كتاب الموقع

تفاصيل واسرار معركة بيادر العدس بين الجيشين السوري و ” الإسرائيلي “


مفيد سرحال | كاتب وباحث لبناني

معركة بيادر العدس /السلطان يعقوب، بل قل ملحمة بيادر العدس، بيادر التاريخ المخصب المخضّب بنجيع الجيش العربي السوري ،بل قل بيادر العروبة تنضح بالقامات السنابل تُروى من مناهل ميسلون وتتلوّن بشمس تشرين التحرير ليغدو العدس حبات قلوب تتشظى على كف المنون تنفلش حمما فوق الغزاة في التحام اسطوري بين الجيش العربي السوري والغزاة الصهاينة عام 1982 ،اما العدس الصهيوني زؤان التاريخ فقد حصدته بيادر الابطال لا بل طحنته نوارج الجند البواسل عند بوابة البقاع الجنوبية ومنافذ دمشق العصية.
بيادر العدس رأس ثالوث عنيد بين حرمون وقاسيون ومفتاح الباب الى الشام لكن هيهات ان تنحني جباه الراسيات او تنخلع بوابة المجد،فكانت ام المعارك وأقسى المواجهات استبسل فيها الجنود والضباط السوريون مسطرين اروع امثلة الشهادة والرجولة على صفحات الخلود،ولو قدر للجيش الصهيوني آنذاك ان يواصل تقدمه نحو طريق الشام،وقطع هذا الشريان الحيوي الذي يربط لبنان بعمقه الاستراتيجي في سوريا لتغيرت معادلات وتبدلت خرائط وسياسات،باختصار شديد شكلت معركة بيادر العدس تحولا فاصلا وحاسما في مجرى الصراع مع العدو الصهيوني وأسقطت هدفا”رئيسيا” لغزو لبنان عام 82 غيَّر وبفعل الخسائر الفادحة للعدو الاسرائيلي مجرى الغزو حيث اندفعت القيادة السياسية الصهيونية لتثبيت وقف لاطلاق النار سعى اليه المبعوث الاميركي فيليب حبيب في الثانية عشرة ظهرا نهار الجمعة الواقع فيه 11/6/1982 بعد 18 ساعة من القتال الضاري..
ويكفي ان نذكر للدلالة على ما تقدم ما جاء على شكل اعتراف فاضح بلسان المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت الذي وصَّف ماجرى في معركة بيادر العدس /السلطان يعقوب: ” ما كنا نتوقع ثباتا”من جيش نفوقه قدرة وعدة لكن السوريين خدعونا وعرفوا كيف يستدرجون قواتنا الى وهدة ساكنة سكون شجرها الكثيف وأوهمونا انهم انكفأوا فاندفعت قواتنا على غير هدى لتحقيق الهدف الرئيسي للحرب اي الوصول الى طريق الشام وظننا ان القصف المركز والجهنمي للتحصينات قد اطاح بكل العوائق عند محور الفالوج / كامد اللوز لنفاجأ اننا بين فكي كماشة ضيق الحيز فالتحمت الدبابات بقتال مباشر ما عطل سلاح الجو وانقضت وحدات النخبة في الجيش السوري على قواتنا بالنار وجها لوجه ومن مسافة امتار واستخدموا السلاح الابيض في بعض الاحيان…فالسوريون استبسلوا دفاعا عن هذا الخط الاستراتيجي.”
وختم المراسل العسكري الصهيوني: ” لقد غزونا لبنان وانتصرنا وتقدمنا بسرعة غير متوقعة لكننا هزمنا في بيادر العدس ويجب ان نقر ونعترف بذلك… والجيش السوري جيش خطر جدا على إسرائيل ” .

وقد أرخت بلدية عيتا الفخار لهذا الانتصار بنصب تذكاري لشهداء الجيش العربي السوري وهم أرخوا للانكسار… ولن تمحل البيادر حتى ينضج العدس….
اما المحللون العسكريون الصهاينة وقتذاك فقد وصفوا الكمين السوري ب ” عش الدبابير ” وبات مصطلحا معروفا في ادبياتهم العسكرية عن معركة بيادر العدس تدليلا على حجم الآلام الناجمة عن تلك المواجهة اما الصحيح في ادبياتنا فهو ان نسور الجيش العربي السوري مزقت الافاعي المنسلة الى اعشاشها المحصنة بالصنوبر وبيادر العز.
في موقعنا اردنا الاضاءة على تلك المعركة لتبقى مشعة في الذاكرة والوجدان تؤرخ للنصر تجسيدا لوحدة الهم والدم بين لبنان وسوريا .
ومن الاضاءات على تلك المعركة ولمعرفة اهميتها الاستراتيجية وانعكاسها على مجريات الحرب والواقع الميداني نرصد ما قاله الخبير الاستراتيجي العميد وليد زيتوني : كلنا نعرف ان العدو الاسرائيلي بادر بالحرب وهذا عنصر اساسي في اي معركة عاملا ضمن منظومة قيادة وسيطرة واتصال تعرف ب stbna22 ومركزها قاعدة ميرون وضمنها تحريك 90 طائرة وثلاث فرق مشاة ومدرعات ونظام اسلحة عالية الدقة وطائرات دون طيار..
والمهم جدا في هذه المعركة ان القيادة السورية كانت تدرك وتعلم طريقة اشتغال المنظومة التي اعدتها قيادة العدو الاسرائيلي وهنا مكمن نجاح الجيش السوري واخفاق الصهاينة في تحقيق اهدافهم الرئيسية من الغزو عام 1982.
اما بيادر العدس يتابع زيتوني :فهي جبهة متصلة وليست مستقلة وجزء من خط عرضي يمتد الى الصفرا_ ضهور بمهريه عين دارة مشقيتي__ المديرج _ضهر البيدر.
ونظرا لحرية عمل جيش العدو بمعنى ان سيطرته متحررة من الجو بعد قصف منصات الصواريخ،لم يستطع الجيش السوري بداية ادخال تعزيزات آلية قبل يومين من تلك المعركة عبر حمص والمصنع فبادرت القيادة السورية الى اشغال طيران العدو بمعارك جوية لامتصاص قوة ال 90 طائرة ونجحت الى حد كبير ،في هذه الاثناء مررت القوات السورية ثلاثة الوية مدرعة على المحاور التالية:المصنع /الفالوج،شتورا /قب الياس وشتورا/ضهر البيدر وسربين من طائرات غازيل المروحية مضادة للدروع كدعم لمنظومة قيادة وسيطرة سورية وجرى ضرب الدبابات المعادية على المدى البعيد لعرقلة تقدمها خاصة في محور بيت لهيا الحوش والرفيد في قضاء راشيا والفالوج في البقاع الغربي ما وفر غطاء لتمركز الدبابات السورية على المحاور الآنفة الذكر واقرب نقطة هي بيادر العدس حيث لجأ السوريون الى اسلوب التضليل والتمويه الجيد بدءا من الفالوج وأمنوا ما يسمى (بالتَّقنية) للعدو اي فتح قناة امامه للتقدم والدخول باتجاه بيادر العدس حيث كانت الجهوزية والمفاجأة حاضرة بدرجة عالية فوقع جيش العدو الاسرائيلي (اللواء 92) بالكمين ودمر بالكامل واستولى الجيش السوري على ثمانية دبابات صالحة …
اضافة لهجوم معاكس بالنار على طول الخط العرضي بدءا من منصورية بحمدون وصولا الى ضهر الاحمر في راشيا ،فالقرار السوري كان واضحا وقف التقدم المعادي وهذا ما حصل فعلا ،اذ خاض الجيش العربي السوري اشرس المعارك التي منعت العدو من تحقيق هدفه الرئيسي اي الوصول الى المصنع وفرض شروط على سوريا وتطويقها وقال اليهود يومها كذبا لقد وصلنا الى طريق الشام وحقيقة وصلوا الى صوفر والتلة الجردا في الباروك ومرج الدب لايهام الرأي العام المحلي والدولي انهم حققوا اهدافهم)
وختم زيتوني: ان معركة بيادر العدس تعتبر من اهم المعارك العسكرية التي خاضها الجندي العربي وتشكل نقطة مضيئة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني لانها قامت على مبدأ فهم اهداف العدو وخططه واسلوب قتاله وعلى هذا الاساس هزيمته في الميدان واجهاض اهدافه.)
