لطيفة الحسيني – العهد الإخباري
حكاية البقاع مع المقاومة لا تحدّها سماء ولا جبال. كسهولِه وأشجاره وأودية الشمس فيه، يمتدّ تاريخٌ عابقٌ بالثورة والتحدّي. كسنابل القمح الشامخة، يرتفع حصنٌ تصدّى منذ القدم لصون وطن استُعمر واحتُلّ ثمّ تحرّر وأُعزّ.
يختزن ماضي البقاع الكثير من الملاحم والبطولات التي حفرت في الوجدان الوطني وأسّست لمراحل متلاحقة من الحراسة المستدامة بوجه الأعداء والمُحتلّين.
استعادة حقبات البقاع الذهبية تنقلنا الى أيام الاحتلال العثماني والانتداب الفرنسي. حينها تحوّل أهل البقاع الى ثوّار حقيقيين لم يذعنوا تحت أيّ ظرف، بل ثبتوا كي يحافظوا على أرضهم وينتزعوا استقلالًا بالدم والروح، من المناضل ملحم قاسم الى كلّ رجالات التحرّر هناك.
بعد نيل لبنان استقلاله ثمّ دخوله في فترة الاحتلال الاسرائيلي وبدايات المقاومة، كان للبقاع حصّة في عمليات مقارعة العدو. الى جانب بعلبك، تحضر جنتا ويحفوفا بقوّة.
على طريق التحرير، برز اسم البلدتيْن اللتيْن تبعدان عن بيروت حوالي الـ80 كيلومترًا، وتتميّزان بطبيعة جبلية صخرية وعرة جدًا، حيث تمتدّ حدودهما وجبالهما الى سوريا من جهة الزبداني وسرغايا.
لِجنتا ويحفوفا رمزية كبيرة لدى المقاومة ورعيلها الأوّل. باكرًا، احتضنتا مراكز تدريب المجاهدين تزامنًا مع مجيء طلائع حرس الثورة الاسلامية الى البقاع عام 1982 دعمًا لمجموعات المقاومة آنذاك وبقرار من قائد الثورة الاسلامية الفتية يومها الإمام المقدس روح الله الموسوي الخميني (قده).
يستذكر الجيل الأول اليوم كيف كان الشهيد السيد عباس الموسوي والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والقائد أبو حسن بجيجي يتشاركون في التمرينات المُكثّفة في معسكرات جنتا، خاصة أن أبا حسن تولّى في الثمانينيات أيضًا الملفّ الثقافي في مراكز التدريب في البلدة، حيث كان يُعطي المُجاهدين دروسًا في العقيدة والسياسة.
حتى الآن لا تزال شعارات “الله واحد خميني قائد” محفورة على معالم جنتا ويحفوفا، غير أن أبناء القريتيْن لا ينسون كيف دفعوا أثمانًا بسبب تأييدهم للمقاومة فسقط عشرات الشهداء جراء الاعتداءات الاسرائيلية المتكرّرة عام 1992 على جنتا. وقتذاك، لم يمرّ العدوان بلا تصدّي مقاتلي حزب الله بالمضادات الأرضية، والنتيجة كانت ردع الصهاينة وارتقاء شهداء وجرحى.
بُعيد المجزرة، زار السيد نصر الله عوائل الشهداء وتفقّد جنتا والمنطقة التي تعرّضت للقصف، وأكد أمام العوائل المضيّ في الطريق التي أناروها، وقال إن “المقاومة حالة مشروعة بل هي قضية واجبة لشعب مظلوم معتدى عليه”.
في عام 1997 أيضًا، شنّ العدو غارات على مرتفعات جنتا، ما أدّى الى وقوع جرحى، وسرعان ما ردّت المقاومة السلامية بدكّ المستوطنات الاسرائيلية بوابلٍ من الصواريخ مُحقّقة إصابات في الأهداف.
أمّا في مرحلة الخطر التكفيري، فيشهد هؤلاء على دحر المقاومة للإرهابيين من كامل سلسلة جبال لبنان الشرقية ليعود الأمن والاستقرار الى البلدتيْن.
اليوم، يضع السيد نصر الله حجر الأساس لمعلم جنتا للسياحة الجهادية، لتُحفظ حكاية الطلقة الأولى ورعيلها، وحتى لا يُنسى أساتذة المقاومة وقادتها وتضحياتهم ودماء كلّ شهيد ارتقى من هناك أو عَبَر معسكراتها المقدسة.