجيش السوري إلى ما قبل مورك؟ وهل انسحب من متر أعلن تحريره وتطهيره؟.
وفق منطق الاستراتيجيا العسكرية /أنجح الحروب هي التي يمكن تحقيق الهدف الاستراتيجي المعلن لها من دون الحاجة لخوض أعمال قتالية أو لاستخدام القوات المسلحة/، وبالتالي يمكن فهم رفع سقف التهديدات الأردوغانية في جزء منه ضمن إطار الحرب النفسية، وفي جزء آخر لابتزاز الروسي، كما أنه لابتزاز الأمريكي، وأردوغان يعزف على كل الأوتار.

ـ الإعلامية يارا: ما الذي يمكن أن تقدمه روسيا، وما الذي يمكن أن تقدمه أمريكا لأردوغان؟.. ما هو المطلوب الآن؟.

ـ د. حسن: في كل مرة يحصر أردوغان في الزاوية يطلق التهديدات، ويقول بأن عنده أعداد كبيرة من الإرهابيين المتشددين أصحاب الخبرة في القتل والإجرام، ومن المعروف أن تركيا كانت البوابة الأهم لتدفق المسلحين والإرهابيين، وبالتالي يهدد بفتح الحدود أمام أولئك لينطلقوا باتجاه دول أوربا، وبكل اتجاه.. أردوغان يريد أن يفهم الجميع بأنه جزء فاعل من أوراق القوة في المنطقة، وبالتالي إذا كان هناك انكفاء للولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة كما يتم الحديث، وأن الهزيمة في أفغانستان سيعقبها انكفاء أمريكي في العراق وسورية، فأردوغان يريد أن يحصل في هذا الوقت المستقطع على أكبر قدر ممكن من المزايا، وعندما يدور الحديث عن مغادرة أمريكية من المنطقة، فبكل تأكيد هناك ترتيبات أمريكية ـ روسية توضع على بساط البحث وتطرح.. هذا الموضوع شكل من سياسة عض الأصابع، وأحد تجليات مبدأ “خالف تُعْرَف”، وبالتالي يحرص أردوغان على الظهور بأنه يريد أن يخرج ويشق عصا الطاعة لدى الجميع، فعندما يتضايق من الروسي يذهب إلى الحضن الأمريكي، وعندما يتضايق من الأمريكي يذهب إلى الحضن الروسي.

ـ الإعلامية يارا: يبدو أنه اليوم بهذا السلوك يغضب الاثنين الروسي والأمريكي.

ـ د. حسن: من يضع رجلاً في البور، ورجلاً في الفلاحة سينفسخ إلى اثنين سواء كان أردوغان أم غيره.. هذا التذبذب لا يمكن أن يبنى عليه قرار لدولة يقال بأنها دولة إقليمية كبرى.. بالرؤوس الحامية، وتحقيق الأهداف لا يكون بردود الأفعال، وبتكرار التهديد بنقل الإرهاب عبر تركيا إلى بقية الدول، فهذا لن يؤدي إلا إلى أن جميع من يتأذون من هذا الأداء السياسي المتذبذب سيجمعون الكلمة، ولذلك قلت سابقاً: إذا كان ولا بد من كبش محرقة، فالطرف الأكثر ترشيحاً، والأكثر قابلية لأن يوضع في هذا المكان هو أردوغان تركيا، وليس تركيا أردوغان.

ـ الإعلامية يارا: نتمنى كل الخير للشعب التركي فهو شعب جار وموجود في المنطقة منذ سنوات طويلة.

ـ د. حسن: والشعب التركي متضرر من سياسات أردوغان.. الآن الليرة التركية تعاني من هبوط حاد في سعر الصرف.. الواقع الاقتصادي المتردي.. والكثير من الأزمات الداخلية..

ـ الإعلامية يارا: أنا كنت أريد أن أسألك عن الواقع الاقتصادي التركي ربطا برفع السقوف العسكرية من قبل أردوغان.. هل يتحمل الاقتصاد التركي حرباً عسكرية مقبلة يلوح بها؟ وهل يتحمل حتى فكرة التلويح بالحرب، فالتلويح بالحرب يؤثر على الاقتصاد كما هي الحرب الفعلية؟.

