فاطمة شكر | كاتبة واعلامية
كثُرَت اللقاءات والإجتماعات منذ ولادة الحكومة الميقاتية التي لا زالت تراوح مكانها لأسباب عديدة أبرزها أن البلد منهار وأن العقوبات على لبنان وبعض السياسيين اللبنانيين تجري على قدمٍ وساق سواء كان من قبل أميركا أو فرنسا حتى مع المرونة الأميركية والتعاون والتضامن الفرنسي، ناهيك عن الفساد المستشري في أروقة مؤسسات الدولة و الوزارات والتسيب في معالجة الأزمات المتراكمة لا بل اعتماد سياسة اللامبالاة التي مارستها السلطة منذ سنتين تقريباً ما أدى الى الإنهيار الإجتماعي والغذائي والصحي والتربوي وهذا ما ساعد على ازدياد عدد الفقراء الذي وصل الى أكثر من 60% من الشعب.
في الشكل هي حكومة لبنان التي أُطلق عليها حكومة «الإنقاذ «، أما في المضمون وبشكلٍ فعليٍ هي لجنةُ عملٍ يومية مؤقتة، لا بل نستطيعُ القول أنها حكومة تقطيع الوقت حتى موعد حلول الإنتخابات في ربيع العام القادم من العام 2022 والتي ينتظرها الداخل والخارج من أجل تحديد هوية وخارطة سياسة لبنان وتوجهاته، وحتى موعد الإنتخابات البرلمانية القادمة التي يطالب بها المجتمع الدولي ويُصرُ عليها لن تترك الإدارة الأميركية و حتى السعودية أي خطة من أجل إضعاف «التيار الوطني الحر» حسب السفيرة الأميركية دوروثي شيا و ستعملُ واشنطن على دعم لوائح المجتمع المدني و العديد من الأحزاب المسيحية من أجل تغيير أو تعديل موازين القوى النيابية التي تسعى إليها واشنطن منذ زمن لضرب قوة حزب الله وتشترك معها السعودية في ذلك، وحتى موعد حصول الإنتخابات سيستمرُ الحزب بإدخال صهاريج المازوت وتأمين حاجات كل اللبنانيين لمن( يود طبعاً ) فهو وعد بذلك ووعدُ الحر دين.
وإذا ما عدنا الى الوراء فإن الحكومات التي كان يترأسها الرئيس رفيق الحريري منذ العام 1992 حتى تاريخ إغتياله في العام 2005 كان يديرها بنفسه، وكان الوزراء عبارة عن واجهة لحكوماته، فالحريري الأب كان يقومُ بكل أعمال الحكومة من معالجة أزمات ودرس الملفات ومتابعة الأعمال، ويمكن القول أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تعتمدُ نفس الأسلوب لكن مع إختلاف التوقيت، فالرئيسُ يجري إجتماعاته ويتابعُ كل الأمور عن قرب، وهو بادر الى زيارة فرنسا والتقى الرئيس الفرنسي ماكرون في قصر الإليزيه ليعيدَ التأكيد على دور لبنان في منطقة الشرق الأوسط وليتباحث ويتشاور ويعرض معه ملف إعمار مرفأ بيروت وتأمين الكهرباء إضافةً الى مواضيع إقتصادية أخرى، وهو استقبل رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة وتباحثا في الإحتياجات والمتطلبات للبنانيين ليؤكد علناً أن لبنان بلدٌ عربيٌ وهو جزءٌ من هذا العالم العربي و لا يستطيع الإستمرار بدون أشقائه العرب.
بوضوحٍ تام وبشكلٍ علني فإن المتابعات التي يقوم بها الرئيس ميقاتي تؤكدُ إصراره على متابعة أعمال الحكومة بنفسه فهو قرر أن يُديرَ ويضعَ خططاً وآليات عملٍ أولية وأن يعالج المشاكل اليومية الآنية، في حين تُؤجل كل الملفات الضرورية وكل القوانين بدءاً بالهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء الذي سيكون من أبرز البنود على جدول الأعمال وهو واحد من أبرز الاصلاحات التي يطالب به المجتمع الدولي وصندوق النقد على حدّ سواء مروراً بملف الهيئة المنظمة للإتصالات من أجل إعادة هيكلته إضافةً الى ملفاتٍ أخرى تحتاج للمزيد من الوقت أي الى ما بعد الإنتخابات وبالتالي فإن هامش تحرك الحكومة سيبقى محدود جداً خلال هذه الأشهر المعدودة، وعملها قد يُقتصرُ على إعادة إنتظام المؤسسات العامة وإعادة هيبة الدولة وتأمين الحد الأدنى من ساعات تغذية الكهرباء، إضافةً الى تأمين الفيول والأدوية والمازوت والبنزين في ظل استمرار المعاناة اليومية التي يعيشها المواطن اللبناني.
كل هذه الجزئيات في عمل الحكومة يقابله حراكٌ في المنطقة من أجل دعم لبنان والوقوف الى جانبه حتى يجتاز المرحلة الحساسة والدقيقة، اذ إلى جانب الحماسة الأردنية من أجل استجرار الغاز من مصر و تأمين الكهرباء عبر خط الأنابيب من الأردن مروراً بسوريا لمعالجة جزءٍ من أزمة الكهرباء، كما من الممكن أن يستفيد لبنان من فتح مركز حدود معبر جابر_نصيب الذي سيعمل بكامل طاقته مما يساعد على تصدير بعض المنتوجات اللبنانية، تعود روسيا وإيران والعراق والصين الى عرض مشاريع إستثمارية في مختلف المجالات على الدولة اللبنانية، كما تؤكدُ هذه الدول على أن مشاريعها سيكون لها الأثر الإيجابي لكل اللبنانيين.
لعل الحل الأنسب اليوم للدولة اللبنانية والقوى السياسية أن تستغل وبذكاء وحنكةٍ وهدوء المرحلة الدقيقة التي تتمثل بالإعفاءات والعقوبات الأميركية من قانون قيصر المفروض على سوريا مما يشكلُ مساحةً من الحرية والتحرك بشكلٍ أسهل، وأن تستفيد أيضاً من الفرص والعروض والمشاريع المقدمة من الدول من أجل النهوض من هذا المستنقع والإنطلاق نحو الأمام وإخراج لبنان من النفق المظلم وما سوى ذلك فهو كلامٌ لا معنى له ولا جدوى منه.