تل رفعت في مرمى الإستهداف التركي، فهل تبدأ الحرب من هناك؟
عبير بسام | كاتبة وباحثة
تشهد القرى السورية في ريف حلب الشمالي، المحررة من الإحتلال التركي والجماعات الإرهابية، سلسلة من التحركات في الأيام الماضية، وقد عبّر فيها أهالي القرى عن رفضهم لتواجد الإحتلال التركي، ورفعوا صورًا للمجازر التي ارتكبها الأتراك خلال الحرب على سوريا. تحركات طالبت بتحرير باقي ريف حلب الشمالي وادلب، وإعادة الشمال السوري إلى كنف الدولة، وطرد التركي وزبائنيته في الشمال، في وقت يقوم به الأتراك بحشد قواتهم على أطراف المدينة بانتظار ساعة الصفر. وثمة تصريحات صحفية كشفت عن نوايا التركي بالإستيلاء على تل رفعت من أجل مقايضة أماكن نفوذه بأمكنة أخرى، فهم يحاولون استبدال سيطرتهم على أتوستراد حلب اللاذقية والمعروف بـ “M4” بالسيطرة على التل.
في الثالث من هذا الشهر كان هناك اعتصام لأهالي تل رفعت، الذين استشعروا الخطر القادم من غزو الجماعات المسلحة القادم من مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي ومدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وهذا بحسب ما نشر حتى اليوم. فالحشود العسكرية السورية ابتدأت بالتمركز منذ أشهر في جنوب مدينة إدلب، وقابلها حشود تركية في شمال المحافظة. والرأي السائد حتى اليوم، أن لا حرب حقيقية تلوح في الأفق، وأن المنطقة قد تذهب إلى التسوية. ولكن عبور الروسي في 27 تشرين أول/ اكتوبر الماضي إلى شرق الفرات، وتمركزه في مطار القامشلي العسكري غير الموازين في المنطقة.
وفي المقابل وعلى الطرف الآخر من الحدود السورية، قامت تركيا بإخراج النازحين السوريين من مخيماتهم للتظاهر من اجل المطالبة بالعودة إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم ومنها تل رفعت، اذ عادت تركيا اليوم لإستخدام الضغط الشعبي لتبرير المعركة القادمة في إدلب، تبريرات تذكرنا بما كانت تقوم به الخوذات “السوداء”، عفواً البيض، هذا إن حدثت! وتتخذ تركيا من صواريخ الأكراد ذريعة لتبرير الهجوم على تل رفعت، وقد نشر المواطنون على صفحاتهم منشورات ألقتها الطائرات التركية في 16 تشرين الأول/ اكتوبر، وجاء فيها: ” إلى المدنيين في مدينة تل رفعت: سيتم تطهير المدينة من ارهاب pkk- pyd، يرجى التعاون معنا قبل فوات الأوان”. وجاء القرار بالدخول التركي بعد أن أطلق صاروخين من تل رفعت، وقتل جنديين تركيين، واللذان قتلا بالقرب من مارع، والتي تبعد 35 كم شمال حلب و25 كم جنوب الحدود التركية.
تحاول تركيا أن توحي بأن تل رفعت ما تزال تقع تحت سيطرة قسد، وتتهم حزب العمال الكردستاني بتنفيذ الهجوم. وهددت في 15 تشرين الأول/ اكتوبر، بحسب وكالة الأناضول، على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان بأن “كفاح تركيا في سوريا سيستمر بشكل مختلف للغاية في الفترة المقبلة”، أي بقوة السلاح، بحجة مهاجمة الإرهابيين الأكراد، اذ تعتبر تركيا ان قسد هي جزء من حزب العمال الكردستاني الإرهابي.
وقد تحدثنا في موقع الخنادق عن زيارة الهام محمد في أوائل الشهر الماضي إلى موسكو، والتي تبعتها زيارة أخرى غير رسمية إلى واشنطن، والتي يفترض أن تكون فيها تطمينات من الأميركي، ولم تحصل عليها، ولكن في الوقت نفسه طلبت الحماية الروسية من هجوم تركي مبيت على الأكراد وخاصة على قوات سورية الديمقراطية [قسد]. ويبدو أنه لا يمكننا الحديث عن الشمال السوري في حلب أو ادلب او حتى في شرق الفرات دون الحديث عن المشكلة الكردية المفتعلة وغير المنطقية في سوريا والتي تشبه مشكلة اليهود في أوروبا في بداية الحركة الصهيونية، ومسالة البحث عن وطن بديل لليهود.
