مقالات مختارة

توازن الضرب… والأخطاء الموروثة

فاطمة شكر | كاتبة واعلامية لبنانية

لا يختلف اثنان على هوية وماهية السياسة المتبعة في لبنان، ولا حتى عن كيفية عمل وأداء من يحكم هذا البلد المتنوع الطوائف والمذاهب. يُجمعُ الكل أن لبنان تحكمه الطائفية منذ نشأته، وهذا ما دفع زعماء هذه الطوائف بشكلٍ أو بآخر للميل والتعاون مع بلادٍ عربيةٍ أو غربية همها الأساس تحقيقُ مصالحها في هذا البلد الصغير بحجمه، الكبير بموقعه الجغرافي وتاريخه القديم.

ومع مرور الزمن حاولت بعض القوى السياسية مشتركةً مع دول إقليمية بأخذ البلد الى الإنهيار عبر اعتمادها سياساتٍ خاطئة بدءاً بالديون التي تراكمت على الدولة وصولاً الى الوضع التعيس من الناحية السياسية والإقتصادية للبنان مروراً بالحرب التي فرضت على سوريا في العام 2011 والتي انعكست بشكل كبيرٍ على لبنان من الناحية السياسية والإقتصادية و الإجتماعية، وصولاً الى تحركات 17 تشرين الأول من العام 2019 الذي كانت القنبلة التي فجّرت كل شيء وكشفت عن نوايا جميعُ من في الداخل والخارج.

تعاقبت حكومتان خلال هذه الفترة مع إصرار لافت من قبل السعودية على عدم إعطاء علامة الرضى على تشكيل حكومة حسان دياب وتكليف سعد الحريري وبعدها تشكيل حكومة ميقاتي لحكومته مؤخراً رغم الدعم الأميركي والفرنسي والإيراني لهذه الحكومة. شكلت حكومة ميقاتي التي جاءت لتعمل على إنجاز ملفات أوصلت البلد الى الإنهيار في المؤسسات العامة، في ظل إصرار الطبقة الحاكمة على الصراع وتقاسم الحصص لاعتباراتٍ طائفية ومذهبية دون أي مراعاة لمبدأ الكفاءة والنزاهة، إضافة الى غياب الإمكانات المالية والنقدية والإستمرار في تقديم الوعود بإعطاء وتقديم الأموال والمساعدات  والهبات من فرنسا وبعض الدول العربية لكن شرط القيام بالإصلاحات.

وعلى الرغم من الحديث المتكرر عن إعطاء هبات ومساعدات وأموال للبنان من أجل الخروج من أزماته، تصر السعودية على أن تبقى بعيدة عن الأجواء اللبنانية، كما أنها تتقصدُ اظهار نفسها عبر وسائل إعلامية وقنوات إتصال بين البلدين عن عدم اكتراثها لما يجري في لبنان، وهي لا تتوانى أو تترك أي فرصة من أجل سلخ لبنان عن محيطه العربي، رغم اصرار الدولة اللبنانية على لسان رئيسها ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومتها نجيب ميقاتي أن لبنان دولةٌ عربية وشقيقة وصديقة لكل الدول العربية. المستغرب في الموضوع أن معلومات سياسية خاصة تؤكد أن السعودية التي ما زالت تقوم بمحادثاتها مع إيران ، هي نفسها قامت بالتواصل مع أشخاص حياديين من أجل بدء الحوار مع حزب الله والوصول الى نقاط مشتركة والإنطلاق نحو الأمام وتذليل بعض الصعوبات إقليميًا ودولياً لكن هذا غير معلن.

ومع التقدم الدولي والإقليمي في إنجاز بعض الملفات والمحادثات الأميركية – الإيرانية والإيرانية – السعودية تعيشُ المنطقة تبدلاتٍ إقليمية ودولية تنعكسُ بشكلٍ إيجابي على الداخل اللبناني لناحية استجرار الغاز من الأردن ومصر عبر سوريا من أجل توليد الكهرباء، في اشارة واضحةٍ الى رضا أميركي لهذا القرار، يتزامن ذلك مع زيارة وزير الخارجية الإيراني الى لبنان حسين أمير عبد الله اللهيان الذي أكدّ خلال كل لقاءاته التي أجراها على الدعم الإيراني للبنان في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات، كما عرض معملانِ لإنتاج الكهرباءِ الذَّريةِ ومترو اَنفاق، من المؤكد أنه سيخرج اللبنانيين من النفق المظلم الذي دخله لبنان بسبب الإدارة الأميركية وأدواتها.

بالتزامن مع هذا المناخ الإيجابي الإيراني والأردني والعراقي والروسي، ارتفع سعر البنزينُ مع عودة تحليق الدولار، وتوقف معمل دير عمار عن توليد الطاقة، إضافة الى معمل الزهراني الذي سيغيب أيضاً عن التوليد بعد ساعات، مما يعني دخول لبنان العتمة.

بالدليل القاطع يثبتُ بعض اللبنانيينَ تواطؤهم لا بل اشتراكهم بحصار الشعب، والدليل على ذلك الإنهيار الذي يعيشه لبنان والفقر الذي دق بيوت 70٪ من اللبنانيين دون أن تتحرك أميركا والسعودية للمساعدة،  تقابله عروضات إيرانيةٌ و روسيةٌ وصينية.

على مر السنين تثبتُ إيران أنها الدولة الصديقة والوفية للبنان هي التي لم تبخل يوماً عن مد يد المساعدة دون مقابلٍ من أجل خروج لبنان من أزماته ومحنه. لا محال كل المعطيات تشير الى تسويةٍ في المنطقة، إيران بقوتها وصمودها، وروسيا بسياستها وعودتها الى المنطقة، والصين بتقدمها، جعلوا  من المنطقة نقطة ارتكاز هام لن يتجرأ أحدٌ على تجاوزهم بعد الآن.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى