أعلنت المقا.. مة اللبنانية ه، عن إسقاطها لطائرة مسيرة إسرائيلية ضمن الخط الأزرق على الحدود الجنوبية للبنان، كانت قد اخترقت الأجواء اللبنانية في جنوب البلاد. في وقت أكد فيه الجيش الإسرائيلي سقوطها من دون أن يحدد الأسباب وأنها كانت ضمن نشاط عملياتي، أشار إلى عدم وجود خشية من تسرب للمعلومات، بعد أن صارت بعهدة المقاومة.
هنا، يمكن الإشارة إلى التطور النوعي للحزب في حروب “الجيل الرابع”، حيث أصبحت لديه قدرة على التصنيع والتعقب بل حتى الإسقاط، وهذا يعتبر أمراً خطيراً بالنسبة إلى إسرائيل، التي باتت تتحسب لهذا الأمر في أية مواجهة مقبلة خاصة وأنها ترى وتدرس النموذج اليمني، بشكل دقيق، في إستهداف السعودية لا سيما وأنها تربط ما بين التقنيات التي يمتلكها كل من الحوثيين والحزب ذات المصدر الإيراني.
تنامي تقني
من المعروف أن الطائرات المسيرة أصبحت بديلاً عن الجيوش النظامية لبلدان كثيرة والإعتماد عليها أصبح كبيراً جداً خاصة من قبل الدول القوية، كالولايات المتحدة وروسيا وتركيا وبالطبع إيران وإسرائيل، وكل منهم يتفاخر بالقدرات التي وصلت إليها طائراتهم من خلال برامج تطويرها المستمرة.
فيما يخص موضوعنا، لا أحد يشك في أن قدرات الحزب قد تنامت وتصاعدت ما بعد التحرير، العام 2000، وحرب تموز 2006، كما أنه زاد من قدراته العسكرية، بشكل واسع، من خلال مشاركته بالحرب السورية على مدى عشر سنوات؛ بالتالي، أصبح قوة كبيرة تقارع إسرائيل، المتواجدة على الحدود الجنوبية اللبنانية، حيث أخضعت معارك الحزب لـ “الفحص الدقيق” خصوصاً معركة القصير وقدرة الحزب على حسمها بسرعة رغم العديد من التعقيدات الموجودة في تلك البلدة.
في العام 1997، حدثت عملية أنصارية الشهيرة التي كمُن فيها بعض عناصر الحزب لمجموعة من قوات الكومندوس الإسرائيلي، حيث قتل فيها 13 جندياً من بينهم قائد الوحدة، العقيد يوسف كروكيف، وطبيب قوة الإنقاذ فيها، النقيب الدكتور ماهر دقش. في ذلك الوقت، تم إختراق نظام الطائرة المسيرة وعلم الحزب تماماً، من خلال الصور والبيانات، المسار الذي سيسلكه الجنود في عملية الإقتحام، فأعد العدة وفخخ الممرات وكمُن بشكل ممتاز.
عن هذا الحدث، قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” إنهم في البداية إعتقدوا بأن الأمين العام للحزب، السيد حسن نصرالله، كان “يتفاخر ويتبجح”، ولكن الأمر إتضح بشكل كبير لاحقاً حيث تبين لهم أنه “قال الحقيقة” بعدما تم مقارنة الصور، من قبل فريق خاص، التي عُرضت مع الصور الحقيقية الموجودة داخل الطائرة وقت تنفيذ العملية، موضحة أن الحديث دار “عن صور من طائرة بدون طيار كانت تصور المنطقة قبل العملية تسربت إلى أيدي حزب الله.”
تكرر الأمر العام 2010، عندما عرض الحزب مشاهد لفيلم إلتقطه مسيرات إسرائيلية لموقع إغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، والمسارات التي قد يسلكها موكبه قبل فترة وجيزة من عملية الإغتيال، حيث قال السيد نصرالله إن طائرات استطلاع إسرائيلية كانت قد رصدتها، مضيفاً أن ما تم عرضه يشكّل “قرائن” و”ليس أدلة قاطعة” حول ضلوع إسرائيل في الجريمة. المقصود في الموضوع، أن الوحدة الإلكترونية في الحزب، إستطاعت مجدداً الدخول إلى أنظمة الطائرة المسيرة وسحب المعلومات منها من دون الإضرار بها.
صناعة المسيرات
كان أول استخدام مسجل لحزب الله للطائرات دون طيار العام 2004، عندما أرسل طائرة “ميرساد – 1” إيران”، وهي طائرة صغيرة، حيث قامت بمراقبة مدينة ناباريفا، في شمال إسرائيل، لمدة 20 دقيقة تقريباً وعادت إلى لبنان من دون أن يكتشف أمرها. فضلاً عن ذلك، قالت بعض المصادر أن الحزب إستعمل تلك طائرات دون طيار، العام 2006، خلال حرب تموز حيث قام بإرسال 3 منها بإتجاهها.
في العام 2011، أعلن السيد نصرالله عن تبني الحزب لطائرة إستطلاع محلية الصنع، “أيوب”، تم إرسالها فوق الأراضي الإسرائيلية، هي من صنع إيراني وقام بتجميعها كادر متخصص منه، وأن الطائرة حلقت فوق منشآت إسرائيلية حساسة قبل أن يتم كشفها من جانب سلاح الجو.
وعن مسارها، تحدث السيد نصرالله بالقول إن “المقاومة ارسلت طائرة استطلاع متطورة من الأراضي اللبنانية بإتجاه البحر وسيرتها مئات الكيلومترات فوقه ثم اخترقت اجراءات العدو الحديدية ودخلت إلى جنوب فلسطين المحتلة وحلقت فوق منشآت وقواعد حساسة ومهمة لعشرات الكيلومترات.”
