نبيه البرجي | كاتب وباحث لبناني
تقريباً، كل الدول البعيدة والقريبة، المعنية بالوضع اللبناني، موجودة، بشكل أو بآخر، في حكومة نجيب ميقاتي …
كنا قد لفتنا الى أن الأجهزة الأميركية لاحظت أن الصينيين باشروا، للتو، في اجراء محادثات واسعة النطاق مع قادة حركة «طالبان» الذين لا يملكون أي تصور حول حل المشكلات الاقتصادية الهائلة التي تهدد بانفجار الفوضى الداخلية، وبطبيعة الحال تضع وجودهم في السلطة على حافة الهاوية.
كما لفتنا الى أن باكستان تبدو وقد انفصلت عن المسار الاستراتيجي الأميركي، وأقامت علاقات «عضوية» مع الجار الصيني. وتبقى ايران، بالديناميكية الايديولوجية العاصفة، وبموقعها الجغرافي، وقد عقدت صفقة ربع القرن مع الصين (400 مليار دولار).
اذا باتت البلدان الثلاثة على الضفة الأخرى، ما مآل المصالح الأميركية في الشرق الأوسط الذي قد ينتقل من وصــاية الجنس الأبيض الى وصاية الجنس الأصفر ؟
الأميركيون الذين يستعجلون العودة الى مفاوضات فيينا (تالياً الى اتفاق فيينا) يرغبون في تطبيع العلاقات مع ايران التي تدرك ماذا يعني وجود أفغانستان بين «أشداق أولئك الذئاب».
من هنا التعامل برؤوس الأصابع مع الملاّ هبة الله أخوندزاده. هذا الوضع قد يساعد على قبول طهران بوساطة ايمانويل ماكرون الذي لا شك أن اتصاله بابراهيم رئيسي ساهم في الدفع باتجاه تشكيل الحكومة اللبنانية.
الروس أيضاً يتوجسون من التداعيات الأفغانية على آسيا الوسطى. وجود تركيا في أفغانستان يثير لديهم الكثير من القلق (والغضب). تنسيقهم مع ايران في هذا الصدد «شغّال» على مدار الساعة.
السعوديون الذين تابعوا بذهول الهروب الأميركي من البلد الذي حكموه على مدى عقدين، وحيث بدأ شبح أسامة بن لادن في الظهور، يطرحون اسئلة كثيرة حول ما ينتظر المنطقة حين تخلو من الأساطيل الأميركية.
وسائل الاعلام الفرنسية تتحدث عن ضوء أخضر أميركي حمل الرياض على وقف معارضتها لتشكيل أي حكومة في عهد ميشال عون. هنا السؤال الطبيعي ما اذا كان البيت الأبيض سيفتح أبواب الخليج أمام نجيب ميقاتي، باعتبار أن الخلاص الاقتصادي، والمالي، يأتي من هناك.
بطبيعة الحال، ناقلات النفط الايرانية هزت أكثر من بلاط عربي، كما هزت الاسرائيليين الذين يتخوفون مما يصفونه بـ» الاحتواء الايراني لما تبقى من الدولة اللبنانية».
أمام الملأ كانت المبادرة الأميركية، المبادرة الدراماتيكية، لامداد الأردن بكميات اضافية من الغاز المصري من أجل استجرار الطاقة الكهربائية الى لبنان.
أشيــاء كثيرة، ومثيرة، حصلت وراء الضوء. الأميركيون الذين طالما كان لبنان بعيداً عن أولوياتهم، ظهروا بقوة على المسرح. ولكي لا يثيروا حساسية «حزب الله» وقفوا وراء الديبلوماسية الفرنسية التي نجحت في كسر الحلقة المفرغة، ولكن بعد التراجع عن الدعوة الى تشكيلة حكومية لا أثر فيها للقوى السياسية.
هكذا عاد الخط الساخن، بعدما كاد ينقطع، بين الرئيس المكلف والقصر ليتصاعد، أخيراً، الدخان الأبيض. هل يستطيع ميقاتي أن يلعب دور المايسترو البارع في ادارة الأوركسترا المتعددة الولاءات، ووسط تضاريس محلية، واقليمية، ودولية، أين منها تضاريس تورا بورا ؟
لم تكن آلام الناس، وقد تبعثروا في أروقة الجحيم، لتهز ديناصورات السياسة. ثمة حديث عن «كلام خطير»، بعث به السيد حسن نصرالله الى المعنيين بالتشكيل، وبعدما بدا أن الاسرائيليون بدأوا يتحدثون عن الانفجار، انفجار الفوضى، في لبنان، على أن الفوضى تفتح ثغرة في الجدار اللبناني تتسلل منها حكومة نفتالي بينيت.
في اللحظة الأخيرة (ولعلها لعبة القضاء والقدر) تشكلت الحكومة التي عليها أن تدرك أن مهمتها صناعة المستحيل لا صناعة الممكن…