عبير بسام | كاتبة وباحثة لبنانية
عند الحديث عن اليمن، هذا البلد الغني بموارده الطبيعية والمائية، وبسبب موقعه الجغرافي، هو مطمع أميركي وصهيوني. إذ يعتبر اليمن أكثر دول الجزيرة العربية غنىً بالبترول والغاز، إضافة إلى أنه ممر هام لخطوطهما. وقد حاولت كلّ من الإمارات والسعودية استغلاله وإبقاء شعبه في حالة من الفقر والتجهيل، فهو مطمع لهاتين الدولتين بالتحديد من أجل السيطرة على آبار البترول والغاز ومناجم الذهب فيه. الأطماع السعودية والإماراتية في اليمن قديمة وكبيرة جدًا، حيث تلعب الإمارات دوراً هاماً في السيطرة على موارده عبر التحالف مع “الإسرائيلي”. ولليمن تجربة مجحفة مع الإمارات، التي وعدت بعد أن استلمت شركة موانئ دبي إدارة مرفأ عدن، بالقيام بمشاريع استثمارية لم تنفذ أيّ منها، وطردت الشركة إبان ثورات اليمن في العام 2011، ودفع الثوار نحو إيقاف عقدها وعدم تجديده.
اليمن، موقع استراتيجي هام على البحر الأحمر، إذا ما استطاع جيشه واللجان الشعبية تحريره، فسيغدون قوة لا تستهان بها، وستتحكم بأهم الطرق المائية في العالم، وهذا مصدر خوف “للإسرائيلي” والأميركي على حد سواء! لأن سيطرة حكومة اليمن في صنعاء على مدخل البحر الحمر في باب المندب، وخصوصاً بعد خسارة شركة موانئ دبي لميناء جيبوتي بعد تأميمها من قبل الحكومة الجيبوتية، يجعل اليمن المسيطر الأكبر على هذه الممرات المائية، وخاصة إذا ما أثبت جدارته عبر ربح الحرب الإستعمارية الأكبر عليه في القرن الواحد والعشرين. صحيح أن المحاكم البريطانية حكمت بتعويض لشركة موانئ دبي خسارتها عقد ميناء جيبوتي، ولكنه تعويض لا يساوي الحبر الذي كتبت به، ويذكرنا ذلك بتأميم قناة السويس وجنون بريطانيا وفرنسا و”إسرائيل” وقيامهم بالعدوان الثلاثي ضد مصر العربية.
ولذلك عندما انسحبت القوات الإماراتية من اليمن، لم تنسحب الإمارات كقوة استعمارية مستغلة فيها، بل عملت على تفريق القبائل فيها، وشكلت الجيش الإنتقالي اليمني لحماية مصالحها. فالعشائر والقبائل في جنوب اليمن منقسمة في ولائها ما بين السعودية والإمارات. حيث اهتمت الإمارات بتدريب الجيش الإنتقالي وتسليحه، والذي يبلغ عديده حوالي 15 ألف مقاتل، اذ تحاول الإمارات تارة من خلال المغريات التي تقدمها للقبائل، وتارة عبر استغلال الخلافات القبائلية فيما بينها للإبقاء على سيطرتها على جنوب البلاد في المهر وعدن، وخاصة في حضرموت.
حضرموت وتقسيم اليمن
لحضرموت أهمية استراتيجية في الحفاظ على وحدة اليمن، لأنه بدون حضرموت لا يوجد يمن جنوبي ويمن شمالي. والأمر الثاني، في حضرموت وحدها تمتلك ثلاثة موانئ هامة جداً، ميناء المكلا، ميناء الضبة، وميناء الشحر، والأخيران تستخدمهما الإمارات لأغراض تجارية وعسكرية خاصة، ولكن ولاء الإنتقالي بالنسبة للإمارات هو موضع شك، اذ أنه من الطبيعي أن نرى افراده والعشائر فيه تتخذ الموقف ذاته التي اتخذته العشائر في مأرب وشبوة في وقوفها إلى جانب قوى الجيش واللجان.
ما مر به اليمن من انتصارات كبيرة في الأيام الماضية وأهمها انسحاب قوات التحالف من الحديدة إلى تعز، يجب أن لا يحرف البوصلة عما يحدث في هذا البلد. وبحسب الخبراء العسكريين، وصل الجيش واللجان الشعبية، الى أبواب مدينة مأرب، ويتوقع دخولها بين الفينة والأخرى. لم تدخل القوات المدينة بعد، وبالتأكيد الأمر له علاقة بسلامة المدنيين والمنشآت النفطية والمدنية الموجودة في مأرب وبالتالي في شبوة. ولكن، انطلاق الجيش والقوات للقتال على محورين في مأرب وشبوة، يضعه في موقع أفضل من أجل البدء بعملية تحرير حضرموت.
أبعاد انسحاب التحالف من الحديدة
وأما إنسحاب التحالف من الحديدة فهو إعادة تموضع بالتأكيد، وذلك من أجل تأمين ميناء عدن وصرف الأنظار عن معركة حضرموت. فالصراع، أو لنقل العمليات القتالية اليوم في اليمن ستصل إلى قمة الشراسة من أجل منطقتي حضرموت وعدن. والتحالف العربي- الإسرائيلي- الأميركي، ومن خلال مناورات الأسبوع الماضي، أراد إرسال رسالة بأنه لن يسمح بالسيطرة على الممرات إلى البحر الأحمر، ولكن بات واضحاً اليوم من هي القوى الحقيقية التي يحاربها الجيش واللجان الشعبية.
مناورات أميركية إسرائيلية خليجية
تعتبر المناورات، التي أجريت في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر في البحر الأحمر، مثالاً عما يتوقع أن يكون عليه شكل هذا التحالف: الإسرائيلي الإماراتي السعودي في اليمن في المرحلة القادمة. إنه تحالف احتلال لليمن ولموانئه والمضائق والممرات المائية التي يطل عليها، وعلى ما تدره إدارة هذه الموانئ من اموال طائلة تصل إلى 100 مليار دولار أميركي سنوياً. إضافة إلى أن موقع اليمن على مضيق باب المندب الواصل ما بين المحيط الهندي عبر خليج عدن إلى البحر الأحمر، مروراً إلى قناة السويس التي تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، يمنحه القوة على هذه الممرات، ويخشى الإسرائيلي إعادة تجربة إغلاقه في وجهه كما حدث في حرب تشرين التحريرية في العام 1973. ولذا فالإنسحاب من الحديدة هو تكتيكي، من أجل التمركز والدفاع عن عدن، أو إلهاء الجيش واللجان الشعبية في القتال لفترة طويلة في تعز قبل تثبيت قوات الإنتقالي في حضرموت والمهرة. وهذه فرضية ينبغي أن تٌأخذ بالحسبان!
صحيح أنه من الأهداف الأساسية التي وضعتها صنعاء هو الدخول إلى مينائي المخا وباب المندب من أجل تأمين خطوط الملاحة الدولية، ولكن الهدف نفسه يقع في خانة القوات الإماراتية التي باتت اليوم تحارب إلى جانب الأميركيين والإسرائيليين وخاصة بعد تنفيذ المناورة العسكرية في الأسبوع الماضي في البحر الأحمر، ومن أهم أهدافها الحفاظ على المكسب الإماراتي- الإسرائيلي في جزر سقطرى وميون وحنيش.
والإنسحاب من الحديدة من أهدافه أيضاً: تشتيت الأنظار عن تحرير قوات الجيش واللجان الشعبية مأرب والدخول الى شبوة، والذي سينتج عنه تحرير حضرموت والمهرة كتحصيل حاصل، ما سيقضي على حلم تقسيم اليمن من جديد.
حضرموت خزان الماء والغذاء والبترول
حضرموت، خزان المياه والبترول والإنتاج الزراعي، هي قلب اليمن، يحيا اليمن الموحد بحياتها، ويصبح يمنين أو ثلاثة بسقوطها. وإذا ما كان الجيش واللجان الشعبية يطمحون إلى بناء اليمن القوي، فحضرموت هي مدماك وحدته، في حين أنه إذا ما كان التحالف يطمح إلى إعادة تقسيم اليمن، فلا دولة “يمن جنوبي” دون حضرموت.
المعارك القادمة ستكون أشد قسوة مما سبق، فالجيش واللجان الشعبية سيحارب في مناطق مكتظة بالسكان، ويقطنها 70% من اليمنيين، ولكن في الوقت نفسه تحاول الإمارات، كما أشرنا استقطاب القبائل هناك، تحت مسمى أن أصل الإماراتيين من اليمن، وهم ورثة مملكة حمير القديمة، ولكن هذا لا يعيد الإمارات إلى اليمن، بل على العكس يوجب إعادة اليمنيين إلى ما خسروه بمساعدة آل نهيان.
وهنا تجدر الإشارة الى أنه عندما نتحدث عن قتال السعوديون في اليمن فإننا نتحدث عن العائلة الحاكمة في اليمن، ولكن عندما نتحدث عن الإمارات فإن ذلك المراد منه الإيحاء ان الإمارات بشيبها وشبابها هي في معركة ضد اليمن، وهذا الكلام يجب إعادة النظر فيه. وخاصة إذا ما كانت العشائر في الإمارات هي امتداد للعشائر اليمنية. ويبدو أن معركة اليمن لن تطيح بالعدوان المشترك بل سيتسبب في نهاية المطاف بانهيار المنظومات الهشة الحاكمة في شبه الجزيرة العربية.
الخنادق