شوقي عواضة | كاتب واعلامي لبناني
شكّل لبنان منارةً ومنبراً للحريّات والإعلام والتّعبير عن الرّأي بل إنّه تميّز عن الكثير من الدّول العربية بهذا الدّور وكان سبّاقاً في مجال الحرّيات لا سيّما على المستوى الإعلامي، ورغم التزامه بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتوقيعه للعديد من الاتفاقيات الدّولية والتزامه بالمعاهدات والمواثيق الدّولية الملزمة قانوناً على مستوى العالم بأسره، التي كفلت الدّفاع والتّصدي للمظالم والدّفاع عن المجتمعات التي تعاني من القمع والاعتقال وانتهاك حقوق الإنسان وإدانة تلك الأعمال كجزءٍ من الدّفاع عن الإنسان بموجب تلك الاتفاقيات وهي كالتالي:
1 ـ اتفاقيّة منع جريمة الإبادة الجماعيّة والمعاقبة علیها (1948) إضافة إلى المعاهدات الدّولية الأساسيّة لحقوق الإنسان.
2 ـ اتفاقيات جنيف المؤرّخة ١٢ آب ١٩٤٩ والبروتوكولات الإضافية الملحقة بها (باستثناء البروتوكول الإضافي الثّالث).
3 ـ الاتفاقيّة الدّولية للقضاء على جمیع أشكال التّمییز العنصري والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسیاسیّة الموقع عليه من قبل لبنان في 16-12-1966.
4 ـ اتفاقيّة مناهضة التّعذيب وغیره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسیة أو اللاإنسانيّة أو المهينة.
5 ـ الميثاق العربي لحقوق الإنسان، صادق عليه لبنان في ٨/٥/٢٠١١.
ووفقاً للدستور اللّبناني الذي نصّ في الفقرة (ب) من مقدمة الدّستور فإنّ لبنان عربيّ الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسّس وعامل في جامعة الدّول العربيّة وملتزم مواثيقها، كما أنّه عضو مؤسّسٌ وعاملٌ في منظمة الأمم المتحدة وملتزمٌ مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما تجسّد الدولة هذه المبادئ في جمیع الحقول والمجالات من دون استثناء وإنّ لبنان جمهوريةٌ ديمقراطيّةٌ برلمانيّة، تقوم على احترام الحرّيات العامّة وفي طليعتها حرّية الرّأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعيّة والمساواة في الحقوق والواجبات بین جمیع المواطنین دون تمايز أو تفضيل.
بالرّغم من كلّ تلك الاتفاقيات والمعاهدات يشهد لبنان اليوم منعطفاً خطيراً ينبئ بإطفاء تلك المنارة وكتم صوت ذلك المنبر الحرّ الذي كان يعلّم العالم الحرّيات وذلك من خلال التّحوّل الذي بدأ يظهر بعد قضية إقالة وزير الخارجية الأسبق شربل وهبة الذي أقيل بطلب سعودي، تلا ذلك قضية وزير الإعلام السابق جورج قرداحي الذي أشار في إحدى مقابلاته إلى عبثية الحرب العدوانيّة على اليمن، لتنبري المواقف المدينة لرأي الوزير قرداحي بدءاً من وزارة الخارجيّة اللبنانية التي بادرت إلى إصدار بيانٍ توضيحي تتبرّأ فيه من موقف الوزير قرداحي لتتوالى المواقف والتصريحات الصّادرة عن كلّ من الأمين العام لمجلس التّعاون لدول الخليج العربية نايف الحجر ووزارات خارجية السعودية ودول الخليج، وأبواقها في الداخل، تصريحات وتصعيد أدّت إلى أزمةٍ مع لبنان تعاطت معه وكأنّه إمارةٌ خليجيّةٌ يسبغون عليه من نعمهم او كأنّهم الهواء الذي يعيش عليه اللّبنانيون الذين لم يناموا على ضيم ولم يركنوا لظالمٍ ومستبدٍّ وأذلّوا الجيش الذي قيل بأنه لا يُقهر وحطّموا أحلام إماراتهم الداعشيّة بصلابة جيشه ومقاوميه.
وتحت حجّة عدم اتخاذ لبنان منصّةً للاعتداء على الدّول العربية (الشقيقة) توالت حملة إعدام الحريات بناء للرّغبة الخليجيّة من خلال إدانة ورفض الحكومة اللبنانية للمؤتمر الصّحافي الذي عقدته، «جمعية الوفاق الوطني» البحرينيّة المعارضة، في بيروت، حيث تحدّثت عن وقائع انتهاك حقوق المواطنين البحرينيين من قبل النّظام في المملكة بارتكاب جرائم قتلٍ واعتقالٍ وتجريدٍ من الجنسيات، فيما اعتبر الرئيس ميقاتي أنّ المؤتمر هو تطاول على (مملكة البحرين) ممّا يهدّد بتعميق الأزمة مرة أخرى مع دول الخليج، مطالباً بفتح تحقيقٍ عاجلٍ، وهو تبنٍّ واضح وصريح لسياسات بعض دول الخليج حول الحريات وبذلك نحن أمام مشهد خلجنة لبنان أو دعشنته وفقاً للأنظمة التي تحكم في السعودية والبحرين. فلبنان المستقلّ منذ العام 1946 والذي كان أول من رفع راية فلسطين حيث منعت في الدول العربية كان سبّاقاً في سياساته الخارجية يكاد يتحوّل إلى إمارةٍ خليجيّةٍ تخضع لتعليمات النّظام البحريني النّاشئ والذي نال استقلاله عام 1971.
كيف يمكن لكرامتنا اللبنانية أن تتقبّل تعليمات تلك المملكة المطبّعة والتي لا تزال تتآمر على العرب ولبنان. كيف يمكن أن نتحدّث عن سيادة في ظلّ فرض سياسة السيف والمنشار والتهديد؟ وأين كانت عروبة حكومات لبنان المتتالية حين حوّله البعض قاعدة للمجموعات الإرهابيّة وتمويلها لتدمير سورية؟ أين كانت سيادة الحكومات حين هتكتها السياسات الأميركيّة ولا تزال بسيطرتها على القضاء وبعض مفاصل الدّولة. وإذا نسي البعض فنذكّرهم بـ «سيادة» السّفارة الأميركية وتدخلاتها وقضية جزّار الخيام العميل عامر فاخوري وغيره…
السّؤال المطروح هل المطلوب أن يتخلّى لبنان عن التزاماته بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان وكلّ المعاهدات الدوليّة؟ وهل المطلوب إلغاء الدّستور كما في البحرين والسّعودية وتحويل النّظام إلى نظامٍ قمعي؟ أوَليس الأجدى بأن يمارس لبنان دوره الديبلوماسي بدلاً من تبني وجهات نظر تلك الأنظمة القمعية. والسؤال الأهمّ: هل تجرؤ السعودية والبحرين على طلب إدانة المعارضين للأنظمة ومنع مؤتمراتهم في لندن وأوروبا وغيرها من الدول الغربية.
في كلّ الأحوال إنّ ما أقرّته الدّيانات السّماوية من حقٍّ للإنسان قبل أن تقرّه القوانين لن تنتزعه أيّة قوّةٍ في الأرض لا سيّما في زمن الشعوب التي تقرّر مصيرها والتي أثبتت أنّها منتصرةٌ لا محالة والشّواهد التاريخيّة كثيرةٌ. فحتى لا نصبح «جمهورية الخليج» أبدوا القليل من العنفوان والكرامة لنحصّن السّيادة يا أصحاب الدولة والمعالي.