نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
لا نتصور أن البابا فرنسيس، الذي من يعود الى ماضيه بين المعذبين في بلاده كمن يعود الى ماضي الأنبياء، أخطأ في اللغة، أو في ما وراء اللغة، حين قال، في تغريدته، «أيها الرب الاله، خذ لبنان بيده، وقل له انهض، قم كما فعل يسوع مع ابنة يائيرس».
لا معجزة من السماء. كل الذين أتوا من هناك لم يتركوا وراءهم سوى التفرقة، وسوى الكراهية، بين الأنواع البشرية، بالرغم من أن أقوالهم، وكتبهم، دعت الى تكريس الحالة الالهية فينا . ثقافة الأقوى أعادتنا الى زمن الوثنيات الكبرى التي تبدو، في ظل التأويل الدموي للنص، أقل هولاً من الديانات الكبرى …
ما علينا الا أن ننتظر أن تصلنا المعجزة من فيينا. الدولة التي أنتجت أدولف هتلر، وكان اغتيال أرشيدوق النمسا، الشرارة التي فجّرت الحرب العالمية الأولى، هي التي أنتجت سيغمند فرويد، وقد توغل في اللاوعي البشري، ويوهان شتراوس الذي، حين وضع سنفونية «الدانوب الأزرق»، كان يتصور أن مياه النهر تصب عند قدمي السيدة العذراء.
لن ننسى، كعرب، المستشار برونو كرايسكي الذي كان ظاهرة سياسية فذة. اليهودي المحنك وقف الى جانب القضية الفلسطينية. بالحرف الواحد قال انه يرفض وصاية «اسرائيل» على … الله !
هي، ايضاً، بلد كليمنت ميترنيخ الذي كان، مع الفرنسي شارل تاليران، نجم مؤتمر فيينا (1815) للبحث في التركة البونابرتية، ولصياغة خارطة طريق لأوروبا الأخرى، قبل أن يظهر أوتو فون بيسمارك، ويقرع الطبول على سفوح الألزاس واللورين (1870 )، وكان المدخل الى الحرب العالمية الأولى التي كنا ضحاياها، من سايكس ـ بيكو الى فيرساي وسان مارينو …
هنا يفترض أن تتدخل يد الله (يدا الله) لأننا، كلبنانيين، وكسوريين، وكعراقيين، وكيمنيين، ضحايا صراع المصالح وصراع الحرائق . الصراع الذي يجري فوق هياكلنا العظمية (لم يتبقّ لنا سوى هياكلنا العظمية)، دون أن يعبأ أحد بمعاناتنا وبأنينا في هذا العالم بالآذان المقفلة، وبالعيون المقفلة
من فيينا، وما وراء فيينا، والأميركيون يحزمون أمتعتهم للرحيل الى الباسيفيك، يتبلور المشهد الآخر للشرق الأوسط. أنكون أمام حرب طروادة أخرى (ولا هوميروس هناك) أم نكون أمام مؤتمرعلى غرار مؤتمر دولي لاعادة ترتيب المعادلات، والعلاقات، وحتى اعادة ترتيب الكراسي، في المنطقة التي، ومنذ نحو قرن من الزمان، لا تزال تدور في الحلقة المفرغة. كثيراً ما تكون الحلقة الدموية .
تغريدة البابا أم تغريدة الله ؟ هكذا لبنان في مهب المصالح، وفي مهب العواصف، متى لم يتحدد مسار، ومصير، الشرق الأوسط في مؤتمرات الآخرين ؟
لا عرب، ولا لبنانيون (وقد اختبرنا عجزنا في لوزان، وفي جنيف، وفي سان كلو) بامكانهم أن يتفقوا على رؤية مشتركة دون أن يكون اللاعبون الكبار فوق أكتافهم ؟
ما علينا سوى أن نمضي في اقتتالنا في قعر الزجاجة، ولأتفه الأسباب، ما دامت الجمهورية ميتة، وما دامت الحكومة ميتة، الى أن يتفق الآخرون على كيفية اخراجنا من جهنم، اذا كانوا يبغون، فعلاً، اخراجنا من جهنم .
ألا ترانا نستشعر أقدام الفيلة تمشي فوقنا (هذه التي تسحق الحيوانات الصغيرة) ؟ لقد لفظنا أنفاسنا الأخيرة، وقضي الأمر. لكن عظامنا ما زالت تقاتل بعضها البعض …