د . محمد الفياض – كاتب ومحلل مصري
يعتقد البعض أن مانتج عن هزيمة المعسكر الإشتراكي ونجاح الرأسمالية وما تم تسويقه للعالم عبر الآلة الإعلامية الجبارة والمتجبرة باعتباره النظام العالمي الجديد. والذي لايحمل تفسيرا يتجاوز بأي حال من الأحوال أننا في القرن الأمريكي وتحت سيطرة البلطجي الكاوبوي وعلى الجميع أن يتسابق لوضع نفسه تحت الخيمة. فهذا كله مردود عليه. إن الإعتقاد في الولاية الأمريكية المطلقة على الكوكب الأرضي. محض إعتقاد يحتاج إلى مراجعة. وأن الولايات المتحدة الأمريكية تؤلف النظام الدولي وتضع تفسيراته ومحدداته وماهية العضو في هذا النظام ومدى توافر شروط العضوية.. قبولاً. و رفضا. كل هذا يحتاج إلى مراجعة. مراجعة عميقة تضع في تطبيقها مقاييس القوة والضعف. وبالتالي أدوات القوة ومتغيراتها من زمن القطبية الثنائية مرورا بالأحداث الدولية وإلى الآن. بل يدعونا البحث إلى العودة تاريخيا إلى القرن السابع عشر لنقف على ماهية وتاريخ وقواعد النظام العالمي. منذ القواعد التي تأسست في صلح وستفاليا. التاريخ الأول للنظام الدولي ومنتجاته التي انعقد من أجلها مؤتمر السلام في منطقة وستفاليا الألمانية بعد حرب الثلاثين عاماً.. وحتى هذه المنتجات لايمكن اعتبارها في حقيقة الأمر نظاماً عالمياً لأنها حزمة من القواعد خرجت عن مؤتمر ينهي الحرب وفي أوروبا.. لاتعرف عنه شيئآ وقتئذن باقي قارات العالم. فلم يكن هناك إعلام كما اليوم ينقل ويتولى التسويق ويحشد الجماعات البشرية في مناطق العالم حتى يمكننا أن نستند إلى ماكان على اعتباره قواعد للنظام العالمي. فلم تشارك القارات الأخرى ولم تشارك الحضارات المختلفة بل ولم تعلم. لكن يمكننا الجزم بأن حرب الثلاثين عاما 1618_1648 والتي أفنت أرواح ربع سكان وسط أوروبا. كانت كافية للجلوس في مؤتمر للسلام اندفاعا من حالة الإنهاك المتبادل والوصول بكل هذه الدماء إلى نقطة التعادل. وهنا يمكننا أيضآ التأكيد على أن السلام الذي جاء في صلح وستفاليا لم يأت معبرا عن رؤية أخلاقية بل تكيف مع الواقع من خلال توازن عام للقوة يعتمد على إقرار نظام الدولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى وكبح جماح الدول دون الاعتداء والتدخل. ولم يدر بخلد المفاوض في وستفاليا قبل أربعة قرون أنه يضع أسس تقبل التطبيق على مستوى العالم وتصلح لتكون أساساً للنظام العالمي. لكن السؤال الذي يتبادر للذهن هل تم إنتاج نظام عالمي فيما بعد تأسيسا على وستفاليا مرورا باتفاق يالطا. وإلى اليوم.؟؟ وبمعنى آخر هل تم تطوير الأساس المتمخض عن مفاوضات سلام القرن السابع عشر لينتقل بالتكييفات العملية مع الواقع وقتئذ إلى الإنضاج بغمس القواعد بالرؤى الأخلاقية..؟؟ الإجابة أعلنتها الحرب العالمية الأولى والثانية من بعدها.
إذن هل شهوة التدمير والقتل والتخريب مازالت تحكم مجتمع مابعد وستفاليا كما كانت قبلها..؟؟
الإجابة أيضآ : نعم. فالعالم في أوروبا وامريكا لايعترف لغيره بأية حقوق.. بداية من حق الحياه مادامت مصالحهم البراجماتية تتعثر بمصالح شعوب العالم قاطبة. لن يكون هناك نظاماً عالمياً حقيقيا مالم تنعكس قواعد صياغته على مجموعة من الأنظمة الإقليمية التي تعكس السمات الثقافية والحضارية التي يتشكل منها شعوب العالم. ونرى أن إعادة صياغة النظام العالمي وفق اللجنة الثلاثية التي أسسها ديفيد روكفلر في عام 1973 للقريب في المصالح الرأسمالية بين أمريكا وأوروبا واليابان. وقد تأسست تلك اللجنة لإدارة شؤون المناطق للأقطاب الرأسمالية الثلاثة. وتضم في عضويتها 390 شخصية لاتمثل الحكومات ولا الأنظمة وتتخذ من باريس وواشنطن وطوكيو مقرات رئيسة لها. وهذه الشخصيات تجتمع وتناقش وتقرر بالرغم من استقلالها عن الحكومات والأنظمة. هذا يدعونا للتفكير.. وأيضاً. خارج القواعد. كيف يمكن للعالم أن يأمن على مصالحه وحقوقه وكيف يثق في ثلة الحكام وقادة الأنظمة وسلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية. ونحن نرى حكومات للدول وقادة للمنظمات الدولية وقواعد ومواثيق. وتعلو كل هذه العتبات فرقة من الأشخاص تجتمع لتقرر من دون أي صلاحيات دولية تنظيمية. وتتولى الأنظمة السمع والطاعة وتبني منتجاتها من الأفكار والخطط والمشاريع. أليس ماوصلنا إليه في عصر التنظيم الدولي والنظام العالمي الجديد في القرن ال 21 يتصادم مع فرضية التطور الطبيعي لما أسست له وستفاليا من أربعة قرون.؟ ثم كيف نأمن على شعوبنا المستضعفة والنظام العالمي يعتمد على وحدات من الدول التي تحكمها أنظمة حكم مركزية قوية تضبط مجتمعها بأية وسيلة _ديمقراطية أو مستبدة _ تعلن حالة من الاستقرار وتنسف مظاهر الضعف. والنظام العالمي الذي يبحث دائمآ عن التخلص من كل أسباب الصداع الدولي. والذي يتلقى تعليماته من اللجنة الثلاثية _لجنة ديفيد روكفلر _ والتي نعتبرها في رأينا هي الجمعية العمومية لإدارة شؤون العالم. والمنبثقة من الحكومة الفعلية للعالم والتي تأسست في عام 1954 وتتشكل من 120_150 شخصية تجتمع سنويا بشكل دوري تناقش دون جدول أعمال. دون رئيس ومرؤوسين. دون أوراق. دون سجلات. دون إعلام. دون الحق لأي شخصية منهم في الكلام عن تلك الاجتماعات. ومنهم شخصيات تتقلد مناصب رسمية في أنظمة الحكم في بلدانها. لكن حضورها خارج الصفة الرسمية ودون تكليف من أنظمتها. هذا الفريق هو المؤسس لكل مايحدث في العالم. المناقش والمفكر والمخطط والمقرر.. منهم شخصيات المال والسياسة والأكاديمية والعسكرية والإعلامية. والطاقة. والعلماء. هم يشكلون في الواقع مكتب حكومة العالم وتتولى اللجنة الثلاثية الإشراف على إلتزام أنظمة الحكم بالتنفيذ.. إن سلما فسلم.. وإن حربا فحرب. إن مايحدث في العالم مرجعه قرارات حكومة البيلدربيرغ التي تأسست عام 54 وعقدت إجتماعها التأسيسي في فندق بيلدربيرغ في مقاطعة أوستيربيك الهولندية. قرارات الحرب والسيطرة والتدمير والتقسيم. كلها تحاك هناك. وليس أمام العالم لصياغة النظام العالمي إلا بعث تكتلات إقليمية قوية تعلن عن سماتها الثقافية والحضارية