جيش الاحتلال ومضاعفات هزائمه
تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
في حزيران 2019 كتب المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي، الذي اختص في هذا المجال طوال أكثر من خمسين سنة، تحليلاً تحت عنوان «لماذا لن تنتصر إسرائيل في الحرب المقبلة؟»، وكان قد استلهم هذا العنوان من الندوة العسكرية التي أعدها رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي لعدد من المفكرين ورجال الأبحاث الإسرائيليين وطلب منهم تقديم تعريف مواصفات «الانتصار على العرب» بعد أن تبين أن كل الحروب التي خاضها الكيان الإسرائيلي ضد الجوار العربي لفلسطين المحتلة لم تحقق الانتصار الحاسم، وفي تحليله يعزو بن يشاي أسباب عجز الجيش عن تحقيق الحسم العسكري ضد الدول العربية المجاورة وخاصة سورية والمقاومة في لبنان والأراضي المحتلة، لعوامل داخلية تتعلق «بعجز الجيش عن تحمل خسائر بشرية في قواته وبعجزه عن تحمل حرب طويلة على عدة جبهات»، ويعترف بن يشاي في تحليله بأن جيش الاحتلال عجز حتى عن تحقيق انتصار حاسم حين شن حربه المباشرة على جبهة واحدة ضد المقاومة اللبنانية وحدها عام 2000 وعام 2006، كما لم يحقق الانتصار الحاسم على المقاومة وحدها في قطاع غزة بعد أن شن عدداً من المعارك والحروب على القطاع وهو عجز عن تحقيق أي إنجاز عسكري أو سياسي ضد سورية برغم كل ما بذله من جهود عسكرية وسياسية ضدها. ويستنتج بن يشاي أن الوضع الراهن لجيش الاحتلال ما زال هو نفسه «لا انتصار حاسماً يمكن تحقيقه ولا هزيمة لأعدائه».
يبدو أن هذا العجز هو الذي يدفع جيش الاحتلال في هذه الظروف إلى محاولة شن حرب استنزاف ضد كل طرف لوحده ما دام هو عاجزاً عن شن حرب شاملة مباشرة ضد أطراف محور المقاومة بل إنه لا يستطيع شن حرب استنزاف شاملة بشكل متزامن على هذه الأطراف وهذا ما يعد مؤشراً على تراجع واضح في قدراته العسكرية وهو الذي يرى مجبراً أن أطراف محور المقاومة تعزز قدراتها العسكرية وتكنولوجيتها الصاروخية. وفي الولايات المتحدة كانت المختصة الأميركية في الأبحاث الإستراتيجية في «مجلس أتلانتا للأبحاث والبرامج في الشرق الأوسط» كارميل آربيت قد نشرت دراسة موجزة في 26 أيار الماضي تحت عنوان «إسرائيل تخسر الحرب برغم قدراتها العسكرية» وتستشهد بآخر حرب خسرها جيش الاحتلال في معركة سيف القدس في شهر أيار الماضي نفسه وتتساءل فيه: «إذا كان الجيش لم يستطع كسب تلك الحرب على قطاع غزة فكيف يمكن أن يحقق انتصاراً حاسماً على أطراف معادية مثل سورية وايران وحزب الله؟» ويبدو أن الحقيقة المستمدة من الاستنتاجات التي يعرضها بن يشاي والسيدة آربيت تدل على أن كل ما سعت إسرائيل إلى تحقيقه من اختراقات في الساحة العربية بوساطة الولايات المتحدة وليس بوساطة جيش الاحتلال منذ اتفاق كامب ديفيد قبل أربعين عاماً واتفاقات أوسلو ووادي عربة عام 1993 لم يؤد إلى تحقيق ما ترغب به ولم يتحقق لها أي تأثير حاسم ضد جبهة المقاومة العربية والإقليمية المستمرة ضدها، فالكل يرى أن محور المقاومة وحده حقق الانتصار على هذا الكيان الإسرائيلي عام 2000 حين أجبره على الانسحاب من دون قيد أو شرط من الجنوب اللبناني وكذلك حين أجبره عام 2005 على نزع مستوطناته وقواعده العسكرية من قطاع غزة وحين عادت المقاومة اللبنانية وهزمته عام 2006، كما لم يحقق أهدافه ضد سورية طوال السنوات العشر للحرب الكونية عليها، وكان من الطبيعي أن يزيد محور المقاومة المنتصر قدراته العسكرية والمعنوية بعد كل انتصار وأن يضاعف خسائر الكيان الإسرائيلي البشرية والمعنوية وزعزعة أمن جيش الاحتلال والمستوطنين، وقد ظهرت هذه النتائج واضحة في الأرقام الإسرائيلية التي أكدت حركة الهجرة المعاكسة من مستوطنات الكيان خلال العقدين الماضيين منذ عام 2000 حتى عام 2021 حين أشارت إلى أن مليوناً ونصف المليون من المستوطنين غادروا إسرائيل إلى أوطانهم من دون عودة خلال عشرين عاماً فقط وهناك 800 ألف منهم فضلوا الحصول على المواطنة الأميركية بينما بقي آخرون في دول أوروبا التي جاؤوا منها وحملوا ثقافتها ولغاتها وتبين أن أكثر من 200 ألف من اليهود الروس عادوا إلى روسيا بعد تشجيع الحكومة الروسية لكل يهودي روسي وحثه على العودة إلى مواطنيته الروسية، وبالمقابل استمر تناقص عدد المهاجرين القادمين من العالم إلى الاستيطان في الكيان الإسرائيلي، وأشارت أرقام الحكومة الإسرائيلية الرسمية إلى وصول 18 ألفاً من اليهود عام 2020 ونسبة ملحوظة منهم من المسنين ولم تنجح محاولات وزارة تهجير اليهود إلى الأراضي المحتلة بتشجيع الشباب على الهجرة رغم المغريات التي تقدمها لهم وهؤلاء يعرفون أن جواز السفر الأوروبي أو الأميركي لليهودي أفضل لمصالحه وأمنه من الجواز الإسرائيلي الذي يفرض عليه الخدمة الإلزامية العسكرية في مواجهة المقاومة المستمرة، مثلما يشير إلى عنصرية الكيان ونظام الاحتلال الوحشي ضد الفلسطينيين.