ـ د. حسن: هو ينطلق من أن التلويح بالحرب يؤثر سلباً، لكن ليس عليه فقط، بل عليه وعلى غيره، وبالتالي هو يريد إيصال رسالة مضمونها: إذا كان هناك من إرادة دولية لأن تتجه المنطقة باتجاه الهدوء أو الاستقرار، فهذا يعني أن يكون له دور مميز… الدور المميز لا يؤخذ بالعنتريات، ولا برفع السقوف ولا بالتهديدات، ولا يؤخذ بالبلطجة، ولا بالاعتداء على حقوق الناس، ولا باستعداء الجميع.. لا يؤخذ بتوتير الداخل التركي.. هناك ارتفاع واضح في أصوات المعارضة التركية في الداخل، ونسبة المؤيدين لأردوغان في انخفاض حاد وملموس، والواقع الاقتصادي التركي متعثر، والاستمرار بهذه السياسة سيحمل الكثير من النتائج السلبية الإضافية، لكن ـ وكيلا نختبئ وراء أصابعنا ـ فعندما نتحدث عن شخصيات إشكالية كما هي طبيعة شخصية أردوغان، فعلينا أن نتوقع كل شيء.. نحن أمام شخصية مسكونة بهاجس السلطنة العثمانية، وهاجس إعادة الزمن إلى الوراء، ومسكونة بوهم القدرة على فرض رأيه… هذه العقلية المريضة ـ بكل ما تعنيه كلمة مريضة ـ مكانها في المصحات النفسية والعقلية، وليس في سدة الحكم، في أعلى رأس هرم السلطة في هذه الدولة أو تلك، لكن هذا واقع قائم: أردوغان موجود برأس هرم السلطة، وتركيا بكل تأكيد دولة إقليمية، وبالتالي لا بد من العمل قدر الإمكان على لململة الزوايا وتقليل حدتها ما أمكن، لكن مع التركيز على نقطة جوهرية وهي فعل كل شيء ممكن بما لا يتناقض مع سيادة الدولة السورية.. عندما يتم العمل على مرحلة الأهداف، ووضع أولويات فهذا لا يعني على الإطلاق التخلي عن السيادة، بل يعني الحرص على توفير ما يمكن توفيره من الدماء ومن الدمار للجانبين.

ـ الإعلامية يارا: كنت أريد أن أسألك: هل للأمر علاقة بشخصية أردوغان.. يعني بعد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأردوغان قيل بأنه سمع كلاماً حاداً من الروس، وهذا ما قاله صحفيون أتراك ومطلعون على الشأن التركي في داخل تركيا، وقالوا إن الرئيس بوتين قال لأردوغان:” إدلب ستكون سورية هذا الشتاء”، فهل للأمر علاقة بطريقة تفكير أردوغان السياسية، وبطريقة نظرته وتعاطيه مع الناس، وهناك من يقول: الكثير من التصرفات التي يقوم بها أردوغان نابعة من جنون العظمة الذي يحمله شخصياً، فهل لهذا الأمر علاقة بذلك؟ وهل التصعيد في هذا التوقيت لنفي ما قيل أنه وضع في محشر أثناء لقائه بالرئيس بوتين؟.

ـ د. حسن: قبل لقائه بالرئيس بوتين قد يكون التوصيف الأكثر انطباقاً على شخصية أردوغان هو كمن ينظر إلى ظله عند الشروق فيرى خياله طويلاً وكبيراً فيظن نفسه أنه فعلاً بهذا الحجم، وكلما ارتفعت شمس الحقيقة يتضاءل إلى أن يزول.
ـ المذيعة: حتى يرى ظله كبيراً يجب أن يكون متجهاً باتجاه الغرب..

ـ د. حسن: أردوغان لم يكن يوماً إلا باتجاه الغرب، وحتى هذه اللحظة لم يكن على الإطلاق خارج الإرادة الأمريكية.. أحياناً قد يقدم على خطوات تبدو خارج النغم الأمريكي، لكن هذا لا يخرج عن كونه نوعاً من التنسيق وتوزيع الأدوار وتوزيع المهام المطلوب تنفيذها، أما الموضوع الذي أشرت إليه ولقاؤه بالرئيس بوتين فأنا لا أريد أن أتعامل مع تسريبات إعلامية تأخذ احتمالات متعددة، بل بما ثبت على أرض الواقع، ومن الثابت أنه ذهب إلى أمريكا ولم يستقبل من أي شخصية رسمية في إدارة بايدن، وهذا الأمر يتضمن الكثير من الدلالات، وبالتالي التوجه إلى روسيا كان بأمل أن يعوض شيئاً، ليس أمام العالم، بل على الأقل بينه وبين ذاته، لكن يبدو من خلال التسريبات التي تحدثت عنها لم يحصل على ما يريد، فازداد جنون العظمة جنوناً، وازدادت عقد النقص نقصاً حاداً، وازداد الإحساس بالخطر خطراً، وازداد يقينه بأنه في أية تسوية شاملة للمنطقة سيكون هو حجر الطاحون التي تتآكل كلياً في نهاية المطاف، ويصبح استبدالها ضرورة، وهذا لا يعني أن تركيا أصبحت لا حول ولا طول، فما يزال لدى أردوغان العديد من الأوراق التي يهدد بها، بمعنى أنه يستطيع أن يرفع قيمة التكلفة، وبكل تأكيد لا الأصدقاء الروس لهم مصلحة بارتفاع التكلفة، ولا مصلحة كذلك للسوريين، ولا جميع القوى الفاعلة ، فحتى الولايات المتحدة الأمريكية عندما ترتفع فاتورة التكلفة فهذا يعني أن قسماً من هذه الفاتورة سيصل إلى الحساب الأمريكي، وبالتالي عندما نتحدث عن العلاقات والسياسات الدولية فهي لا تبنى بالعواطف، ولا تتخذ القرارات بمثل الصيغة الانفعالية أو الرغبوية التي أريدها أنا وأنت أو غيرنا من الأشخاص.. هناك سلم للأولويات التي لا بد من مراعاتها، وضمن كل حقل من سلم الأولويات مجموعة من الخيارات، ويوضع كل خيار على طاولة التشريح: ما هي التكلفة، وما هي المردودية؟ وبالتالي تتم المقارنة وفي النهاية يتم اتخاذ القرار.

الإعلامية يارا: قبل أن أسألك ما هو الحل في ظل جموح أردوغان وطموحه الاحتلالي التوسعي، لدي فكرة تتعلق بالتنظيمات الإرهابية، وطموح أردوغان وإرهابييه سابقاً عندما احتلوا بلدة كسب في 2014م.، وقد قيل وقتها كان الطموح التركي أن يصل هؤلاء الإرهابيون إلى نقطة بحرية لأن “إقامة كيان” في شمال سورية بحاجة إلى منفذ بحري إذا صح التعبير لضمان استمرار دعمهم بالأسلحة، فهل التشديد على موضوع إدلب، وحرص أردوغان على إدلب يأتي في هذا السياق؟.

ـ د. حسن: أردوغان حريص على أن يتشبث أو يبقى في أي قطعة سورية سواء في إدلب أو في شرق الفرات باتجاه الرقة والحسكة، ولن يتردد في تثبيت وجوده في أي نقطة يستطيع ذلك، وللإنصاف جنون العظمة لديه له بعض المسببات أو الروافع، فعندما دخل أول مرة عشرات الكيلومترات وكانت داعش موجودة، ولم يصب أي جندي تركي بجرح، فماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن عملية التوغل كانت عبارة عن استلام وتسليم، فالمايسترو الأمريكي هو الذي أمر داعش بالانسحاب، وهو الذي منح أردوغان الإذن بالتوغل الآمن، وكانت المعطيات آنذاك تختلف، فالجيش العربي السوري كان ينتشر على كامل الجغرافيا السورية، والتنظيمات الإرهابية المسلحة كانت في أوج تمددها وقوتها، فضلاً عن الكثير من التعقيدات الأخرى، والسؤال الأهم هنا هو: بعد أن دخلوا إلى كسب واحتلوها، وبعد أن كانت الجماعات الإرهابية في ذروة ما يمكن أن تصل إليه، وبعد أن رفع التركي السقوف إلى مستويات لم يكن يتوقعها أكثر المتفائلين المتعاطفين لصالح أردوغان، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت تحرير كسب وما حولها.. كانت النتيجة التي نراها الآن والتي تتضمن أن 90% من الجغرافيا السورية تم تطهيرها بجهود الجيش العربي السوري ومن معه من الأصدقاء والحلفاء… كانت النتيجة أن من كان يتحدث عن نهاية الدولة السورية الآن يعود ليقرع أبواب دمشق.. كانت النتيجة أن من قال أن السيد الرئيس جزء من المشكلة يجمع اليوم مع غيره على أن شخصية الرئيس بشار الأسد ليس فقط جزءاً من الحل، بل هو الشخصية القادرة على ضمان الحل، وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.. أمام هذا الواقع بكل تأكيد لن يكون أردوغان مرتاحاً على الإطلاق..
باختصار كل ما يمكن تخفيض الحرارة المرتفعة في رأس أردوغان يجب الاهتمام به والعمل لبلوغه، ولا ضير أحياناً من استخدام الكي عندما يتطلب الوضع ذلك، ومن المسلم به أن آخر الدواء عند العرب هو الكي، وهذا قد يستخدم، ورأينا كيف أنه تم استهداف مقرات الجماعات الإرهابية المسلحة في بلدة سرمدا، وعندما نقول سرمدا أي المنطقة الحدودية والملاصقة للحدود السورية ـ التركية، وهذا يوصل رسالة واضحة مفادها: أن روسيا وسورية وكل من في هذا المحور لن يقبل على الإطلاق ببقاء هذه التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطراً حقيقياً على الأمن الوطني والقومي لجميع دول العالم، وليس فقط لسورية، بل بما في ذلك على الأمن القومي التركي، فإذا كان هناك من يستطيع أن يلزم أردوغان بالاحتكام إلى هذه العقلانية كان به، وبغير ذلك، فعندما تصل الأمور إلى حائط مسدود فلا أظن أن وحدات الجيش العربي السوري الموجودة هناك، ومن يقف مع الجيش العربي السوري سيقفون مكتوفي الأيدي.. طبعاَ كل مواطن سوري يتمنى ألا تراق قطرة دم إضافية، لكن في نهاية المطاف الحقوق لا تعاد بالأمنيات، وواهم من يظن أن في سورية من يقبل أن تتخلى الدولة السورية عن ذرة تراب واحدة، وقد ثبت بالدلائل القاطعة أن هناك تكاملاً يؤدي إلى خلق إعجازات ما بين هذا الثالوث المقدس: الشعب الوفي، والجيش الأبي، والقائد الاستراتيجي.

ـ الإعلامية يارا: اسمح لي أن أتطرق معك إلى ما تبقى من الاتفاقيات التي تم توقيعها مع أردوغان وفقاً للمنطق القائم الآن في إدلب والوقائع على الأرض.. تم التوقيع على اتفاق في استنا وبموجبه النظام التركي ضامن للتنظيمات الإرهابية، ولم ينفذ ما تم الاتفاق عليه في أستنا، وما تزال التنظيمات الإرهابية تخرق مناطق خفض التصعيد وتستهدف المدنيين ونقاط الجيش العربي السوري في المناطق المحيطة سواء في ريف حماة أو في ريف اللاذقية، وكذلك تم التوقيع على اتفاق سوتشي القاضي بتراجع التركي والمسلحين وفتح طريق الإم فور ولم يطبق هذا الاتفاق حتى اللحظة، فما الذي بقي حتى الآن من كل الاتفاقيات الموقعة مع النظام التركي؟.

ـ د. حسن: هذا السؤال يدرك الأتراك حقيقته، ويدركون أنهم يتنصلون، وأنهم وافقوا على مضامين ما اتفق عليه في سوتشي وأستنا لتفادي استمرارية إصرار الجيش على تطهير بقية المناطق، لكن ما يتعلق بخروقات المجاميع الإرهابية المسلحة التي تكفل أردوغان بالتزامها وكان الضامن لها، فلم يكن هناك أي خرق من تلك المجاميع إلا برضا القوات التركية، هذا إن لم يكن بإشراف وقيادة القوات التركية، وبالتالي نتذكر المثل المصري” أسمع كلامك أصدقك، أشوف فعايلك أستعجب”.. في أي لقاء أو اتفاق يتعهد أردوغان بواحد تنين تلاتة أربعة، وما أن تغرب الشمس وتشرق حتى يذوب هذا الكلام مع أول شروق، ويبدأ بأكاذيب جديدة.. هذه هي طبيعة شخصية أردوغان.. محاولة العزف على عامل الوقت والتسويف والمماطلة.. الاستمرار بالكذب والخداع والتمثيل، وهذا قد يجدي لفترة من الزمن… ليوم .. لشهر.. لسنة.. لأقل .. لأكثر، وفي نهاية المطاف هذا لن يستمر… حتى تاريخه لم يلتزم أردوغان بكل ما تعهد به لا في سوتشي ولا في أستنا، وليس فقط لم ينفذ ما تعهد به، بل كل ما قام به هو خرق فاضح لما تم الاتفاق عليه.. صحيح أن تركيا ضامن، لكن هناك ضامنان آخران: الضامن الروسي والضامن الإيراني فهل يقبلان بذلك، وهل الدولة السورية تقبل بذلك؟.. بكل تأكيد لا أحد يقبل بذلك، لكن أعود وأشدد: كل ما يمكن العمل على توفيره من دماء ودمار ووجع وآلام فكل العاقلين يعملون على هذا الأمر، وإذا كان هناك قلة ممن يريدون الاحتكام إلى الجنون وإلى العربدة فعليهم أن يدركوا بأن لدى الطرف الآخر ما يرغمهم على التخفيف من تلك العربدة وذاك الجنون المفتعل، وليس الجنون الحقيقي.

