حروب أميركا بعد 11 أيلول والصيغة الأفغانية
تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
بين مدير التحرير في المجلة الالكترونية «ريسبونسيبيل ستيت كرافت» بن آرمبروستر في السابع من أيلول الجاري في دراسة نشرها، أن جامعة براون قامت بإجراء بحث لمعرفة الخسائر البشرية بين المدنيين الناتجة عن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد التفجيرات الإرهابية في نيويورك وواشنطن في 11 أيلول 2001 فوجدت أن القوات الأميركية قتلت من المدنيين بشكل مباشر ما بين 897 ألفاً و929 ألفاً في هذه الحرب معظمهم في العراق وأفغانستان، وأن حروبها في كل منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2001 كلفتها ثمانية تريليونات دولار تقريباً وشنت 91340 غارة جوية على أفغانستان والعراق وباكستان وسورية واليمن والصومال.
ومع ذلك نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في 20 آذار 2018 أن القوات الأميركية قتلت بشكل مباشر ما بين 650 ألفاً و750 ألفاً من المدنيين العراقيين خلال سنوات وجود قواتها من عام 2003 حتى عام 2011 وهذا العدد هو نفس عدد سكان مدينة واشنطن العاصمة.
وفي الحرب الأميركية ضد فيتنام التي دامت 11 عاماً قتلت القوات الأميركية ما يزيد عن مليون من المدنيين من فيتنام الشمالية وحدها، ولكن أطول حروبها المباشرة هي التي جرت في الشرق الأوسط في أفغانستان والعراق في حين أن حروبها غير المباشرة، ما تزال مستمرة بشكليها المباشر وغير المباشر في سورية واليمن والصومال وقد اعترف موقع مجلة «ستاتيستا» الأميركي للإحصاء في العاشر من أيلول الجاري بأن قصف القوات الأميركية المباشر فوق الأراضي السورية قتل أكثر من 5700 مدني سوري وهذا الرقم اعترفت به وزارة الدفاع الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وبالمقابل لم تقتل القوات الأميركية في سورية أو العراق مثل هذا العدد من المجموعات الإرهابية من داعش أو القاعدة أو جبهة النصرة، برغم تصريحاتها بشن حرب على الإرهابيين، أما في اليمن فقد شن سلاح الجو الأميركي 336 غارة جوية فوق اليمن بحجة «الحرب على الإرهاب» وقتل ما يزيد عن 1020 من المدنيين بل وأرسل قوات خاصة أميركية على الأرض اليمنية ثم استبدلها بمرتزقة من أميركا اللاتينية، ويشير معهد واتسون في آب الماضي أن أكثر من 33 مليوناً من المدنيين جرى تشتيتهم وتهجيرهم من بلدان في الشرق الأوسط بحجة الحروب الأميركية على «الإرهاب» في العقدين الماضيين، كما حصل في سورية واليمن والعراق وباكستان وأفغانستان وليبيا والصومال.
وبرغم كل هذه الجرائم التي تعترف واشنطن ومؤسساتها وصحافتها بارتكابها خلال تلك الفترة والتسبب بحروب داخلية تدعم فيها المجموعات الإرهابية ضد شعوب المنطقة ودولها الشرعية، ما يزال هذا الوحش الأميركي ينشر الأكاذيب التي لا يمكن تصديقها حول دوره في الحرب على الإرهاب منذ تفجيرات نيويورك وواشنطن التي نفذتها منظمة القاعدة المدعومة من حكومة طالبان الأفغانية، ولم تستطع الأمم المتحدة ومنظمات القانون الدولية وغير الدولية محاكمة المسؤولين الأميركيين على هذه الجرائم الموصوفة والعلنية أمام العالم، وهذا ما يشكل أهم عامل يشجع الإدارات الأميركية على متابعة هذه السياسة وتصعيدها وتوسيع دائرتها المستهدفة في القارات الثلاث، وهنا يكمن العامل الذي يفرض على معظم دول العالم توحيد دورها لإيقاف هذه الحروب الأميركية وجرائمها ضد المدنيين وشعوب العالم، بل إن المطلوب من قادة الدول التي تعرضت شعوبها لهذه الحروب أن توحد ادعاءها على الولايات المتحدة وليس التحالف مع الولايات المتحدة وسياستها، وهذا ما تفعله أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي وأهدافه الأميركية المشبوهة، فمجموعات طالبان تخلت عن إدانة القوات الأميركية بارتكاب جرائم حرب نفذتها طوال عشرين عاماً وبشكل مباشر ضد الشعب الأفغاني، وبدأت تمحو كل هذه الجرائم مقابل إرضاء الإدارة الأميركية، وسوف تمنع حتى المواطنين الأفغان من تقديم الدعاوى ضد القوات الأميركية وآخر جريمة نفذتها ضد المدنيين في القصف الأخير على منطقة مطار كابول، ويذكر أن قادة فيتنام طالبوا الولايات المتحدة بالتعهد بإعادة إعمار فيتنام كلها جنوباً وشمالاً كشرط أساسي لتطبيع العلاقات معها في حين نحن نجد أن قادة طالبان يطبعون العلاقات في هذه الأيام وقبل استكمال الانسحاب الأميركي من أراضي أفغانستان ويعلنون استعدادهم للتعاون مع إدارة جو بايدين وكأن ضحايا الشعب والدمار الشامل لا يعنيهم بشيء، وهذا ما يشبه الصفقة بين الجانبين على حساب الشعب الأفغاني مقابل تعاون طالبان مع السياسة الأميركية والسكوت على جرائمها.