احد القادة الفلسطينيين الذي آزر الجيش السوري مع رفاق له من تنظيمات عسكرية لبنانية وفلسطينية قال : ما انجزه الجيش العربي السوري في معركة بيادر العدس يرقى الى المعجزة فاللواء 58 تلقى اوامر واضحة : ممنوع عبور الصهاينة خط الفالوج بيادر العدس مهما كانت التضحيات ، وبالفعل اطبق الجنود السوريون بصواريخ ساغر المضادة للدروع على رأس حربة الهجوم الاسرائيلي الذي ضم نحو 70 دبابة من نوع باتون كانت اتخذت انساقا قتالية مختلفة بين سهل عزة الفالوج وبيادر العدس ..لقد كان مشهد احتراق الدبابات مذهلا ورائعا.. الكمين محكم والروح القتالية للجنود والضباط السوريين عالية فتعطل الهجوم الاستراتيجي ودمرت عشرات الدبابات وبداخلها معدات حديثة متطورة ومصنفة لدى العدو بدرجة سري للغاية ..لقد فقد الصهاينة السيطرة على الارض واطلاق النار من الجنود السوريين كان من مسافات قصيرة في ظل فوضى هائلة نظرا لان الدبابات التي تراجعت اعطبت بالقصف الصاروخي وطائرات غازيل التي تسللت من جهة عيتا الفخار وقنصت القوة الخلفية لرأس الهجوم فتضعضعت وحداته بفعل السدود النارية ونظام الرمي على اساس الارض المحروقة ما الحق خسائر اضافية بدبابات العدو التي تراجع قسم كبير منها بشكل فوضوي انهزامي…وغنم الجيش السوري عددا من الدبابات تعرض حاليا في بانوراما حرب تشرين في دمشق .
هذه المعركة الشرسة والفاصلة بالمفهومين العسكري والاستراتيجي نجم عنها اضافة لخسائر العدو الصهيوني المادية والمعنوية أحجية ما عرف بالجنود الصهاينة المفقودين ولطالما استغلت قيادة الاحتلال الاسرائيلي هذه القضية للابتزاز والتهويل والضغط.
في هذا المجال وعلى مدى سنوات اولى السفراء الاميركيون الذين تعاقبوا على سفارة الولايات المتحدة في بيروت اهتماما ملحوظا بهذه القضية وبذلوا جهودا استخبارية كبيرة وتوسلوا العمل التنموي كغطاء حيث تتولى تنفيذه الوكالة الاميركية للتنمية لاختراق البنى المجتمعية ولعل ابرز السفراء المشهود له بصهيونيته ديفيد ساترفيلد كان اكثر الناشطين في هذا الحقل مبتكرا اسلوبا في الاختراق الامني للمجتمعات يقوم على الخدمات التنموية والتواصل المباشر مع البلديات والفاعليات وفق آلية عمل مستجدة يصح تسميتها بالدبلوماسية الشعبية ونسج علاقات وخطوط اتصال مع الناس ليتبين لاحقا من خلال بعض القنوات المحلية لاسيما في القرى والبلدات المحيطة ببيادر العدس ان ساترفيلد وخَلَفه فنسنت باتل كانوا مقابل الاغراءات التنموية يبحثون عن مفاتيح لغز الجنود الصهاينة المفقودين وتسَقُّط اخبارهم غير ان شعبنا بانتمائه الصادق وبالحس والحدس وما رشح من اشارات الاحتكاك قام بمجاراة الدبلوماسية المستحدثة على قاعدة لنأخذ ما في جيوبهم وندع ما في عقولهم .
