حركة النهضة التونسية وعشرية سوداء !!

الدكتور محمد سيد احمد | كاتب وباحث مصري

في 17 ديسمبر 2010 قام الشاب التونسي العاطل عن العمل محمد البوعزيزي بإضرام النيران في جسده تعبيراً عن غضبه على بطالته ومصادرة العربة التي يبيع عليها الخضر والفاكهة من قبل السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد, وعلى أثر هذه الواقعة اندلعت شرارة المظاهرات في اليوم التالي 18 ديسمبر, وخرج ألاف التونسيين من الشباب الرافضين أوضاع البطالة وعدم وجود عدالة اجتماعية وانتشار الفساد داخل النظام الحاكم, وواجهت الشرطة الشباب الثائر في منطقة سيدي بوزيد وولاية القصرين, لتنتقل الحركة الاحتجاجية من مركز الولاية إلى البلدات والمدن المجاورة,ونتج عن المظاهرات سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن, وأجبر الرئيس زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء على رأسهم وزير الداخلية.

ورغم ذلك لم تهدأ الحركة الاحتجاجية مما جعل الرئيس بن علي يقدم وعوداً جديدة بحل المشكلات التي ينادي بها المتظاهرون, كما أعلن عزمه على عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة والتي يحل موعدها في عام 2014, ولم يكتفي بذلك بل قام بفتح المواقع المحجوبة في تونس كاليوتيوب الذي حجب لمدة خمس سنوات كاملة, بالإضافة إلى تخفيض أسعار بعض المنتجات الغذائية في محاولة لامتصاص الغضب الجماهيري, وعلى الرغم من أن مثل هذه الإجراءات كان كثير من المراقبين يعتقدون أنها كافية لتهدئة الأوضاع والقضاء على الحركة الاحتجاجية إلا أن دخول بعض القوى السياسية المدعومة خارجياً وفي مقدمتها حركة النهضة الإرهابية كفيلاً باستمرار الاحتجاجات وسكب مزيداً من الزيت فوق النيران المشتعلة, فتوسعت الاحتجاجات وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية, مما أجبر الرئيس بن علي على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ إلى السعودية في 14 يناير 2011.

وفي أعقاب رحيل بن علي عاد المعارضون من المنفى وعلى رأسهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في 30 يناير 2011, وبدأت حركة النهضة في فرض نفوذها على المشهد السياسي التونسي بدعم خارجي, فالحركة المحظورة التي بدأت في عام 1969 بالتقاء راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وأحميدة النيفر, والتي أعلن عن تأسيسها عام 1972 تحت مسمى الجماعة الإسلامية بعد اجتماع الأربعين الذي نظم في مدينة مرناق في ضواحي تونس العاصمة وتحديدا في منزل الشيخ عبد القادر سلامة, وأعلنت رسميا عن نفسها في 6 يونيو 1981 وفي 5 ديسمبر من العام نفسه تمكنت قوات الأمن من كشف التنظيم السري للجماعة, وذلك بالقبض على كل من صالح كركر وبن عيسى الدمني اللذان كان بحوزتهما جميع الوثائق المتعلقة بالجماعة الإسلامية أحد أفرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين, وظلت الجماعة تبحث عن اعتراف بها من الدولة لكنها فشلت وظلت مطاردة ومحظورة حتى اندلاع أحداث 18 ديسمبر 2010 حيث أعترف بها كحزب سياسي في تونس لأول مرة في 1 مارس 2011 من قبل حكومة محمد الغنوشي الثانية, وخلال أيام معدودة أصبحت من أهم الأحزاب التونسية.

وفي أول انتخابات أجريت في 23 أكتوبر 2011 فازت حركة النهضة, ومارست الحكم عبر تحالف الترويكا مع حزبين آخرين, ضمن حكومة حمادي الجبالي وحكومة علي العريض القياديين فيها, وذلك حتى عام 2014, وفي انتخابات 26 أكتوبر 2014 جاءت في المرتبة الثانية وشاركت في حكومة الحبيب الصيد ضمن تحالف رباعي, لكنها لم ترشح أحداً من صفوفها في الانتخابات الرئاسية التونسية 2014, وبعد سنة من الانتخابات شهد حزب نداء تونس انقساما داخله ما أدى إلى استقالة عدد كبير من نوابه ومن الكتلة, وهو ما أدى إلى أن تصبح حركة النهضة أكبر أحزاب مجلس النواب من حيث عدد النواب, وترأس راشد الغنوشي زعيم الحركة المجلس ومارس ديكتاتورية واضحة في مواجهة خصومه السياسيين, وتحول مجلس النواب لساحة اقتتال بين أنصار حركة النهضة والأحزاب السياسية الأخرى.

وفي ظل تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للغالبية العظمى من التونسيين خرجت قبل أيام تظاهرات شعبية حاشدة منددة بسياسات حركة النهضة الإرهابية برئاسة راشد الغنوشي, وإزاء هذا التحرك الجماهيري اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد قرارات مفاجئة وحاسمة بإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه, وتجميد كل اختصاصات مجلس النواب, وتولي رئيس الدولة السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة يعينه رئيس الجمهورية, وأكد قيس سعيد ” أن قراراته ليست تعليقاً للدستور وليست خروجاً على الشرعية الدستورية, وأن هذه القرارات جاءت من أجل عودة السلم الاجتماعي لتونس, وحتى ننقذ الدولة, وحتى ننقذ المجتمع”.

وقابل الشارع التونسي قرارات الرئيس قيس سعيد بارتياح شديد وتأييد من منظمات ومؤسسات الدولة المختلفة, وامتد ذلك التأييد للخارج حيث دعمت بعض الدول العربية والغربية قرارات الرئيس التونسي, في الوقت ذاته بدأت حركة النهضة الإخوانية بالتهديد والوعيد كعادتها دائما, وبالطبع هناك بعض القوى الخارجية الداعمة لإرهابها, لكن كل هذه التهديدات لن تسني الرئيس قيس سعيد عن قراراته الحاسمة بعد أن مرت تونس بعشرية سوداء في ظل سيطرة حركة النهضة الإخوانية على المشهد السياسي التونسي مما أدى إلى تراجع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للغالبية العظمى من التونسيين, وهو ما جعلهم يثورون من جديد ويطالبون بالإطاحة بالجماعة الإرهابية من المشهد السياسي برمته, اللهم بلغت اللهم فاشهد.

Exit mobile version