بولا اسطيح | خاص الكلمة اونلاين .
“لا استطيع اليوم ان أبشر بشيء ولن اقوم بأي مبادرة”.. هذا آخر موقف تم رصده لرئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط خلال اجتماع الهيئة العامة للمجلس المذهبي قبل أيام. رغم تسارع الاحداث والتطورات وآخرها الازمة الناتجة عن وقف السعودية استيراد الخضار والفاكهة اللبنانية بعد احباط الرياض عملية تهريب أكثر من مليوني قرص مخدر من لبنان الى اراضيها، يحلو للزعيم الدرزي الذي اتخذ منذ سنوات موقع “تويتر” منصة رئيسية له للتعليق على المستجدات بشكل شبه يومي، التزام الصمت. هو منشغل لا شك بتصويب “انتناته” التي اشتهرت بالتقاط الاشارات باكرا باتجاه فيينا والعراق، حيث تعقد في الاولى مفاوضات النووي الايراني وفي الثانية اجتماعات غير معلنة بين طهران والرياض. وهي مفاوضات واجتماعات من شأنها ان تحدد مصير المنطقة وبخاصة مصير لبنان نظرا للدورين السعودي والايراني المؤثرين بشكل رئيسي على البلاد.
جنبلاط المستاء بشكل رئيسي من البرودة في ادارة ملف تشكيل الحكومة والمتخوف من انفجار اجتماعي وشيك خاصة مع اقترابنا اكثر من اي وقت مضى من رفع الدعم نتيجة نفاذ الاحتياطي الاجنبي في مصرف لبنان، يعتبر ان الدخول في بازار سياسي او وضع الزيت على النار المشتعلة حاليا، ستكون تداعياته سلبية وعير مستحبة، لذلك ورغم وجود الكثير من الماء في فمه وبخاصة في ملف التهريب وشحنات الممنوعات، هو ارتأى بلع الماء اقله في المرحلة الراهنة متمسكا بذلك بالهدنة التي اعلنها فجأة بعد مرحلة من التصعيد الكبير بوجه العهد وحزب الله وصولا لدعوته رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري للاعتذار عن التشكيل وترك دفة السفينة الهالكة ل “الثنائي” عون- حزب الله كي يتحملا وحيدين مسؤولية الانهيار الكبير الحاصل.
“البيك” الذي تؤكد كل المعطيات انه اتخذ كل الاجراءات والاحتياطات في بيئته لضمان تمرير المرحلة بأقل الاضرار الممكنة، يفضل اليوم الجلوس في صفوف المتفرجين على التسوية تولد في الخارج وتطبق لبنانيا. فهو وان كان دعا مؤخرا من اسماهم “أصحاب الشأن الكبار” لانجاز تسوية داخلية، يدرك ان اي عملية داخلية باتت شبه مستعصية وان ثمن انتظار انجاز عملية مماثلة بالخارج سيكون ثمنه باهظا.
وفي هذا المجال، تقول مصادر “التقدمي الاشتراكي” ان قيادة الحزب “تتحسس منذ اشهر طويلة حراجة المرحلة ودقتها وقد حذرت مرارا من مخاطر ما ستؤول اليه الامور نتيجة مشهد التدهور اليومي الذي نلحظه في كل القطاعات والمرجح ان يتفاقم اكثر في حال لم يتم لجمه بشكل سريع من خلال تشكيل حكومة جديدة والبحث الجدي في سبل اطلاق الاصلاحات وخاصة في قطاع الكهرباء واعادة فتح النقاش مع صندوق النقد الدولي وهيئات التمويل الدولية لكي يتم وضع رؤية للخروج من هذا النفق المظلم”. وتعتبر المصادر ان “هذه المرحلة فيها ما يكفي من المشاكل والازمات التي تتوالد بشكل يومي ما يوجب مقاربة الامور السياسية بطريقة مختلفة، وهذه مسؤولية تقع على كل الاطراف خاصة وان اللبنانيين تعبوا من السجالات والمهاترات والتجاذبات المتبادلة ومن الاتهامات بتحميل المسؤوليات من قبل القوى السياسية لبعضها البعض، هم يريدون آداء سياسيا مختلفا ومقاربات سياسية واقتصادية مختلفة تعيد لهم بعض الامل المفقود في هذا البلد وتتيح لهم ان يضعوا مستقبلهم ومستقبل اولادهم بشيء من الطمأنينة”.
وتضع المصادر التحرك الذي قام به جنبلاط قبل اسابيع وزيارته رئيس الجمهورية، ما انتقده كثيرون، باطار قناعته بأن “الحل الوحيد للازمة هو بالتوصل الى تسوية حكومية تتيح وضع كل الخيارات الانقاذية على السكة وتسمح بفتح صفحة جديدة على الصعيد الوطني.. لكن للاسف كل الجهات المعنية بتأليف الحكومة لم تتلقف هذه المبادرة بشكل ايجابي تماما كما لم يتم تلقف مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وها نحن اليوم اسرى حالة المراوحة والشلل في التأليف الحكومي ما يجعل الوضع الاقتصادي والمعيشي اكثر سوداوية وخطورة”. ولا تبدو المختارة مقتنعة بجدوى العودة الى تحالفات سياسية سابقة، لا ابعد من ذلك تراها غير مهتمة او معنية بذلك، فهي خالفت الحريري بقراره العودة الى السراي في هذه المرحلة كما تخالف “القوات” بدفعها باتجاه انتخابات نيابية مبكرة.. وترى الاجدى ان تبقى حرة طليقة غير مقيدة بحلف سياسي هنا او تكتل سياسي هناك.. فالمرحلة بالغة التعقيد لحد قد يكون من الانفع ان تخوضها كل جماعة وحدها، ويبدو ان هذا هو التوجه العام لكل الجماعات!