مقالات مختارة

ان ذلك البرميل من تلك البئر .. متى تردم الآبار الملوثة؟؟

عن مريد البرغوثي وابنه تميم

كتب نارام سرجون.

لاأعرف من هو مريد البرغوثي ولكني سمعت خبر وفاته في محطة الميادين التي شقت الثوب عليه وأعلنت الحداد .. ولما سألت عنه قالوا لي انه من الشعراء الفلسطينيين فخطر ببالي انه من اولئك الذين تعودنا عليهم ممن في اقلامهم لايوجد حبر بل نار .. واوراقهم هي قطع الارض وقطع السماء ..يفوح شعرهم عطرا ويقطر أدبهم زيتا كما تقطر عيون العذراء المباركة زيتا في مخيلات البسطاء .. وظننت أنني سأسمع عن شاعر بمثابة جدول فلسطيني يتدفق ليسقى الشجر الذي بقي في فلسطين ويزيد اخضرار البيوت القديمة في القدس ..
ولكني سمعت عنه مااقشعر بدني له .. فهو من اولئك الذين يرون ان تحرير القدس لايتم الا بتحرير دمشق بالناتو .. وأنه كان يزغرد كلما هاجمتنا داعش وكلما سقطت قذائف الهاون على مدارسنا .. ثم عرفت انه والد تميم البرغوثي شاعر الزيت الاسود وآبار النفط .. الشاعر الذي يتغرغر بالغاز ويغتسل بأبوال الامراء ويتكسب مثل شعراء التكسب والمديح والهجاء .. فقلت في نفسي ان ذلك البرميل هو من ذلك البئر .. الأب هو بئر النفط والابن برميل ملء منه .. ولولا ذلك لما هرع الابن الى الصحراء والى حيث الأمراء والملوك الذين يسميهم ضمير العربي النقي منذ قصيدة مظفر النواب الشهيرة (القدس اخت عروبتكم) يسميهم أبناء القحبة بسبب انهم هم من ترك فلسطين تغتصب ووقفوا خلف الابواب يستمعون الى صوت “فض بكارتها “.. فكيف يدخل شاعر بلاطا من بلاطات “ابناء القحبة” الذين لاتزال فلسطين تلعنهم .. كيف يدخل شاعر من فلسطين قصور ابناء القحبة الا اذا كان من هواة الاستحمام في النفط .. وثمنه وثمن شعره وأدبه يتغير كل يوم حسب اسعار النفط .. وحسب مزاج أبناء القحبة .. وعشيقاتهم من القحبات ..

ولكن يبدو مؤكدا ان الابن عمل بوصية ابيه مريد .. فهو ابن ابيه .. ولم يكن انحيازه لرائحة النفط ضد قوارير الورد وعواصف العطر التي تهاجمنا كلما اقتربنا من بساتين الليمون وبساتين الدراق ومزارع الحبق .. لم يكن انحيازا او خيارا بقدر ماكان وراثة وفطرة .. الابن تميم يعمل مداحا في بلاط تميم .. وهجّاء في بلاط اي تميم خليجي .. انه مثل اي تحفة او لعبة ناطقة صنعت في فلسطين .. ولكن من يدير المفتاح في الخلف هو الأب ذاته .. مريد ..

حتى هذه اللحظة لاأعرف كيف يمكن ان يقترب انسان من فلسطين وهو في بلاط أميرنفطي؟؟ وكيف يكتب لفلسطين فيما تحرسه حراب الجنود الامريكان في قاعدة العيديد او في مستعمرات الخليج المحتل وبين قطع الاسطول السادس؟؟ وحتى هذه اللحظة لاأعرف ماهو الفرق بين اي مستعمرة خليجية وبين اي مستوطنة اسرائيلية؟؟ الاسرائيليون يتجولون في الخليج بطولة وعرضه كما يفعلون في تل أبيب .. والشركات الاسرائيلية الامنية وغير الامنية في كل قصر خليجي وكل مؤسسة .. وفي كل كومبيوتر وتحت كل سرير .. وفي أسنان كل أمير .. وفي حلمات كل أميرة يغني لها الشعراء العرب ..

كان مريد البرغوثي من أشد المؤيدين لما سمي بالثورة السورية .. وكان يهلل ويصلي ويزغرد للثوار .. ويقبل كل قذيفة هاون وقذيفة جهنم تسقط على رؤوس الناس وتقطف أعمارهم .. ويرقص على أنغام نشيج الأمهات والعذابات .. ويعتبر ان أعذب موسيقا هي موسيقا قصف الناتو لسورية وقصف الطيران الاسرائيلي للجيش السوري .. ومات مريد على هذا اليقين وعلى هذا الايمان .. كمن مات على دين اللات والعزى .. لأن دين الثورة السورية هو الناتو والسي أي ايه وكتاب برنار ليفي المقدس عن الثورات والحريات الهوجاء المجنونة ..

هذا النموذج من العرب ومن الفلسطينيين المثقفين للأسف يكون وجوده بيننا مثل وجود بئر ماء تسرب اليه النفط واختلط بمائه .. وصار من يشرب منه يصاب بالدوار والقيء .. ويتسمم جسده ويموت كبده .. وتصبح سقاية الأشجار والبساتين كارثة لأن الماء مخلوط بالنفط وتموت أشجار الزيتون بالتدريج .. ومن قلب كل ليمونة لايخرج عصير براق كالكهرمان بل يخرج زيت اسود ثقيل .. وبدل ان يكون الحرف مليئا بالعطر مثل قارورة عطر .. فانه يتحول الى عبوة محروقات صغيرة .. وولاعة سجائر ..

هذه الابار التي تلوثت بالنفط ستقتل بساتيننا وفاكهتنا وزيتوننا وتربتنا اذا بقيت دون ردم .. لذلك من الأفضل ان نردمها وأن نحفر ابارنا بعيدا عنها كي نشرب الماء الزلال .. ونسقي أرضنا وقدسنا الماء الزلال ..

لاأملك في حضرة الموت الا أن اتمنى الرحمة والمغفرة لمريد البرغوثي .. وسأصلي كي يسامحه الرب على ماكل مافعل بقضيته .. وعلى مااقترقته يداه ولسانه من موبقات واثام وعلى الخطايا التي اقترفها قلمه ..

ولكن هل تسامحه فلسطين اذا سامحه الرب؟؟ هل يسامحه زيتون فلسطين وهو يرى أنه كان مع الصحراء ضد الزيتون .. ومع النفط ضد الماء .. ومع الرمال ضد الحضارة والرخام .. ومع الابل والخنازير ضد الخيول والايائل .. ومع كل شيء ضد القدس ..
رحل مريد البرغوثي وترك تركة ثقيلة من الخيبة .. ولاشك سترثيه آبار النفط التي شرب منها وأخلص لها .. وسيحمل أبخرتها معه الى قبره بدل ورودنا ..

وترك لنا برميل نفط سيبقى من بعده يلوث الماء والآبار العذبة .. وسيبقى هذا البرميل ينشر بقع الزيت الاسود في أرضنا .. ويلوث أنظارنا بدخانه الأسود كلما احترق شعرا .. وسيلوث بيئتنا وينشر رائحة الاحتراق .. وثقافة الاحتراق ..

ولكن مهلا .. ان الأرض تقول لنا ان ردم هذه الابار هو أفضل طريقة لتبقى طاهرة .. وكي تردموا هذه الأبار الملوثة فالوصية هي ألاتقرؤوا شعرا سقاه النفط .. أو اقترب منه النفط ..
أيها المؤمنون بقضيتكم .. لاتقربوا صلاة للوطن وأنتم منفوطون .. ولاتسمعوا القرآن من فم منفوط ..

وياايها الاحرار لاتدقوا باب الحرية الحمراء بأيد مضرجة بدماء أخوانكم .. ولاتشربوا النبيذ اذا سكبه لكم شاعر متكسب في حانات تسقي الأمراء .. انه لن يسكب لكم الا الرذيلة والخطيئة والعار ولن تشموا في أشعاره الا رائحة الابل ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى