ماجدة الحاج | كاتبة وباحثة لبنانية
على وقع التقدّم الميداني الكبير لمقاتلي حركة “انصار الله” اليمنيّة في مدينة مأرب الإستراتيجيّة، وفيما بات الخوف السعودي من قرب اعلان سقوط مركز المدينة بعد انهيار غالبيّة مديريّاتها، صوّبت المملكة هجوما غير مسبوق على لبنان لتنفيس غضبها من حزب الله-المُتّهم بنظرها في اعلاء كفّة فوز “الأنصار” في الميدان المدني، خصوصا في مأرب، فجاء كلام “منتهي الصّلاحية” لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حيال “عبثيّة” الحرب على اليمن، حجّة للنّفاذ من خلاله الى الهجوم على لبنان.. ورغم انّ “الحرد” السعودي ليس جديدا في مقاربة الوضع اللبناني وهو بدا واضحا منذ اعتقال رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في مثل هذه الأيام عام 2017 ، الا انّ هجوم المملكة اليوم بهذا المستوى على لبنان، بدا مُستهجنا ومريبا لناحية الأهداف الكامنة من خلفه، خصوصا بعد فشل اهداف الحصار الأميركي المطبق على هذا البلد، والذي واكبته السعودية بحراك على كلّ المستويات مع حلفائها الخليجيين لمنع وصول ايّ دعم لإنقاذ لبنان- وفق ما كشفه الاعلام “الإسرائيلي”، فكان ان ارتدّ حزب الله بخطوة فاجأت الجميع عبر استقدام بواخر النفط الإيرانيّة دون ان يجرؤ الأميركي و”الإسرائيلي” على اعتراضها طيلة مسارها.. فجاء حبك سيناريو ليُعيد خلط الأوراق في الداخل اللبناني، ويستتبع حُكما فتنة طائفيّة تُسقط الهيكل على رأس الحزب.. فكان كمين الطيّونة الذي أوكل تنفيذه الى “الحليف الأبرز” للسعودية في لبنان-زعيم حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع، الا انّ الحزب ورغم فداحة حصيلة الكمين نسف السيناريو السعودي واهدافه الخطيرة مرّة اخرى.. ليُطرح سؤال متشعّب في اذهان الجميع” ما هي الخلفيّات الحقيقية وراء الهجوم السعودي الشرس على لبنان”؟
وهل السيناريو الجديد بعيد عن ايّ تنسيق مع اروقة تل ابيب حيال ” العدو المشترك” في لبنان؟ ولماذا يتزامن هذا الهجوم مع انطلاق المناورات “الإسرائيلية” المفاجئة خصوصا على جبهتَي لبنان وسورية؟ وهل من علاقة بين الرّحلة السريّة الغامضة التي قادت وزير الحرب “الإسرائيلي” بني غانتس الى السعودية، ب”سيناريو ما” إتفق عليه الجانبان حيال لبنان؟
ما يبعث على الرّيبة حول خلفيّات الهجوم السعودي على لبنان يكمن بتوقيته، فإضافة انه يرتبط بالتطورات الميدانية الهامة في مأرب التي باتت تؤشّر الى قرب اعلان هزيمة السعودية في المدينة الإستراتيجية خصوصا وفي اليمن عموما، بعد سبع سنوات من المحاولات الحثيثة لليّ ذراع “الحوثيين” بشتى انواع الأسلحة الأميركية و”الإسرائيلية” وملحقاتها الأكثر فتكا، حصدت خلالها عشرات الاف الشهداء المدنيّين وتسبّبت بأكبر مأساة انسانيّة على الإطلاق.. جاء الهجوم السعودي على لبنان،على وقع اكثر من تطوّر هام..
الرحلة السرية بين مطارّي بن غوريون والرّياض التي كشف عنها الإعلام العبري، وتتعلّق بالطائرة الخاصة التي اقلّت وزير الحرب “الإسرائيلي” بني غانتس الى السعودية، وكان المفترض ان تُحاط هذه الزيارة بسرّية تامة..
ورغم الإيحاء انّ الزيارة السريّة هدفت الى توقيع اتفاقيّات تجاريّة بين تل ابيب والرياض، الا انّ تقارير عبريّة لم تفصل بين هذه الزيارة، وتقدّم “الحوثيين” الميداني الهام في مأرب، والتنسيق مع السعودية حيال كيفيّة الرّد على الهزيمة المدوية المرتقبة في المدينة الإستراتيجية، سيّما وأنّ الإعلام العبري –وضمنا صحيفة “جيروزاليم بوست”، صوّبت اليوم بشكل لافت على “انّ تحرير مـأرب يشكّل مصدر قلق وتهديد لإسرائيل، وأنّ هناك قوس تهديدات مشترك مع السعودية”!
موقع “غلوبس” الإسرائيلي كشف انّ احد اهداف زيارة غانتس الى السعودية، هو مطلب الأخيرة بشراء التكنولوجيا من “اسرائيل” مع التركيز على الجانب الأمني وحاجة الرياض الى منظومات “اسرائيلية” لمواجهة “الحوثيين” في اليمن، كما لمواجهة ايران.. قبل ان يُنقل عن إيان غرينهالغ -الخبير الأميركي في الشؤون العسكرية، اشارته الى اتفاق حصل بين الجانبَين الإسرائيلي والسعودي يخصوص لبنان، كاشفا انّ مغريات ماليّة ضخمة عرضها السعوديون على تل ابيب لشنّ حرب على حزب الله في لبنان.
غرينهالغ الذي سبق وكشف لمجلّة ” ميليتري توداي” الأميركية، انّ “اسرائيل” تشارك بفاعلية في الغارات الجوية على اليمن، وانها هي من اسقطت قنبلة نيوترونية على جبل نقم اليمني في ايار عام 2015 نيابة عن السعودية، اكّد انّ تنسيقا امنيا غير مسبوق يجري على قدم وساق بين تل ابيب والرياض في هذه الفترة، ما يثير الرّيبة في هذا التوقيت تزامنا مع التقدم الكبير للمقاتلين “الحوثيّين” في مأرب، ” حيث انّ تحرير هذه المدينة يعني هزيمة كبرى للسعودية في اليمن، وبالتالي يُصبح انتقامها من ايران او حزب الله.. امرا واقعا”!
وبالتزامن، بدت لافتة المناورات العسكرية المتتالية التي اطلقتها “اسرائيل” بشكل فجائي في هذا التوقيت.. فبعد المناورة الجوية الأكبر على الإطلاق التي تشاركت فيها مع 7 دول تحت عنوان “العلم الأزرق”، كشفت وسائل اعلام عبريّة-وضمنا موقع “واللا” انّ الجيش “الإسرائيلي” نصب أجهزة رصد متطوّرة للكشف المبكر عن ايّ تهديدات امنيّة على الحدود مع سورية ولبنان.
وفيما تمّ نشر منطاد متطوّر ضخم باسم “تال شمايم” سيعمل كمنصّة جوّية للكشف والتحذير من التهديدات القادمة من الشمال- وفق ما ذكر موقع “واللا”، استدعى الجيش “الإسرائيلي” بشكل مفاجئ قوات من الإحتياط في اطار مناورات بدأها على جبهتَي سورية ولبنان، في وقت يتمّ الإعداد لتدريبات عسكرية مكثّفة في ايلات- وهو ما اعلن عنه هذا الجيش مساء الثلاثاء الفائت.
موقع “واللا” الذي نقل منذ ايام عن من وصفه ب” ضابط كبير في قيادة المنطقة الشمالية” اشارته الى انّ المناورة العسكرية المستمرّة تهدف الى الإستعداد لتوغّل مفاجئ لقوات من حزب الله داخل الجليل، لفت الى ما قاله هذا الضابط حرفيا” إنّ هذه القيادة تستعدّ لمواجهة سيناريو يتمثّل بدخول موجة لاجئين من لبنان على خلفيّة الأزمة التي تجتاحه”، مضيفا “انّ الوضع هناك ليس مستقرا ولن يستقرّ..والأسابيع القادمة لن تكون سهلة”!
وفي حين يُبدي مسؤولون فرنسيّون قلقهم من خلفيّات الهجوم السعودي على لبنان، كشف مصدر في صحيفة “لو باريزيان” الفرنسيّة، عن اتصالات اجرتها باريس مع الرياض بعيدا عن الأضواء، للجم الخطوات التصعيدية حيال لبنان ومنع انفجار الأوضاع فيه على نحو خطير، ولفت المصدر الى انّ المحادثات وصلت الى طريق مسدود نتيجة التشبّث السعودي بإجراءاته، مُرجحا ان تكون تقارير فرنسية وصلت الى المسؤولين اللبنانيين، بوجوب الحذر والتنبّه من كمائن امنيّة خطيرة في هذه المرحلة.
ولربما جاء تسريب المعلومات امس الخميس، على لسان احدى الشخصيّات اللبنانية المقرّبة من الفرنسيّين، عن انّ فرنسا سلّمت القضاء اللبناني صُوَر الأقمار الصناعية ليوم 4 آب 2020، رسالة فرنسيّة مبطّنة الى الرياض، ربطا بتورُّط المملكة عبر رئيس استخباراتها السابق بندر بن سلطان بباخرة نيترات الأمونيوم واستقدامها الى مرفأ بيروت في غمرة الحرب السورية، ولعبه الدور البارز في دعم الميليشيات الارهابية في سورية- وهو ما اجمع عليه اكثر من تقرير غربي غداة عملية تفجير المرفأ.
وعليه، يبقى الخوف من خلفيات الهجوم السعودي على لبنان وما يُخفيه امرا مشروعا في لحظة مفصليّة يمرّ بها هذا البلد، خصوصا اذا صحّت جدّية المعلومات عن تنسيق عالي المستوى بين تل ابيب والرياض على وقع تطوّرات مأرب، واحتمال تنفيذ “الإنتقام” السعودي من الهزيمة باليمن.. في لبنان!
الأرجح انّ ردّ حزب الله على اي سيناريو خطير مُزمع ضدّ لبنان، قد وصل مُسبقا الى “من يعنيهم الأمر” على لسان امينه العام السيّد حسن نصرالله في خطابه الذي خصّصه لكمين الطيونة، وتفجيره “قنبلة” ال 100 الف مقاتل التحذيريّة، التي تتجاوز حزب القوّات اليميني صوب مشغّليه في الخارج.. رسالة وصلت اصداؤها سريعا الى تل ابيب، وبدا واضحا انشغال وسائل الاعلام العبريّة حينها في محاولة تفكيك رموزها..
اما التطوّر الأبرز الذي طرأ حديثا على المشهد اللبناني والذي زاد الهجوم السعودي من سوداويّته، فيكمن بما نقلته شخصيّة صحافية لبنانية مخضرمة عن ما اسمته “احد القادة البارزين في محور المقاومة”، وفيه انّ الرّد على ايّ سيناريو عدائي مباغت ضدّ لبنان قد تمّ تجهيزه، وحُدّدت الأهداف التي ستكون خارج الحسابات “الإسرائيلية”.. لتبقى “الضّربة” التي لا تقلّ اهميّة، ” والتي باتت جاهزة للتنفيذ في متناول حركة “انصار الله” اليمنيّة، ” حيث ستُمثّل حدثا عسكريا غير مسبوق هذه المرّة، في المرميَين السعودي والإسرائيلي على السّواء”!
الثبات