لم يكن يُتوقع ان تتعطل الحكومة، بعد شهر على تشكيلها، وهي في حكم تصريف الاعمال ولو من دون استقالة دستورية، انما استقالة من مهمتها، والمحددة بوقف الانهيار المالي والاقتصادي والاشراف على الانتخابات النيابة.

من هنا، اعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، موقفاً صريحاً وواضحاً، بانه لا يقبل التدخل في شؤون القضاء، الذي يعود القرار له، وليس من صلاحيات الحكومة ان تقيل قاضياً، بل الحل يأتي من بيت القضاء، اذا ما اخطأ قاض، وتوجد اجهزة ودوائر في القضاء، منها التفتيش القضائي والمجلس التأديبي، ومحاكم تنظر في قضايا تعود المسؤولية فيها لقضاة، تقدم دعاوى بحقهم من قبل متضررين من عملهم، وهذا ما حصل مع مدعى عليهم من القاضي البيطار فلجأوا الى المحاكم لابطال قراراته، تحت عنوان الريبة والشك وعدم الاختصاص.

لذلك، فان الرئىس ميقاتي يقف مع ان يكون القضاء هو الجهة المعنية الوحيدة بموضوع المحقق العدلي، في وقت طالب تحالف «امل» «حزب الله»، من مجلس الوزراء ان يأخذ القرار ويقيل البيطار، حيث لم يتوصل المعنيون بهذه المسألة الى حل لها، مما ادى الى عدم دعوة الحكومة الى استئناف جلساتها، والتي كانت معلومات تسربت، عن ان «الثنائي الشيعي» ابدى مرونة بالعودة الى حضور جلسات مجلس الوزراء، وفق مصدر وزاري، وجرى التراجع عن السقف العالي الذي رفعه وزير الثقافة محمد مرتضى، في جلسة الحكومة، التي طرح فيها وزراء «امل» و«حزب الله» اقالة البيطار، بعد ان تبين ان هذا الموضوع ليس من صلاحيات الحكومة، وبدأ البحث عن مخرج لانزال «الحمار عن المئذنة»، وعلى من اصعده، ان يساهم في العملية، اذ ان عودة الحكومة الى الاجتماع اكثر من ضروري، في ظل الاوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية والخدماتية الصعبة، والانهيارات التي تتلاحق في كل القطاعات.

فمنذ عامين واكثر، والحكومات معطلة، منذ حكومة الرئىس سعد الحريري، الى حكومة حسان دياب التي استقالت بعد ستة اشهر على تشكيلها، واثر الانفجار في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، حيث بقيت حوالى عام وشهرين في تصريف اعمال، اقل ما يقال فيه، انه كان تغطية لصرف نحو 16 مليار دولار خلاله على الدعم، الذي زاد من الجوع والفقر، ولم تقم الحكومة بأي علاج، حتى ان استقالتها، كانت مقصودة، من اطراف سياسية داخلها، ولاسباب منها ما له علاقة بالتدقيق الجنائي المالي، وبعضه له علاقة بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، واكثره الضغط على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، واظهار عهده فاشلاً، اضافة الى الشروط الاميركية المطلوب من لبنان ان ينفذها لتخفيف الحصار عنه، وهو فك ارتباط الحكومة «بحزب الله»، واخراجه من القرار الرسمي والسياسي.

فالحكومة كان ينتظرها اللبنانيون ومعهم مجتمع دولي، لتبدأ باصلاحات، والسعي الى اخراج لبنان من ازمته الوجودية، والتي تزداد تعقيداً، وليس آخرها احداث الطيونة الامنية وانعكاساتها على السلم الاهلي، الى ان اللغم الذي انفجر داخلها، لاخراج القاضي البيطار من التحقيق العدلي، بتفجير المرفأ، لا يبدو ان حركة الاسعاف نجحت في تضميد جراح الحكومة، لان التشبث بالمواقف من قبل اطراف الازمة، لا يؤشر الى ان حلها سريع، لان لا وسطاء داخليين فيها، ولا وساطات خارجية، بل الاتكال على الضمير المفقود عند الحكام.