حكومة قبل كل شيء
محمود بري كاتب وباحث لبناني
صار لا بد من وجود حكومة. الوضع لم يعد قابلاً للحياة. الشعوب اللبنانية “فلتانة” على بعضها البعض. وفي كل عشيرة أو “جُبٍّ” ترى الناس مُستفرسين، كلُ واحد ضد الآخر. البقر يحلب بالدولار. السرفيس بعشرة آلاف. هذا النوع من النماذج بات هو القاعدة، والمواطن لا يمكنه أن يتحمّل بعد وهو الذي سبق له إعلان الاستسلام، مثل أيّ “غنمة أمام اللحّام”، منذ أيام “الشغل ماشي..ولا يهمّك”.
الموظف صار قبل أسفل السلم بدرجة، يسبقه إلى القاع زميله المتقاعد. من كان راتبه يوازي ثلاثة آلاف دولار صار اليوم بحدود الـ 225 دولاراً….، في حين أن السلع تضاعفت أثمانها فلكياً… وكلّنا للوطن.
الأحزاب الوطنية “غير متوفرة حالياً، إتصل مرة أخرى”. الأحزاب القومية مشغولة بحالها وحالاتها وقد انتبهت إلى تعدد الأقوام ممن لا جامع لهم… غير الصوتيات. الأحزاب الدينية خارج البحث، منشغلة مع الله سبحانه في رسم مآلات الأكوان. اليسار يبحث في الأصول الطبقية للبلاء. اليمين مسافر في “الفاكانس ديتّي” ولم يخبروه بما يجري في الوطن. أحزاب الفقراء صارت غنية ومعها القِلّة التي اصطحبتها معها عندما لفظت الباقين. أما أحزاب البرستيج فلا تأكل اللبن أصلاً ولا تركب السرفيس.
الأقوياء يُطعمون أتباعهم. وليذهب الآخرون إلى جحيم آخر بعيد ومختلف عن الذي يتخيّلون أنهم فيه اليوم.
الوجبات اليومية المُتاحة صارت “سبيسيال”، أشهرها: يخنة البطالة مع الطَفَر. خلطة الحرّ(الشَّوْب) بالرطوبة. كوكتيل الـ NGO’s بالثورة، وزعل المعترضين على تسمية ميقاتي.
وبالنظر إلى شدّة الضغط على أعناق الصنف الشائع من الناس… وهم أكثرية عددية بلا وزن ولا وجود إلا على ما يُسمّى “لوائح الشطب” ـــ وهي التسمية الأنسب والأدق؛
وبواقع أحزانهم التي يربّونها بعناية منذ نعومة أظافرهم؛
نجد، نحن ضحايا اليأس والندم، لِزاماً علينا أن نبتهل مع أصحاب النيافة والسماحة والدولة والثروات، لكي يساعد الله محمد نجيب ميقاتي، على تشكيل الحكومة، الآن الآن وبلا انتظار ومماحكة ودقيّ واعصري… ولتذهب، نقول باصوات مُتعبة، لتذهب إلى الجُوَر الصُّحِّية كل شعارات وأحلام التغيير والبناء والتحرير والعدالة والإصلاح ورفع الظلم وكسر ظهر الحرمان وحرق ديب العدو الإسرائيلي الغاشم. فوجود حكومة في غابة الكلاب البرّية هذه هو كل ما نريد ونطلب إلى الله… وميقاتي، على كلّ علاته، هو البدر المكتمل وطوف نوح والمُخلّص لنا من فخ الجرذان الذي نتخبّط تحت أسنانه المُدببة… وقد اكتشفنا، يا لسذاجة الفهمانين بيننا، أن لا أحد…لا أحد البتّة، نهائياً وقطعياً، يهمه ما نحن فيه من أسى ونكبة وفقر وفاقة وجوع ومرض وبطالة وطفر، وبخاصة المسؤول والأرفع منه حتى الزعيم وذئابه.
يرحم الله والد شيخنا الرئيس زياد بن عاصي إذ انتبه (ونحن نضحك كالمهابيل) أننا حين نزلنا إلى الخندق (خندقٍ واحد) وجدناهم قبلنا فيه، وأننا حين افتقدنا إلى السلاح لمحاربتهم، قدّموا لنا السلاح بأنفسهم. كم كنّا عُميان نمشي أمام جنازتنا مثل الكركوزات!
حكومة ميقاتي التي يجب أن تتشكل الآن الآن هي كل ما نأمل به ونصلّي كي يتحقق. وليسمح لي الوزير السابق جبران باسيل وربعه. فلقد انتهى العرض. ولمن يهتم، فأنا لا أصدّق أي تُهمة نالها الرجل، فهو آدمي وخَلوق وطويل الباع على الرغم من ضآلة الهامة، إلا أنه ــ أننا خسرنا الحرب… هذه الحرب التي دخلها جبران بالنوايا الطيبة والشعارات السليمة والكثير الكثير من الإخلاص والحماس، وفاته أن هذا كلّه لا يؤمن كسب الحرب…بل كان لا بد أن يُهيّء للحرب أدواتها الحقيقية. ثم، وبعد أن شبعنا موتاً واصفرار وجوه، كشف لنا أن الرئيس من دون صلاحيات، وليس بإمكانه أن يكون ما نأمل منه أن يكون… ولا حتى قيس سعيد.
بيان:
(أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، إعفاء رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي من منصبه، وقرر تجميد كل سلطات مجلس النواب، ورفع الحصانة عن الأعضاء البرلمانيين، وتولي رئاسة النيابة العمومية للوقوف على كل الجرائم التي ترتكب في حق تونس).