هلال عون | أديب وكاتب سوري
في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم أمس السبت، رنّ هاتفي الجوال ..
يا لها من مفاجأة جميلة ..
مَنْ المتصل؟!!
أنه البطل العربي السوري الأسطوري ( جيفارا العرب) الأسير المحرر “صدقي سليمان المقت”.. ابن الجولان العربي السوري المحتل..
المناضل الذي أمضى ٣٢ عاما من شبابه في سجون الاحتلال الإسرائيلي..
نعم، إنه اتصال مِنْ أيقونة الكرامة والرجولة والوطنية والشرف الرفيع.. مِنَ الرجل الذي رفض الخروج من المعتقلات الإسرائيلية بشروط الاحتلال .
قال لي : اتصالي بك اليوم لأنني اتابع كتاباتك..!!
تملكني شعور بالحياء، وبالفرح لأنني أيقنت أنه ما زال للكلمة قيمة في عالم اليوم..
ومَنْ يعطي للكلمة قيمة، ك (الرجالِ الرجالِ)..
قلت له : الرجل موقف، والحياة موقف .. ومازلنا نتذكر ونستذكر موقفك من رفض الخروج من المعتقل بشروط الاحتلال.. واتمنى أن اسمع منك شيئا عن تلك اللحظة.
قال : عندما جاءني الملحق العسكري الروسي برفقة ضابطين من قوات الاحتلال وأخبرني بأن قيادة الكيان المحتل وافقت على خروجي من المعتقل شرط أن أتوجه إلى دمشق، وشرط ألا تطأ قدماي أرض الجولان إلا بعد مرور خمس سنوات من خروجي من المعتقل، وبعد ذلك تسمح لي قيادة الاحتلال بالعودة إلى أرض الجولان وتراب الجولان.
سألته : ماذا كان ردك ؟
أجاب : إنك تعود بي الآن إلى تلك اللحظات ..
لحظات الخيال والأمنيات بزيارة دمشق..
يتنهد، ويتابع : يا الله كم أرغب بزيارة دمشق..
بتقبيل تراب قاسيون..
بالسير في حارات الشام وشوارعها وأزقتها..
بمعانقة أهلها ورجالها وأطفالها، وبتحية نسائها..
كم أرغب بتنشُّق هواءها، ورائحة ياسمينها..
كم أشتاق إلى دمشق التي تقاوم الإرهاب والتكفير منذ عشر سنوات..
دمشق حضارة العرب والإنسانية، و أول دولة في تاريخ العرب..
دمشق الحضارة الضاربة جذورها في التاريخ، أقدم عاصمة مأهولة حتى الآن في هذا الكون..
أشتاق لرؤية أطفالها وهم ذاهبون إلى مدارسهم وشبابها وشاباتها وهم ذاهبون إلى معاهدهم وجامعاتهم..
كم أشتاق إلى رؤية الجندي العربي السوري الذي يحمي الشام بدمه وروحه..
يتوقف ثواني قليلة، لعله يأخذ نفسا عميقا، ثم يتابع :
يا الله، كم أشتاق لكل ذلك..!
ولكنني رغم هذا الشوق لم أستطع أن أتخيل أنني بعد خمس سنوات سأتقدم بطلب خطي لقيادة الاحتلال الغاصب كي تسمح لي بالعودة إلى أرض الجولان.
لم أستمر طويلا حينذاك في مقارنتي بين الخيارين. أخبرتهم مباشرة برفضي الخروج من المعتقل وفق شروطهم!!
فإما أن أخرج وأنا حرٌّ أو لا أخرج..
وبعد ذلك كسرت إرادتهم وانتصرت لإرادتي وخرجت إلى الجولان دون شروط.
وأنتظر أن يتحرر الجولان لأزور دمشق وكل مدينة وقرية في سورية .
كان فيض مشاعره كبيرا وكان إحساسي بأن كلماته تلك تراتيل مقدسة وشهادات على العصر ، الأمر الذي دفعني إلى الإصغاء، ولجم مشاعري من التعبير له عن إحساسي تجاه عظَمته..
ولكنني، رغم ذلك اقتنصت لحظات أثناء الحوار، عبّرت له فيها عن الحقيقة..
عن أنه بالنسبة للسوريين “جيفارا العرب”، وأنه منارة للأجيال، وملهم للأحرار، وقدوة للبشرية في الرجولة والعزة والكرامة والإباء..
قلت له: إنك أيقونة تحلق بذكرها الأرواح عاليا وتسمو في عالم الشرف والإرادة والعزيمة والطهر.
رد عليّ، بإصرار، بقوله:
كم أشعر بالخجل أمام كل جندي وضابط يحارب الإرهاب وداعميه على كل مساحة الوطن..!
كم أشعر بالخجل أمام الدماء التي قدمها جيشنا العظيم..!
كم أشعر بالخجل من أمهات وأبناء وأشقاء وزوجات الشهداء..!
أنا قمت بواجبي فقط بما تمليه عليّ أخلاقي وتربيتي، وواجبي تجاه وطني..!
وتابع يقول: البعض، ربما يشعر بالألم، حين يفكر بي، وبأنني أمضيت أكثر من ثلاثين عاما في معتقلات الاحتلال، لكنني كنت دائما، وخلال كل تلك السنوات أشعر بالفخر والاعتزاز بما أقوم به، وكان ذلك الإحساس يجعلني متصالحا مع نفسي وسعيدا .
سألني في نهاية الاتصال عن أسرتي وعن مكان سكني في دمشق وعن عملي في الصحافة ..
قال لي : أرجو أن توصل تحياتي ومحبتي وقبلاتي لجميع زملائك في صحيفة الثورة فردا فردا، وأن تبلغهم اشتياقي إلى زياة صحيفة الثورة، ذلك الصرح الشاهد والموثق لنضالات وبطولات شعبنا وتضحياته منذ عام ١٩٦٣.