جعجع يفتح معركة رئاسة الجمهورية بتقصير ولاية عون
كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني
في ذكرى شهداء «القوات اللبنانية» فتح رئيسها سمير جعجع، معركة رئاسة الجمهورية، التي عادة ما تبدأ في العام الاخير من ولاية كل رئيس جمهورية، لكنه هو ارادها مبكرة، دون ان يحدد تاريخها، ويفصل لبنان عن استحقاقها حوالى العام وشهر، وهي وان حصلت في موعدها الدستوري قبل 31 تشرين الاول 2022، فان استحقاق الانتخابات النيابية سيسبقها في ايار من العام المقبل، وسيتزامن مع آخر هو الانتخابات البلدية والاختيارية.
وجعجع الذي بات من «نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية»، وسبق له وتقدم لها في الدورة السابقة، لكنه لم يعلن عن الآلية التي ستقوم عليها الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، كما الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة طرحها هو وغيره من نواب استقالوا، او جهات سياسية، او من مجموعات في الحراك الشعبي المعطل، اذ ينص الدستور على مواد واضحة في الدعوة الى اي استحقاق انتخابي، سواء كان لسلطات دستورية، او لرابطة عائلية، اذ ان تقصير الولاية لا يتم بمجرد الدعوة اليها، وهو حق لاي طرف سياسي ان يقول رأيه، لكن تبقى العبرة في التنفيذ، فهل يتمكن جعجع من تطبيق ما دعا اليه، ام انه مجرد طرح شعبوي، القصد منه، خوض معركته الرئاسية المبكرة ايضاً، ضد عهد لم يترك وصفاً الا ما نعته به من التدمير الى التجويع والتسلط والزبائنية الخ…
ففي الانتخابات الرئاسية السابقة، ترشح جعجع، وايده شكلاً بعض حلفائه في 14 آذار في الدورة الاولى، ولم يتبنوه فيما بعد، الى ان وصل الى عقد اتفاق معراب مع «التيار الوطني الحر»، الذي كان لحاقاً بالتسوية الرئاسية التي عقدها كل من الرئيس سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، حيث كان باعتقاد جعجع بانه يقيم «ثنائية مسيحية»، على غرار «الثنائية الشيعية»، لكن امنيته لم تتحقق، حيث يضع كل طرف من هذا الاتفاق، مسؤولية عدم تطبيقه على الآخر، حيث تتحدث مصادر في «القوات اللبنانية»، عن ان عقيلة الالغاء لم تتغير لا عند الرئيس عون، ولا عند تياره، لا سيما باسيل، الذي يعمل لازالة كل مرشح او يفكر بالترشح لرئاسة الجمهورية، وهو انقلب على اتفاق معراب، للانه فيه اعتراف بوجود قوة مسيحية لها كتلة نيابية وازنة، وهي حكماً سيكون المرشح لرئاسة الجمهورية منها، عملاً بنظرية باسيل الاكثر تمثيلاً في طائفته، وان «التيار الوطني الحر»، يخشى ان يخسر في الانتخابات النيابية المقبلة، عدداً لا بأس من المقاعد، وهذا ما يضعف تمثيله الحالي لصالح كتلة نيابية اخرى ستكون «القوات اللبنانية»، التي لا تخجل من ان يكون رئيسها مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية.
فالانتخابات الرئاسية المبكرة، كما النيابية المبكرة، امامها صعوبات وعقبات، ولم تعد الدعوة اليها مجدية، لان الوقت قصير لحصولهما، كما ان دولا خارجية عادة، لا سيما اميركا وفرنسا شددتا على ان تحصل كل منهما في موعدها الدستوري، لا سيما النيابية التي تسبق الرئاسية، وهي التي ستكشف لمن تكون الاكثرية فيها، حيث الصراع يدور عليها، وفق مصدر نيابي، الذي يؤكد على ان هذا هو عنوان الصراع على الانتخابات النيابة المقبلة، التي على ضوء نتائجها، سيتجدد شكل الحكومة، كما سترسم خارطة طريق للانتخابات الرئاسية، التي غالباً لا تكون من صناعة محلية فقط، بل خارجية، وهذا ما تؤكده الوقائع التاريخية التي تحدثت عن انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان.
وفي كل العهود الرئاسية، كانت دعوات لرحيل رؤساء جمهورية، وقد نجحت مع اول رئيس بعد الاستقلال بشارة الخوري، الذي لم يكمل ولايته المجدد لها، بل تركها مرغماً بضغط وعصيان من المعارضة التي نشأت ضده، ولم تنجح مع الرئيس كميل شمعون الذي فشل بالتجديد لنفسه، ولم تقم حملة ضد الرئيسين فؤاد شهاب الذي استقال هو، وعاد عن استقالته، وشارل حلو الذي اكمل ولايته، التي بدأت في نهايتها ملامح ظهور حرب داخليةالتي اندلعت في عهد الرئيس سليمان فرنجية، الذي تم تقصير ولايته، وانتخاب الياس سركيس، الذي تسلم مهامه مع انتهاء عهد فرنجية، الذي اكمل خلفه سركيس ولايته، ليأتي بعده بشير الجميل الذي اغتيل، ليجري انتخاب شقيقه امين، الذي ترك القصر الجمهوري من دون خلف له، وسلمه لحكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش ميشال عون الذي لم يسمح بحصول انتخابات رئاسية اذا لم يكن هو مرشحها، لكنه فشل، فحصل اتفاق الطائف وانتخب على اثره رينيه معوض الذي قضى اغتيالا بعد اسبوعين، ليخلفه الياس الهراوي ممدداً لولايته، وبعده اميل لحود الذي مُدد له ايضاً، وبقرار سوري، وعدم رضى اميركي وفرنسي وسعودي، ولم تنجح حمله «فل» التي قادتها قوى 14 آذار، فانتخاب قائد الجيش ميشال سليمان بتسوية فرنسية ـ مصرية، دون اعتراض اميركي وسوري، وترك فراغاً رئاسياً بعده، ليأتي العماد ميشال عون، الذي لن يقصر ولايته، ولن يأخذوا توقيعه على اسقاط الدستور.