روني الفا | كاتب لبناني
بدأ السياديّونَ أو بعضُهُم حربَ إلغاءِ خصومِهِم. نظامُهم تآكل. ساعدوا تآكلَهُ بتكاؤلِهِم. الإتهامات بالتخوين تأخذ أبعاداً طائفية مقرفة مجملُها جزءٌ من برامجَ انتخابيةٍ يعدُ فيها المرشحون قواعدهم الجائعة بمنٍّ وسَلوى. أفضلُ المأكولات عند الجوع طبخات البحص الطائفية. بعض المسيحيين عبر بعض الناطقين باسمِهِم استكملوا تطبيق وصفات الأطباق المسمَّمَة.
بالطبع لم تعد الدبابات والأسلحة الثقيلة متوفّرَة لِضَمان قوة العَصف وانتشارالشّظايا القاتِلَة. التّغريدات والمؤتَمَرات باَتت أكثَر فاعليَّةً لإحداث الدّمار الذاتي. منذُ ثلاثينَ سنةً ونيف عاشَ المسيحيّون كابوس المَعابِر في ما كانَ يُسَمّى المناطِق الشرقيَّة من العاصِمَة بيروت. مِن جِسرِ نَهر المَوت إلى القليعات إلى أدما ماتَ اللبنانيَّونَ على مختلف طوائفهم عموماً والمسيحيون منهم على وجه الخصوص ثَمناً ” للتّحرير”. حرّرَ الزّعماء المسيحيَّونَ يَومها الشّهداءَ مِن حياتِهِم. يعود فصيلٌ منهم اليَوم لإستبدال الحَرب بالإغتيال. إغتِيال الطائِف.
تحضير الإغتيال يمرّ حُكماً برفع منسوب القشعريرة الطائفيَّة. إستِحضار القدييسين والملائِكَة وشُفَعاء الأمور المستحيلَة إضافَةً إلى استِنهاض همّة الأحقاد المجّانيَّة. تَخوين برّي من جهَة. إستِهداف مار مخايل مِن جهة أخرَى. لم يعد بإمكانِهِم إستِحضار الإبراء المستَحيل لأنهم أحرَقوهُ في قبّولَة التسويَة الرئاسيَّة. إستبدلوهُ بِتَعريَة الحريرية السياسية متناسينَ أنَّ لهم فيها عروةٌ وُثقَى. الشيخ زنكو تمّ دفنهُ في جبّانة ما بين التيارين، فقط لإنعاش الذاكرة. ما تبقّى من مفردات هوَ فزّاعَة ممجوجة تستحضرُ حقوق مفترَضَة للمسيحيين.
يُطلَبُ اليوم من المقاومة أن تسند فصيل على فصيل. الهدف إدخالها ضمن البرنامج التجييشي. هؤلاء لم يسبروا بعد أغوارَها. يعتقدون أنها حليف داخلي يمكن توظيفه في معارك جانبية. كلام سيد المقاومة حاول بدماثة مدروسة إبلاغ الحليف أن حسابات حزب الله في مكان آخَر. المقاومة مستعدة لرأب الصّدع. ليست مستعدة للتضحية بفلسطين وكرامة العرب من أجل معركة انتخابية أو رئاسية. تقليص حركة مقاومة بحجم الشرق العربي والعالَم على النحو الذي طُلِبَ منها انتقاص من كرامتها القومية. لَن تقلّصَ المقاومة حجم انتشارها الضميري والتاريخي من أجل شخص. ولا حتى من أجل حكومة. مبادرة الرئيس بري ليست قائمة فحسب. إنها ملاذ أخير قبل الإرتطام.
إتهام برّي بأنه وسيط غير نزيه كان كسيفٍ يَشطُرُ سطح البحر. كرّسَ طلاقاً بين مطلِقِه واتحاداً إضافياً بين الحليفين الشيعيين. تمّ الإستناد على تململ مفتَرَض لقواعد المقاومة مع حليفها الشيعي. واقع تكتي غير واقعي تمّ البناء عليه إستراتيجياً من قبل الحليف المسيحي للمقاومة. كان كلام المقاومة واضحاً أن الحليف المسيحي ” صادق النية ” وأنه لا يمكنه، أي الحليف المسيحي ، أن يبني مكاسبَه على خلاف شيعي شيعي. هذا الزمن ولّى وغير مطروح. مجرد الدعوة إليه هو دعوة لفتنة ولا يمكن إلا أن يُعتَبَر عزيمة بلا ذكاء لفوضى معممة. لن تمر التسوية من هذه الطريق.
كلام الحليف المسيحي يدل أنه غير مقتنع أصلاً بالخط التاريخي للمقاومة. يدلّ أنه يعتبرها جسر عبور نحو السلطة وأنه لا يرى فيها سوى وجه من وجوه التحالفات الداخلية للكسب والإرتزاق السياسي. للأسف، هذا هو الواقع كما هو.
يعيش حليف المقاومة المسيحي وهماً مفادُهُ أن البدائل لدى المقاومة معدومة وأن حاجتها لذراع مسيحي ضرورة للتغطية. الخط المقاوم يهمّه الغطاء المسيحي لكنه لا يمكن أن يضحّي بالخط الإستراتيجي من إجل إرضاء شخص أو تيّار. هناك في المرحلة المقبلة إعادة تموضع تدريجي للمقاومة باتجاه تحييد نفسها عن الصراع الداخلي دون قطع الأوصال مع الحلفاء. عما قريب سيتبيّن إعادة التموضع هذا. الباهظ من الأثمان سيدفعه بعد الشعب اللبناني هو الحليف المسيحي. عليه والحالة هذه البحث عن مقاربة مختلفة عن تخوين برّي والتعويل على فوضى في الصفّ الشيعي. المقاربة موجودة إنما تتطلب أولاً وأخيراً حذف موّال معركة الرئاسة من النوايا والأقوال والأفعال. هنا يكمن التحدّي الأكبر.