ولا زال سفراء اميركا يتجندون لهذه المهمة كلما سنحت الفرصة التي تحولت مع الوقت الى غصة وبقيت بيادر العدس بوطنية واباء وانتماء شعبنا وطنيا وقوميا تضج بمواسم الكرامة ووحدة المصير ابقى وانقى وارقى من كل بيادر ومواسم العسس.

شهامة العقيد صلاح.
اثناء معركة بيادر العدس صودف مرور شاحنة المواطن نديم ساطي من بلدة كامد اللوز قضاء البقاع الغربي التي حوصرت وسط اتون النار ،ترك محمد ساطي الشاحنة حاملا طفليه ميرفت ورواد وكذلك فعلت زوجته محاسن وبين يديها الطفل الرضيع محمد فاستهدفهم طيران العدو الاسرائيلي واستشهد على الفور نديم ساطي وطفليه مرفت ورواد في حين اصيبت زوجته اصابة بالغة وقبل ان تفارق الحياة دفعت بطفلها الرضيع محمد تحت الشاحنة لتقيه من الموت.وبعد ان هدأت المعركة واندحر العدو الاسرائيلي غربا واثناء جمع القوات السورية للجرحى شوهد العقيد صلاح المصاب بجروح يزحف باتجاه الشاحنة بعدما سمع صراخ الطفل الرضيع محمد وانتشله من بين حطام السيارة ونقل الطفل الرضيع معه الى دمشق تاركا في احدى مستشفيات البقاع عنوانه في دمشق ناقلا الطفل معه لحين عثور اقربائه عليه وبقي في عهدته ستة اشهر حيث توجه جد محمد ساطي قاصدا عنوان العقيد صلاح وهناك عثر على حفيده محمد ابن التسعة اشهر الذي اهتمت به عائلة العقيد صلاح وأعاد الطفل الذي فقد كل افراد عائلته وهو اليوم عنصر في قوى الامن الداخلي يبلغ من العمر 45 سنة ..
رواية جديرة ان تروى عن شهامة وحمية ضابط في الجيش العربي السوري.
عود على بدء لو دققنا مليا”بالتوصيف الذي اعتمده مراسل يديعوت احرونوت في حديثه عن معركة بيادر العدس والذي ختمه بالقول ان الجيش العربي السوري يشكل خطرا وجوديا على دولة اسرائيل نظرا لصلابة عقيدة الجندي السوري واستعداده النفسي لمواجهة العدو الصهيوني بصلابة وايمان عميقين غير عابئ بالمخاطر واضعا نصب عينيه النصر او الشهادة لادركنا اليوم اسباب الهجمة الغربية الاستعمارية الرجعية وقوى العدوان ضد سوريا واستهداف جيشها واشغاله في الداخل لتقويض قدراته والهائه عن المعركة الرئيسية بالتوازي مع جهد محموم لتغيير سوريا الموقع والدور الوطني والقومي وتحويلها الى تابع مستلحق عديم الفاعلية والتأثير في مسار الاحداث في المنطقة.
ومما لا شك فيه ان الصمود الاسطوري للجيش العربي السوري بوجه الارهاب ورعاته من الاعراب والاغراب شكل صفعة لاميركا وربيبتها اسرائيل التي راهنت على سقوط سوريا ،لكن سنابل الانتصارات ستبقى تذخر في اهراءات الكرامة وسيبقى الجيش العربي السوري ليس سياج سوريا وحسب بل درع الامة الحصين وبيدرها النابض بالغلال والرجال ووقفات العز.

عناوين :
– الجيش العربي السوري طحن العدس الاسرائيلي على بيادر الدم.
– معركة بيادر العدس/السلطان يعقوب أجهضت اهداف الغزو الصهيوني عام 82.
– اسرائيل جندت سفراء اميركا في لبنان بحثا عن الجنود الصهاينة المفقودين تحت غطاء دبلوماسي خدماتي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى