مشهديات

تسعينية لكنها تحب الحياة .

العميد الركن ناجي الزعبي | كاتب وباحث اردني في الشؤون السياسية والعسكرية .

حصلت القصة بمطار الغوارديا .
كانت الساعة تناهز السادسة مساء حين هبطت بنا الطائرة في مطار الغوارديا بنيويورك قادمة من مونتريال.
كان علينا الانتظار زوجتي وانا ساعتين لنستقل طائرة اخرى لمدينة فرجينيا دون مغادرة قاعة المطار
فجلسنا بالقاعة نستمتع بمراقبة المسافرين .. فهم عالم باكمله
حركة دؤوبة أوروبيين وآسيويين وعرب واميركيين ..
كان هناك مقعد لاصحاب الحالات الخاصة تجلس عليه امرأة طاعنة في السن ربما ناهزت الخامسة والتسعين من العمر
لكنها كانت بمنتهى الاناقة ترتدي فستانا زاهي الالوان من قماش فرنسي جميل وتتزين باكسسوارات لافتة ويفوح منها عطر مسائي خفيف من رائحة الورد وعبير زهور النارنج خمنت انه ل (غرلان) الذي اعشق كل ألوانه .
كانت تضع احمر شفايف بلون الورد وتحيط عينيها بال – آي لاينر- اي خطوط العينين وطلاء أظافرها ينسجم مع باقي الالوان في تناغم وهارموني لافت
كانت ترتدي صندلا أنيقاً وتحمل حقيبة يد جلدية من نفس اللون من ماركة سلمندر الباهظة الثمن .
كان النوم قد طغى عليها لكنها كانت تنتزع نفسها من براثنه بين الفينة والأخرى وتلقي نظرة فاحصة على محيطها ثم تخرج إصبع احمر الشفايف ومرآته الذهبية التي تحمل ماركة كريستيان ديور وتعيد طلاء شفتيها ، ثم بعناية فائقة تخرج قلم تخطيط العينين وتكرر تلوين ما محته غفوتها القسرية ثم تخرج زجاجة عطرها وتتعطر بخفة فيفرح العطر الأخاذ ويمسح المكان بمسحة مميزة حانية .
وبدون ارادة منها تعود لغفوتها القسرية.
كانت باختصار لوحة انسانية جميلةيصعب تكرارها مصنوعة من فرشاة المبدع الأعظم .. الطبيعة والحياة .
شدنا المنظرزوجتي وأنا فقالت زوجتي:هل لاحظت اناقةالسيدة الفائقة واهتماها اللافت بزينتها وعطرها واكسسوارتها ؟
قلت : هي لوحة جميلة تتحدث عن نفسها بالصمت المعبر .
تكررت العملية اكثر من مرة وفي احداها سقطت مرآتها من يديها المرتعشتين فتلفت حولها ورأتني الأقرب لها فابتسمت برقة.
تقدمت اليها والتقطت المرآة وناولتها اياها
قلت : كيف أستطيع ان أساعدك سيدتي ؟
قالت : لاعليك لازال امامي بضع ساعات لاستقل طائرتي المغادرة لمنتجع يونيفل بوشي بجزر المالديف المشهور بهدؤه المميز
أخذتني الدهشة تماماً فقد اعتقدت انها ذاهبة لملجأ للعجزة .
لاحظت دهشتي فبادرني بالقول : لا تندهش الحياة جميلة وانا اود الاستمتاع باخر ثوانيها
قلت : انت لوحدك سيدتي ؟
قالت : انا مع الدنيا كلها ولست لوحدي
هبة الحياة اثمن من ان نبددها وعلينا أحياناً ان نموت في سبيل ان نحياها
توقفت اما م الخلاصة والعبارة الأنسانية الفذة والفائقة الروعة .
هبة الحياةجميلة تستحق احيانا ان نموت في سبيل ان نحياها
اقترب موعد إقلاع طائرتي
فاقتربت مرة اخرى منها مودعاً وعبير الحياة يملأ قلبي و صدري ووعيي مفعم بالأمل والاقبال على الحياة ويبعث في آمالاً لا تحد .
عند مدخل معبر الطائرة القيت نظرة اخيرة عليها كانت تبتسم وتلوح بيدها المرتعشة النحيلة
ثم انتزعتها الغفوة القسرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى