وكانت إحدى المحطات الأبرز لملف السد خلال 2020، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين استدعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحديث عن “حل عسكري” دون تعليق رسمي من القاهرة مقابل استنكار إثيوبي.
واتسم موقف السودان منذ تدشين السد عام 2011 بالتأرجح، حيث طالما عددّ مسؤولوه فوائده الجمة، قبل تحول الفترة الأخيرة بالحديث عن نتائج سلبية تهدد منشآته المائية.
وتجيب الجزيرة نت في هذا التقرير عن تساؤلات تؤرق المصريين في هذا الملف المتأزم، وأبرزها ما توصلت إليه المفاوضات، والسيناريوهات المحتملة، وموقف الوسطاء الدوليين والحلفاء العرب.
السؤال الأول: أين وصلت المفاوضات؟
توقف قطار المفاوضات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد إعلان القاهرة عدم وجود اتفاق حول منهجية استكمالها، كما أعلن السودان قبل أيام أنه لن يقبل الملء الثاني للسد دون اتفاق، ملمحا بتدويل القضية كحل أخير حال عدم التوصل لاتفاق “ملزم وعادل”.
وسبق فشل رعاية الاتحاد الأفريقي لمفاوضات في أغسطس/آب الماضي، إعلان إثيوبيا عن انتهاء مرحلة الملء الأول للسد، وذلك بعد رفضها أوائل 2020 مخرجات مباحثات ثلاثية رعتها واشنطن.
ورغم اعتراض مصر على الملء دون اتفاق، فإن رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ماريام ديسالين كشف أن اتفاقية إعلان المبادئ الخاصة بسد النهضة التي وقعها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2015 نصت على أن الملء الأول للسد سيكون بالتوازي مع التشييد، وأن مصر أبرمت الاتفاقية وهي تعلم ذلك.
السؤال الثاني: ما هي تداعيات السد على مصر؟
من منظور فني، لخص الأكاديمي المصري محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود والسواحل، في تصريحات للجزيرة نت، التداعيات في مرحلتين:
أولا: مرحلة التخزين السريع (3 سنوات حسب تأكيدات إثيوبيا) وستكون آثارها حتى نهاية 2023، وتتمثل في:
نقص حاد في واردات النيل الأزرق (يساهم بقرابة 48.5 مليار متر مكعب من 84 مليارا تقسم بين حصتي مصر والسودان، إضافة إلى 10 مليارات تذهب للتبخر والفواقد سنويا).
احتجاز المياه أمام السد يعني ضمنيا عجزا مماثلا في الواردات المائية لبحيرة ناصر جنوب مصر.
عندما تصل بحيرة التخزين في السد لأقصى حجم (74 مليار متر مكعب + الفواقد) ستكون بحيرة ناصر قد وصلت تقريبا لمنسوب 150م فوق سطح البحر، وهو منسوب التخزين الميت الذي تتوقف عنده توربينات السد العالي، علما بأن إثيوبيا رفضت طلبا مصريا بالحفاظ على منسوب 165م الذي يكفي لاستمرار عمل التوربينات وبالتالي توليد الكهرباء.
ثانيًا: آثار ما بعد مرحلة التخزين:
وأوضح خبير السدود أن مصر ستعتمد على ما يصلها من تدفقات روافد النيل الأخرى مثل عطبرة والسوباط والنيل الأبيض، والكافية لتوفير قرابة 36 مليار متر مكعب سنويا لبحيرة ناصر.
وأشار حافظ إلى أن تدفقات النيل الأزرق ستكون شبه منعدمة لأسباب أهمها:
استقطاع إثيوبيا 17.5 مليار متر مكعب لري أراض زراعية شاسعة تحيط بالسد.
ما تبقى من تدفقات النيل الأزرق لن يخرج على هيئة فيضان صيفي، بل سيكون كميات صغيرة يوميا.
سيستولي على تلك الكميات فلاحون سودانيون ومزارعون خليجيون اشتروا ملايين الأفدنة المشاطئة لمجرى النيل الأزرق.
حرمان مصر من تدفقات النيل الأزرق يعني ضمنيًا عجزا بالحصة المصرية يقدر بقرابة 33 مليار متر مكعب على الأقل.
بالتالي من المتوقع بوار 5 ملايين فدان بمصر على الأقل.
تحول مجرى النيل لمجرى صغير خلال فترة السدة الشتوية.
فناء الثروة السمكية بسبب الحموضة المرتفعة لعدم وجود كمية مياه كافية في المجرى المائي.
توقف كهرباء السد العالي تماما، وطغيان المياه المالحة على منسوب المياه الجوفية بشمال الدلتا.
السؤال الثالث: ما السيناريوهات المصرية؟
أكد خبير السدود حافظ أن اتفاقية المبادئ عام 2015 ضيعت حقوق مصر ومنحت إثيوبيا اعترافا دوليا ببناء السد، مشيرا إلى أن رفض السيسي تقديم الاتفاقية للبرلمان يضع تساؤلات حول تفسيراتها وملحقاتها.
أما بالنسبة للحلول المصرية الممكنة، فقد شدد حافظ على ضرورة الخروج من اتفاقية المبادئ، واللجوء للمحافل الدولية ومجلس الأمن بدلا من الاتحاد الأفريقي.
وقال أيضا إن تلك الخيارات قد تمكن مصر من الحصول على حقوقها الدنيا في تدفقات النيل الأزرق، وإيقاف خطة إثيوبيا في إنشاء بنك للمياه بغرض بيعها لمصر.
السؤال الرابع: أين الوسطاء والحلفاء؟
الكاتب الصحفي المصري يحيى غانم، رأى أن الوسيط الأميركي في ظل إدارة بايدن والحزب الديمقراطي لن يكون إيجابيا، خاصة في ظل انحيازهما للأميركيين السود وأفريقيا السمراء.
وأوضح غانم أن واشنطن، رغم العلاقة الوثيقة التي تجمع ترامب والسيسي، لم تمارس ضغوطًا حقيقية على إثيوبيا، بعد رعايتها للمفاوضات العام الماضي.
أما ما يتعلق بالاتحاد الأفريقي، فقال “إنه كيان تسيطر عليه بشكل عملي دول أفريقيا، وله انحيازات لإثيوبيا كدولة مقر”.
وبالنسبة للدول الخليجية، أكد أنها تمول وتشجع وتدعم ماليًا الملف الإثيوبي، ومنها من استأجر أراضي شاسعة في إثيوبيا كي يتم زراعتها بالري المنتظم كإحدى نتائج إقامة سد النهضة.
واعتبر غانم أن التعامل الخليجي مع القضية المصيرية المصرية باعتبارها “قضية استثمارية يمثل موتًا وخرابًا لمصر، وبالتالي لا يمكن وصف هؤلاء بالحليف على الأقل بالنسبة لهذا المشروع”.
السؤال الخامس: ما تداعيات الصراع الإثيوبي على بناء السد؟
بحسب غانم، فإن الصراع في إثيوبيا يدور واقعيًا وفعليا في إقليم تيغراي، وهو ليس بعيدا جغرافيا عن السد لكنه ليس مجاورا له.
وأضاف أنه من الممكن أن يؤثر الصراع على المدى المتوسط، على إثر الجور الشديد على حقوق قومية التيغراي، لكنه سيكون تأثيرا من ناحية التشغيل وليس البناء، خاصة وأن السد انتهت معظم عمليات بنائه التي تجعله مؤهلا للعمل.
وأكد الكاتب الصحفي المصري صعوبة التعامل العسكري مع السد كبناء وكيان مادي حال بدء تشغيله، مشيرا إلى أن الموقف المصري ملتزم بأسباب كامنة وبموقف متراخ في التعامل الجدي مع السد.
السؤال السادس: لِم يتأرجح موقف السودان؟
الكاتب غانم عزا ما وصفه بتأرجح الموقف السوداني إلى 3 أسباب وهي:
جزء كبير من الوعي والثقافة الجمعية السودانية يرى تاريخ بلادهم ومصر احتلالا وليس علاقة عضوية انتظمت في شكل دولة واحدة.
التنازع في مسألة الأولويات ودوائر الانتماء، حيث أصبح الاعتبار الأفريقي مقدما ومتناميا على حساب الدائرة العربية على مدار العقدين الماضيين.
ترويج خبراء سودانيين بأن السد سيحمل نتائج إيجابية أكثر منها سلبية، وهذه “نظرة شديدة القصور، حيث الأضرار على السودان ليست بالخفة التي يروج لها”.
محمود سامي
الجزيرة نت
الكاتب :
الموقع :www.alalamtv.net
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2020-12-28 20:12:09
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي