حسن حردان | كاتب وباحث سياسي
من أخطر ما يُرتكب بحق اللبنانيين من فظاعات تهدّد أمنهم واستقرارهم وسلمهم الأهلي، مواصلة بعض من يعتبرون أنفسهم النخبة في تزوير الحقائق والإمعان في تضليل عامة المواطنين بشأن ما يحصل هذه الأيام من محاولات مستميتة لتبرير الجريمة ـ المجزرة التي ارتكبتها مجموعات مسلحة من حزب القوات بحق متظاهرين سلميين معترضين على سلوك وأداء المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت… ومن ثم العمل على تحريف كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي تحدث، بالأدلة والشواهد، عن الدور الخطير الذي شكله ولا يزال رئيس حزب القوات، على أمن المسيحيين، من خلال مغامراته ومقامراته في الحرب الأهلية وصولًا إلى ارتكابه مجزرة الطيونة، تحت زعم دفاعه عن المسيحيين… فيما قدّم السيد بالوقائع الدامغة كيف حمى حزب الله، قولًا وفعلًا، المسيحيّين في سورية ولبنان في مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية وفي مقدّمهم تنظيم داعش، فيما كان جعجع يدعم داعش وأخواتها تحت عنوان أنهم «ثوار» من أجل الحرية، في وقت كانوا فيه يدمّرون الكنائس في العراق وسورية، ويقتلون المسيحيّين ويهجرونهم ويتخذون من نسائهم سبايا..
في هذا السياق استوقفني ما كتبه الوزير السابق سجعان قزي في جريدة «النهار» تحت عنوان «ماية ألف لبنان»، وهو مقال تضمّن مغالطات خطيرة ولا بدّ إزاء ذلك من تسجيل الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى، انّ الكاتب سجعان قزي رأى أنّ السيد نصرالله يهدّد المسيحيين في لبنان كما يهدّد «إسرائيل»، في حين أنّ كلّ من استمع إلى كلمة السيد من أوّلها إلى آخرها، لا بدّ أنه لاحظ أنّ السيد كان يقول العكس تماماً… أنّ حزب الله لم يكن يوماً الا حامياً للسلم الأهلي وضمانة لأمن المسيحيين، وممارساته في أيام تحرير الشريط الحدودي في جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني عام 2000، ومن ثم توقيعه وثيقة التفاهم مع التيار الوطني الحر عام 2006، والتصدّي لخطر إرهابيّي داعش والنصرة في السلسلة الشرقية… كلّ ذلك يؤكد أنّ حزب الله كان ولا يزال حاسماً لا يتهاون في مقاومة الاحتلال الصهيوني والإهاربيين، أعداء لبنان واللبنانيين، بينما في سياسته الداخلية كان دائماً يجنح نحو التواضع والحرص على السلم الأهلي ورفض الانجرار إلى الفتنة والحرب الأهلية، والعضّ على الجراح في كلّ الحوادث التي تعرّض فيها عناصره وأنصاره إلى كمائن، وسقط الشهداء والجرحى منهم، واحتكم للأجهزة العسكرية والأمنية والقضاء… لم يستخدم قوته في الداخل إلا مرة وحيدة في 7 أيار عام 2008 ولأجل وأد الفتنة وحماية سلاح الإشارة للمقاومة الذي استُهدف في ذلك الوقت، فحمى بذلك السلم الأهلي وأحبط مخطط الفتنة…
الملاحظة الثانية، انّ قول الكاتب قزي إنّ السيد حسن نصرالله.. «يَتوعَّدُ إسرائيل بمئةِ ألفِ صاروخٍ، والمسيحيّين بمئةِ ألفِ مقاتل».. فإنه إنما يحاول تزوير الحقيقة وتقويل السيد ما لم يقله… فالسيد حرص في كلّ ما قاله وهدف إليه إلى طمأنة المسيحيين، لكنه حذرهم ونبّههم من مغامرات جعجع الذي عاد مجدّداً إلى التحضير للحرب الأهلية.. وفي هذا السياق حذر السيد، سمير جعجع، من العودة إلى هذا الرهان، وقال، إنّ لدى حزب الله ماية الف مقاتل، ايّ أنّ حزب الله ليس ضعيفاً كما يعتقد جعجع، وانّ الحزب يملك من القوة الرادعة ما يلجم ويمنع حصول حرب أهلية، وانّ قوته تشكل ضمانة حماية لبنان من الاعتداءات والأطماع «الإسرائيلية».. وفي نفس الوقت تحمي السلم الأهلي وتمنع انزلاق لبنان إلى الحرب الأهلية…
الملاحظة الثالثة، انّ الكاتب قزي، ما كان عليه أن ينسب إلى سماحة السيد كلاماً لم يقله، ليبني عليه استنتاجاته المغلوطة، كي يضلل الرأي العام اللبناني، وبالأخص المسيحي، لا سيما أنّ السيد تحدث على الهواء مباشرة وسمعه اللبنانيون كافة، فكيف بكاتب ووزير سابق، يلجأ إلى مثل هذا التزوير الفاضح لكلام السيد وان يدّعي أنّ سماحته هدّد المسيحيين.. أليس في ذلك جريمة لا تقلّ خطورة عن ارتكاب مجزرة الطيونة، وسعياً مكشوفاً إلى تبريرها؟ وألا يسهم ذلك في خدمة من يعمل على تهيئة المناخ لإعادة إنتاج فتنة طائفية تؤدّي إلى حرب أهلية جديدة؟
انّ من يقرع طبول الحرب الأهلية، ويعمل على إعادة استحضار شعاراتها السيئة الصيت، إنما هو من يعيد تخويف المسيحيين من أوهام غير موجودة سوى في مخيّلة بعض الكتاب الذين يعرفون جيداً أنّ ما يسوقونه من اتهامات لسماحة السيد لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، ويحاولون عن سابق إصرار وتصميم إقناع الرأي العام بكلام لم يقله السيد المعروف، لدى الأعداء كما الأصدقاء، بصدقه ودقة كلامه، وانه منزّه عن كلّ ما قد يلحق الضرر بالشعب اللبناني.. لأنه مؤتمن على قيادة مقاومة نبيلة قدّمت آلاف الشهداء على طريق تحرير لبنان من الاحتلال.. ودرء خطر الإرهاب عن اللبنانيين جميعاً، وإحباط مخططات الأعداء لإشعال الفتن في الداخل.. ولهذا فإنّ كلّ من يعمل على محاولة إيقاد الفتن، وشيطنة المقاومة، التي هزمت الاحتلال وحرّرت الأرض وحمت لبنان ولا تزال تحميه، إنما يخدم العدو الصهيوني ومخططاته.. ويشكل أداة، بوعي او بغير وعي، من أدوات السياسة الأميركية التي تقف وراء حياكة المؤامرات ضدّ لبنان ومقاومته في سبيل شيطنتها وإضعافها، ومحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، يوم كانت قوة لبنان في ضعفه، وليس قوته في مقاومته ومعادلته الماسية، جيش وشعب ومقاومة.. التي حرّرت الأرض وحققت الكرامة للبنانيين، وحمت وتحمي لبنان من العدوانية «الإسرائيلية»، لكن يبدو أنّ هناك من يرفض العيش بعزة وكرامة وبلده محرراً من كلّ أشكال الهيمنة والسيطرة الأميركية و»الإسرائيلية