غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد .
في مكان بعيد عن مراكز الاهتمام الإعلامي والسياسي في منطقتنا، يواصل اليمنيون الشجعان كتابة مستقبلهم، ويرسمون معادلة جديدة في المنطقة برمّتها، ستنعكس على التوازنات والوقائع السياسية والعسكرية، بانبثاق قلعة جديدة من حصون الاستقلال والتحرّر ومقاومة العدوان الاستعماري الصهيوني على المنطقة.
أولا: هذا الأفق الذي نشير اليه بات قادما، وبكل يقين، لن يستغرق وقتا طويلا في ظل تسارع الإنجازات والانتصارات، التي يحققها المحاربون الشجعان على الأرض، ويراكمون بها عناصر القوة، عامل قلب المعادلات لمصلحة حركة استقلالية تحرّرية في بلد مكتوم القوة والقدرة، غني الموارد، عانى طويلا من الهيمنة الاستعمارية والتسلّط الرجعي، وسيكون انتصاره إيذانا بنهوض قوة إقليمية هادرة، ستغيّر التوازنات والمعادلات في البلاد العربية، وفي البيئة الاستراتيجية الإقليمية برمّتها، ببعديها الإفريقي والآسيوي. فموقع اليمن الاستراتيجي على مفترق القارتين والبحار والمحيطات، يعني عقدة هائلة في تأثيرها ووزنها، وسيكون لها شأن عظيم حين تتحوّل الى قلعة للتحرّر ومركز إشعاع لإرادة الاستقلال. وهذا الأمر يفسّر، بصورة حاسمة، دوام الاهتمام الاستعماري الغربي باليمن، وحجم التركيز على إخضاع شعبٍ عنيد، وكسر شوكة محاربين أشدّاء، انتصروا في تاريخهم على غزوات متلاحقة.
المعلومات القليلة المتوافرة عن موارد اليمن وثرواته مذهلة. وهي تشير الى أن الدولة الجديدة الفتية، التي ستنهض من مخاض الحروب والدماء، مهيأة لتكون ذات شأن اقتصادي مهم ومؤثّر، وبالتالي لتلعب دورا محوريا في إفريقيا وفي الشرق العربي، كقوة استنهاض تحرّرية، تنعكس على البيئة الأقرب والأشدّ حساسية للمراكز الغربية الاستعمارية، أي منطقة الخليج، ولكنها ستكون أيضا على خطّ الصراع ضد القاعدة العدوانية الصهيونية في منطقتنا. وهذا بعد حاسم وتأسيسي في هوية شرفاء اليمن، الذين يحضّرون بالدماء وبالبطولات مشهد انتصارهم القادم.
ثانيا: على الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي أن يتحضّر ويستعدّ للتحوّل اليمني القادم، بالنظر لحجم هذا البلد وتأثيره والإمكانات الكامنة في موارده الطبيعية، وكذلك موقعه الاستراتيجي في المنطقة، والإشعاع الذي يمكن أن ينطلق من هذه القلعة الحرّة الى البلاد العربية. فاليمن الجديد المعادي للاستعمار والصهيونية والمتمسّك بمباديء التحرر والمقاومة مرشّح بإمكاناته الضخمة والهائلة، وبقدرات شعبه العظيم، ليمثّل إضافة نوعية في حسابات القوة وتوازناتها على مستوى المنطقة العربية وشمال إفريقيا، ولا سيما في ميزان الصراع العربي الصهيوني. الدولة اليمنية الفتيّة ستنضم الى سورية ولبنان وفلسطين والعرق في حساب التوازن الإجمالي للصراع في منطقتنا.
خلف هذه الرؤية الإجمالية للتحوّل اليمني القادم، تعتمل عناصر وعوامل قوة كثيرة اقتصادية واستراتيجية، تؤهل هذا البلد وشعبه العظيم لصناعة تحوّل، هو الأهم منذ عقود في منطقتنا، وفي بيئة دولية متحرّكة، سيمثّل فيها اليمن الجديد قوة استقلال وتحرّر، ونموذجا فريدا للتنمية وللقدرات الوطنية المتعاظمة في العالم الثالث، قياسا الى تعداده السكاني وموارده الطبيعية الضخمة وموقعه الجغرافي الحسّاس، الذي جعل منه هدفا للغزوات والحروب.
ثالثا: إن قوة إقليمية جديدة تتشكّل في منطقتنا من معمودية النار اليمنية. ودماء المحاربين الشجعان تحفر تحوّلا تاريخيا، سوف يحفّز إرادة الاستقلال والتحرّر، ويرفد القضية الفلسطينية ومواقع المقاومة والتحرّر في كل مكان من منطقتنا وعالمنا المعاصر بقوةٍ فتية هادرة، تسيطر على موقع شديد الحساسيّة والدقّة على خرائط المصالح الدولية وخطوط النقل العالمية. واليمن الجديد المحرّر، الذي سيكون جزءا أساسيا في محور المقاومة وقلعة ضخمة من قلاع التحرّر والعصيان على المشيئة الاستعمارية، سيتحوّل الى قوة واسعة التأثير، تشعّ في الشرق العربي وفي شمال إفريقيا، وتترك تأثيرها الحاسم على المعادلات في هذه المنطقة الحساسة والمهمة.
إن تحرّك القوة اليمنية في حيّزٍ جغرافي على تقاطع الطرق والمصالح الدولية، يفرض تغييرا في البيئة الاستراتيجية الكلّية. والتحوّل الجاري يجمع بين الشرق العربي وشمال إفريقيا، ويمسّ بصورة حاسمة مستقبل المنطقة الأهم لآلة النهب الاستعماري في الشرق، أي الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية بصورة خاصة. وبعد الانتصار اليمني سنكون أمام تحوّلات متلاحقة، وأسرع مما يظن الكثيرون، في مشهد شبه الجزيرة والخليج. وهذا ما يؤثّر بالضرورة على المعادلات الدولية العربية. وسيكتشف العالم، ودول الغرب خصوصا، أن حفاة اليمن لم يكتبوا تاريخهم فقط، بل إنهم سيكتبون فصلا جديدا من تاريخ المنطقة والعالم.