هذه هي المشكلة القائمة اليوم في تل رفعت وعفرين ومنبج وتل ابيض، والتي ضمن تركيبتها السكانية أعداد من الأكراد، والتي تحاول تركيا تضخيمها لتتحدث بها عن أزمتها مع فرع حزب العمال الكردستاني، “قسد”، في سوريا، أو عن أمنها مع وجود خطر إقامة فيدرالية كردية في سوريا، أو إدارة حكم ذاتي قد تتحول إلى دولة كردية في سوريا. وهي خطر على سوريا حيث ترتع مخابرات الموساد في شمال شرق سوريا تماماً كما يحدث في كردستان العراق. غير أن المشكلة التركية ليست مع الموساد، وإنما تدور حول رغبة أردوغان باحتلال عمق 30 كم في داخل الأراضي السورية، وتثبيتها كجزء من الدولة التركية قبل العام 2023، وإلا فإن أردوغان سيخسر الإنتخابات القادمة.
هذا مع العلم أن جميع هذه المدن هي مدن آرامية، منذ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، واستمرت بالتواجد خلال الفتوحات الإسلامية وتحدثت اللغة الآرامية المتوسطة أو السريانية. و”بيت آغوشي” هو الإسم الآرامي القديم لمدينة تل رفعت، بحسب ما جاء في كتاب الدكتور عماد محمد غرلي “الفنون الحربية في الشرق الأدنى القديم: منذ الألف الثالث قبل الميلاد إلى الألف الأول قبل الميلاد”، ولكن المؤكد أن المدينة هي امتداد تاريخي لمدينة “آرفاد” الآرامية التي عرفت في القرن السادس قبل الميلاد.
حقائق تاريخية تؤكد أن لا علاقة لسوريا بما يسمى بكردستان التاريخية، سوى بنزوح قسم منهم إلى المناطق الحضرية بعد انتشار الإسلام فيها في العهد العباسي. ولكن الهجرة الكبرى كانت إبان الإحتلال البريطاني للعمل في شركة بترول العراق الواقعة تحت سيطرة البريطانيين، ومن ثم تهجير سريان الموصل إلى نينوى في شمال غرب العراق وإلى القامشلي ومن ثم إلى بيروت بسبب المجازر الكردية التي فتكت بهم في العام 1933. وبناء عليه، لربما كان على أبناء بنت جبيل في ديربورن- ميشغان المطالبة بدولة مستقلة فيها، بعد أكثر من 150 سنة من النزوح إليها، وهي عدد سنوات النزوح الكردي من بلاده الواقعة ما بين تركيا وإيران في جبال زاغروس.
تل رفعت مدينة سورية تقع على بعد 35 كم شمال مدينة حلب، وهي تشرف عليها من على تلة ارتفاعها 457 م فوق سطح البحر، وبالتالي فهي تعد عمقاً استراتيجياً هاماً لحلب، والتي كان يقضي الحلم العثماني الأردوغاني بالوصول إليها والتمكن منها واحتلالها لإبعاد الأكراد نحو الجنوب.
وتعد تلة رفعت النقطة الأهم من أجل الوصول والسيطرة على مطار منغ العسكري، كما أن احتلال تل رفعت بالنسبة للأتراك يعد نقطة فاصلة في تنفيذ ما تأمل الوصول اليه لناحية تأمين عمليات “غصن الزيتون” و”درع الفرات” بذريعة تأمين حدودها ضد الضربات الكردية المزعومة، ولكن في الحقيقة أن تركيا تحاول الإسراع من أجل احتلال تل رفعت وإبعاد قوات الجيش العربي السوري، وتأمين احتلالها لـ 30 كم في عمق الأراضي السورية، وتثبيت عملية التغيير الديموغرافي، مع العلم أن النازحيين السوريين المفترض عودتهم من تركيا إلى المنطقة العازلة هم سوريون، إضافة إلى توطين قيادات الفصائل الإرهابية التي استجلبتها تركيا من شيشان وإيغور وقيرقيز وأوزبك وكزاخية، وهي قيادات إرهابية لم تقبل دولها بالعودة إليها، ولا تستطيع تركيا التي غررت بهم للقدوم إلى سوريا احتضانهم كإرهابيين موصوفين في أراضيها.