وفي أغسطس/آب 2016، ذكرت العديد الحزب بات يمتلك “أسطولاً” من الطائرات المسيرة المسلحة زهيدة الثمن وقد إستخدمها بشكل كبير في سوريا بهدف تعزيز قدرته العسكرية. ولكن، يرى العديد من المحللين أن الحزب سيستخدمها لاحقاً ضد إسرائيل في أية حرب مقبلة، خصوصاً وأنها تستطيع أن تحمل كمية لا بأس بها من المتفجرات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أفاد الجيش الإسرائيلي أنه أسقط طائرة بدون طيار تابعة لحزب الله بعدما إخترقت المجال الجوي، حيث قال أفيخاي أدرعي، المتحدث بإسم الجيش، في تغريدة عبر موقع “تويتر”: “أسقطت قوات جيش الدفاع قبل قليل طائرة مسيرة تابعة لمنظمة حزب الله الإرهابية اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي من لبنان”، مضيفاً أن القوات الإسرائيلية تابعت الطائرة بدون طيار “طيلة الوقت حتى إسقاطها دون أن يشكل ذلك أي خطر على البلدات المجاورة.”
من التصنيع إلى الإسقاط
لم يقف الأمر عند هذه الحدود، بل أن الأمر تطور حيث أصبحت هناك قدرة لدى الحزب بإسقاط المسيرات. وبرز ذلك بشكل واضح عندما إقتربت مسيرات إسرائيلية من بعض الأبنية في حي معوض السكني – التجاري، إذ إعتبر الحزب أن الوضع بات “غير مقبول”.
عن هذا الحدث، قال الأمين العام للحزب “إن هذا الهجوم المسير الإنتحاري هو أول عمل عدواني، منذ 14 أغسطس/آب 2006″، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومن معه في اتخاذ القرار مخطئين إذا ظنوا أن هذا الخرق “يمر عندنا، لأنه إذا سُكت عنه سوف يؤسس لتكرار الإعتداء على لبنان بالطائرات المسيرة”، لافتاً إلى أنه “إنتهى الزمن الذي تأتي فيه طائرة إسرائيلية تقصف في لبنان ويبقى الكيان آمناً”، منبهاً إلى أن “من الآن وصاعداً سنواجه المسيرات الإسرائيلية في سماء لبنان وسنعمل على إسقاطها وليأخذ الإسرائيلي علماً بذلك.”
من هنا، لا شك أن تكرار عملية إسقاط الطائرات المسيرة الإسرائيلية أمر إيجابي يحسب لصالح المقاومة ودرجة يقظتها، وخبرتها القتالية المتزايدة، وهو ما يزيد من قوة الردع لدى الحزب في أية مواجهة محتملة سواء فكانت على حدود لبنان أم في سوريا.
إن عملية إسقاط الطائرة المسيرة، التي لن تكون الأخيرة، ستجعل من الخبراء الأمنيين الإسرائيليين يبحثون في عملية الإسقاط تلك وحيثياتها، التي سيستنبطون منها المدى التي وصلت إليه قدرات المقاومة في هذا المجال والعمل على “سد النقص” أو الخلل فيها مستقبلاً. أما عن مسألة أنه “لا خوف من تسرب معلوماتها”، كما يقول المتحدث بإسم الجيش، فهذا أمر مشكوك به لأن التجارب السابقة أكدت قدرات الحزب على إختراق أنظمة الرصد، ومن يعمل قد يكون له القدرة على الدخول إلى أنظمة التحكم، وإنزالها بنفس الطريقة التي أنزلت فيها إيران مسيرة أمريكية على عجلاتها في فترة سابقة.
يأتي ذلك في وقت تصاعدت فيه قوة المقاومة الفلسطينية، ضمن قطاع غزة، في هذا الخصوص حيث أعلنت الفصائل هناك إسقاط إثنين منها وفي أسبوع واحد، وتدور الأسئلة حول أمرين مهمين؛ الأمر الأول، وجود عيب تصنيعي ما فيها يسهل عملية إستهدافها وإسقاطها. الأمر الثاني، أن تكون العملية كلها عبارة عن خدعة إسرائيلية، وهو أمر بعيد عن المنطق، بأن تقوم بعملية “مناورة” من خلال تمكين المقاومة من الحصول على نموذج ضعيف القدرة في الرصد أو التجسس أو القتال لتبقي النوع الرئيسي بعيداً عن الأعين.
ختاماً وبصرف النظر عن مواصفات الطائرات التي أصبحت في حوزة حزب الله، مما لا شك فيه أنها من الجيل المتطور والذي قد تحوي على تفاصيل تجعل الحزب قادراً على دراستها وصناعة نموذج مماثل لها؛ وبالتالي، تكون تل أبيب قد وقعت في “شر أعمالها”، وما يعني أيضاً أن قوة الردع للمقاومة تزداد تطوراً، وهذا أمر طبيعي مع التطور التكنولوجي الحاصل في هذا المجال، خصوصاً بعد الخبرات التي إكتسبها الحزب في الصراعات الدائرة إقليمياً، سواء في سوريا أو العراق أو التواصل مع اليمن ولا ننسى في هذا المجال إيران بكل تأكيد.
فهل تكون الطائرات المسيرة هي “المفاجأة المقبلة” في أية مواجهة عسكرية مقبلة ما بين الحزب وإسرائيل، أم أن لدى الأول سلاح نوعي آخر، أسلحة مضادة للطائرات، قد يستخدمها لتعطيل عنصر القوة هذا عند “الجيش الذي لا يقهر” لهزيمته أو كسر هيبته، على غرار ما حدث إبان “حرب تموز”.
مركز سيتا