ـ الإعلامية يارا: الآن ننتقل وإياك إلى الحل.. يوجد طبول حرب تقرع في إدلب، وهناك اتفاقيات موقعة ولم يتم الالتزام بها من قبل نظام رجب طيب أردوغان، وفيه سوري بدعم روسي مصر على استعادة إدلب لأنها أرض عربية سورية، وفيه أمريكي غير سعيد بهذه الخطوة، إلى أين تتجه الأمور؟.

ـ د. حسن: أشكرك على السؤال المهم، وقراءتي الذاتية من الصعوبة على أي محلل أن يعطي جواباً قاطعاً مانعاً، ولكن بالتحليل يمكن تلمس المعالم العامة، والاحتمالات المتوقعة، ومنها:
ـ نحن نتحدث عن انسحاب أمريكي من أفغانستان أصبح حقيقة، وهناك كثيرون ممن يتحدثون عن رغبة أمريكية بالانسحاب من المنطقة برمتها.. الانسحاب من المنطقة يعني أن هناك من سيشغل الفراغ الذي قد يتشكل، ومن غير المعقول أن تعطي أمريكا هذا لتركيا التي كانت على خلاف معها فيما يتعلق بقسد التي ترعاها أمريكا.
ـ الطرف الأكثر ترشيحاً لسد الفراغ مبدئياً ومؤقتاً سيكون بإشراف روسي إلى أن تتمكن الدولة السورية من إعادة بسط السيطرة على كامل الجغرافيا، هذا إذا كان فعلاً هناك رغبة حقيقية بالانسحاب.
ـ إذا لم يكن هناك رغبة أمريكية بالانسحاب فهذا يعني أن أمام موجة جديدة وحالة قادمة من زيادة التوتر، والسيد الرئيس في لقائه بالضباط المتخرجين من كلية القيادة والأركان منذ أيام قليلة أوضح بأنه تحدث أكثر من مرة عن عالم مضطرب، وعالم هائج، وبين أن الحل الوحيد لمواجهة هذا الاضطراب والأنواء والأمواج يكون بالصمود والحفاظ على الثوابت، وبالتمسك بالحقوق، والشعوب التي لا تستطيع الصمود لن تجد لها وطناً، فبقدر ما يكون الصمود موضوعياً وصادراً عن قناعة ذاتية بقدر ما تكون النتيجة أفضل.
ـ إذا استعرضنا الآن الواقع على الجغرافيا السورية فمقومات الصمود لدى المواطن والمقاتل والمسؤول السوري، ولدى القيادة السورية هي عدة أضعاف ما كانت عليه في السابق، فمن استطاع تحرير المساحات الجغرافية الكبيرة سابقاً، ومن استطاع بالصبر الاستراتيجي، وبرباطة الجأش، وبعدم التفريط بالثوابت التي تم التمسك بها البقاء وتحقيق الإنجازات، هو اليوم أقدر على المتابعة، ومن استطاع تمرير عشر سنوات ونيف لن يعدم الوسيلة لتحرير ـ ليس فقط إدلب ـ بل حتى آخر سنتمتر من الجغرافيا السورية في أقصى الشرق والشمال الشرقي.

ـ الإعلامية يارا صالح: السؤال الأخير لحضرتك د. حسن ..بالعموم الآن طبول الحرب هي التي تقرع الآن في إدلب، فهل فشلت جولة المحادثات الخاصة بلجنة الدستور السوري في جنيف لأن طبول كانت أقوى، وبالتالي لن يكون هناك إعادة دورات لعجلات أي محادثات تتعلق بالحل السياسي ما لم تهدأ طبول الحرب التي قرعها أردوغان، ونحن نعلم أن هناك وفداً كان في جنيف وهو مسمى من الجانب التركي، ويتحدث بخصوص “الدستور السوري”.

ـ د. حسن: قراءتي الذاتية أنه لم يتم التوصل إلى ما يجب التوصل إليه لأن هناك تناقضاً جوهرياً بالأصل.. الحديث يدور عن أن المحادثات يجب أن تبقى سورية سورية، والعملية برمتها سورية صرفة، وبجهد سوري وبرعاية سورية.. طيب أولئك الذين تمت تسميتهم من قبل تركيا ويقيمون في فنادق أنقرة أو غيرها، فكيف يمكن لأولئك أن يكونوا سوريين.. شخص ضمن وفد موجود في جنيف، والذي رشحه من يحتل أرض سورية .. الذي رشحه يريد ويعمل على انتقاص السيادة السورية…من رشحه يريد تشظية سورية وتفتيتها، فكيف لهؤلاء أن يكون فيهم ذرة من أخلاق، أو ذرة من وطنية… ومن ليس به ذرة من أخلاق أو وطنية هل يمكن الوصول معه إلى نتيجة؟.. بكل تأكيد لا يمكن، لكن أيضاً ليس من الحكمة أن تقدم صورة للمجتمع الدولي بأن الدولة السورية لا تريد التوصل إلى نتائج، وهي التي تعرقل، لا أبداً فالدولة السورية منفتحة، والدولة السورية ترحب بكل جهد سوري مخلص، لكن أن يكون سورياً، وليس مجرد سوري بالهوية، في حين أنه مرتبط بالولاء وبالوجود وبالانتماء وبالتنفيذ بأجندة أعداء سورية.. عندما يصبح أعضاء الوفد التركي سوريين عند ذلك يمكن الحديث عن إمكانية الوصول إلى نتائج واضحة.. إذا أولئك لم يوافقوا على موضوع سيادة الدولة السورية، فما الذي يتوقعه أي مواطن سوري؟.. إذا أولئك يريدون أن يتركوا لأنفسهم إمكانية التواصل والتآمر مع أعداء سورية على سورية دون مساءلة، فما الذي يتوقعه المواطن السوري؟… لذلك لم تصل الأمور إلى نتائج، لأنه بالأساس هناك خلل.. النص يقول : الجهد سوري ـ سوري وبرعاية سورية وإشراف سوري… هؤلاء ليسوا سوريين.. عندما يكون أعضاء الفريق الآخر فيهم شيء من السورية فعند ذلك يمكن تصور ما يمكن الوصول إليه من اتفاقيات يمكن أن يبنى عليها الكثير، لكن طالما هؤلاء تتم تسميتهم من تركيا أو من غير تركيا سيبقون يدورون في فلك من يسميهم، فمبارك عليهم ذاك الفلك، والسوريون براء من أمثال أولئك.

ـ الإعلامية يارا صالح: ما هو الغربال الذي يحدد سورية من يشارك في المحادثات في جنيف؟ هل هو القبول بنقل المحادثات إلى دمشق مثلاً؟ وهو الطرح الذي قدمه الوفد المدعوم من الدولة السورية.

ـ د. حسن: بكل تأكيد عندما نتحدث عن حل سوري، فالأمر الطبيعي أن يكون على الجغرافيا السورية.. عندما نتحدث عن إرادة سورية ورعاية سورية وبإشراف سوري فمن الطبيعي أن يتم ذلك على جغرافية الدولة السورية، وعلى أن لا يكون بالاستقواء بالخارج، وعلى أن لا يكون بعدم الاعتراف بأن من يحتل جزءاً من الجغرافيا السورية هو عدو بكل ما تعنيه الكلمة، وعلى أن لا يتم تقديم الذريعة لأولئك الأقزام والعملاء والخونة للاستمرار في خيانتهم.. عندما يكون وجود المحادثات على الجغرافيا السورية فهذا يعطي رسالة أنه يمكن التوصل إلى نتائج، وإن كان لدى بعضهم أهواؤه باتجاه الخارج، لكن على أقل تقدير إذا كان فيه شيء من الخجل فسيخجل من الماء الذي يشربه والهواء الذي يشمه على الجغرافيا السورية.

الإعلامية يارا صالح: أشكرك جزيل الشكر دكتور حسن حسن، وكلماتك يجب أن تصل إلى كل الذين يحملون جواز السفر السوري، ويتصرفون بعير ما يجب أن يتصرفوا عليه: تبرير العدوان.. تبرير الاحتلال طبعاً الأمريكي ـ التركي أو الإسرائيلي أو الإرهابي على الأراضي السورية ، فهو أمر غير مبرر، ولا يقبل به السوريون بعد كل هذه التضحيات كما تفضلت حضرتك… شكرا جزيلاً لك د. حسن.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى