سماهر الخطيب | كاتبة وباحثة سورية في العلاقات الدولية والدبلوماسية
تأتي منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مرتبة المناطق ذات الأهمية الحيوية، للولايات المتحدة الأميركية والتي تزداد أهميتها بالنسبة لمصالحها وأطماعها الجيوسياسية، مع تنامي المد الصيني من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ووسط تصاعد التوتر في تايوان التي تعتبر بالنسبة للصين خطاً أحمراً، وما سبق ذاك التصعيد من مناورات عسكرية وتصريحات أميركية مناهضة وأفعال ومواقف دولية بحيث اختبر صلابتَه الأميركيون بنشاط وبشكل متكرر وقبل فترة طويلة من إدارة بايدن الحالية، إما من خلال تزويد الجزيرة بالسلاح، أو من خلال الزيارات الرسمية لمسؤوليهم إلى هناك. ولكن، في العام الماضي، بدأت الولايات المتحدة في استفزاز بكين بدعمها لتايوان بقوة مضاعفة، وإشراك حلفائها بنشاط في هذه العملية..
وعلى سبيل المثال، قبل وقت قصير من إنشاء تحالف”أوكوس”،المناهض للصين علناً، تعهّد وزيرا خارجية أستراليا والولايات المتحدة رسمياً بـ “تعزيز العلاقات” مع تايوان “الشريك الأكثر أهمية”. ولم يستبعد رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، الذي مرت حاملة طائراته مؤخراً عبر مضيق تايوان وسط ضجة كبيرة، أن تهب لندن لمساعدة تايوان إذا ما هاجمتها الصين.
فيما ترجّح التوقعات بأنّ تكون الصين مستعدة لغزو تايوان بحلول العام 2025. وذلك بعد أن تحدث وزير دفاع الجزيرة، تشيو غوزينغ، في السادس من تشرين الأول الحالي، عن هذا التوقع، مشيراً إلى أن “العلاقات بين ضفتي مضيق تايوان الآن هي الأكثر حدة على مدى السنوات الأربعين الأخيرة”.
واستدل المراقبون على هذه التوقعات باعتبار أن وصول حوالي 150 طائرة مقاتلة صينية إلى منطقة تحديد هوية الطيران التابعة للدفاع الجوي التايواني،الدليل الواضح على ذلك.
في الأثناء، أجرى مستشار الأمن القومي الأميركي وكبير الدبلوماسيين الصينيين محادثات أول أمس الأربعاء، في مدينة زيورخ السويسرية، بينما قال البيت الأبيض إن “الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ يعتزمان عقد لقاء افتراضي” قبل نهاية العام الحالي.
ويبدو أنّ القضايا التي تعد مثار قلق، مثل الاتهامات الأميركية المتعلقة بحقوق الإنسان في الصين وإقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية) وهونغ كونغ وبحر جنوب الصين وتايوان.. جميع هذه القضايا ناهيك عن التكنولوجيا والتجارة ومنشأ كوفيد-19 ستكون في الحقيبة الأميركية لبحثها أو توجيه الاتهامات للصين من ضمن هذه العناوين..
وفي العنوان الأبرز تأتي تايوان التي أعلنت في 23 أيلول الماضي، تقدمها بطلب للانضمام إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، وتهدف اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي إلى تعميق الروابط الاقتصادية بين الأعضاء، من خلال خفض التعريفات الجمركية على المنتجات الزراعية والصناعية، وتخفيف قيود الاستثمار وتعزيز حماية الملكية الفكرية.
وتستحوذ الشراكة عبر المحيط الهادي، التي دخلت حيز التنفيذ في 2018، على حوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بمشاركة 11 دولة تضم كلاً من أستراليا وبروناي وكندا وتشيلي واليابان وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا وبيرو وسنغافورة وفيتنام.
ومن خلال الحِراك الأميركي يتضح بأنّ منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي في مرتبة المناطق ذات الأهمية الحيوية، لكلا البلدين الصيني والأميركي. وتختلف رؤية كل منهما للآخر، فالصين ترى ضرورة في إيجاد عالم متعدّد الأقطاب قائم على توازن القوى خالٍ من الهيمنة الأميركية تروّج له عبر مشروعها «حزام واحد طريق واحد» من جهة، وعبر تفعيل الدبلوماسية في العلاقات الدولية من جهة أخرى، في حين ترى الولايات المتحدة في صعود الصين تهديداً لمصالحها الحيوية وأمنها القومي ومكانتها في آسيا إن لم نقل العالمية..
وبالتالي، يمكننا القول إن الهدف الأساسي للاستراتيجية الأميركية في آسيا والمحيط الهادئ هو احتواء وتطويق الصين عسكرياً وسياسياً واقتصادياً..
وتحقيقاً لهذا الهدف تعمل أميركا في تطبيق استراتيجيتها على ثلاثة محاور:
من الناحية الاقتصادية..
أعلنت الولايات المتحدة حرباً تجارية ضدّ الصادرات الصينية وفرضت رسوماً جمركية على السلع الصينية، بل وأكثر اتهمتها بسرقة التكنولوجية الأميركية، فكانت تلك العقوبات الاقتصادية على الشركات الصينية والمتعاملين معها.. والهدف الأول هو تحجيم الدور الاقتصادي للصين وتقليل نموها ووقف تعاظم دورها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ولم تقف في المواجهة عند العقوبات وفرض الرسوم، بل توجّهت نحو عقد الاتفاقات والاستثمارات مع دول الجوار الصيني مستثنية منها الصين في مسار تظهر فيه المنافسة التجارية في أوجها التصاعدي كتوقيعها على اتفاقية الشراكة عبر الباسيفيك TPP مع دول المنطقة استراليا، بروناي، كندا، وتشيلي، اليابان، المكسيك، بيرو، نيوزيلندا، سنغافورة، فيتنام واستثناء الصين منها، وكانت ترى الولايات المتحدة في هذه الاتفاقية خريطة اقتصادية للقرن الحادي والعشرين.
كما تحاول الولايات المتحدة قطع جميع الطرق التي تزوّد الصين بالنفط من خلال التعاون النفطي عبر الآسيوي والتي تصل مباشرة إلى الصين من خارج الممرات البحرية التقليدية المراقبة من جانب البحرية الأميركية.. ناهيك عما تبرّزه الولايات المتحدة من خطر صيني في الفضاء وتسعى لمواجهته..
من الناحيّة السياسية والدبلوماسية..
تسعى الولايات المتحدة إلى عقد الشراكات والتحالفات مع دول جنوب شرق آسيا، كالحوار الاستراتيجي الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان والهند الذي تسعى لجعله نواة لتحالف إقليمي جديد مناوئ للصين وتسعى لتوسيع نطاقه مستقبلاً.. وإنشاء تحالف”أوكوس”، بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا.. كما أغنت الشراكات المناوئة للصين بإثارة الاضطرابات إن كان في الدول ذات الأهمية للصين كـ”ميانمار”، أو داخل الصين نفسها من خلال دعم تظاهرات هونغ كونغ على سبيل المثال أو توجيه الاتهامات لها بممارسات غير إنسانية في إقليم تشينغ يانغ ذي الأغلبية المسلمة أو في أفغانستان التي تركتها القوات الأميركية بيد طالبان إذا ما استبعدنا أن تكون فعلاًقدهزمت أميركا هناك..
أضف إلى ذلك، محاولة تعزيز الوجود الأميركي الدبلوماسي ومساعي أميركية لإيجاد حل لأزمة الكورية الشمالية وزيارات كبار المسؤولين الأميركيين إلى دول الجوار الصيني كاليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وتايوان، ومساعي واشنطن للعب دور أكبر في المنظمات الإقليمية حين استضافت منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ.
من الناحية الأمنية والعسكرية..
عمدت من خلاله إلى التحالف العسكري مع اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا، وإبرام الاتفاقيات الدفاعية في إطار سعيها للحد من قوة الصين عبر تهديدات أميركية لها واتهاماتها المتكررة لبكين بعدم الاهتمام بأمن دول الجوار. أضف إلى ذلك اعتراضها على بناء الصين للجزر الصناعية في مياهها الإقليمية..
وفي الإطار نفسه، توثيق العلاقات العسكرية الأميركية مع تايوان، تلك الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءًا من إقليمها وامتداداً لسيادتها فيما ترى فيها الولايات المتحدة منصّة استراتيجية للعمليات العسكرية المستقبلية ضدّ الصين وضدّ أمنها في الطاقة.
أضف إلى ذلك، المناورات البحرية الكبرى التي تجريها الولايات المتحدة كل عام في بحر الصين الجنوبي، بمشاركة دول الإقليم، ما يعُد تحدياً مباشراً لسيادة الصين على محيطها الإقليمي. ناهيك عن العتاد العسكري والأسطول البحري الذي تحتفظ به الولايات المتحدة بشكل ثابت غرب المحيط الهادئ..
لا شك في أن استرتيجية الولايات المتحدة تجاه الصين هي استراتيجية طويلة الأمد، خاصة أنها ترى فيها العدو الأكبر مستقبلاً، في ظل صعود التنين الصيني في المجالات كافة، فالصين في المنظور الأميركي وحدها القادرة على زعزعة وجودها في آسيا والمحيط الهندي، إن لم نقل في العالم ككل..
في حين، كانت استراتيجية الصين الهادئة والتي لا يتخطى عمرها الحديث الخمسة عقود قد استيقظ خلالها العملاق النائم على تطوّر في جميع المجالات وغزو فكري وثقافي واقتصادي وسياسي لجميع الدول سمته الأساسية تنموية في وقت رأت فيه الدول مَن يروي ظمأ عطشها للتنمية التي أنهكتها الحروب ومآسيها..
إنما يبدو أن الاستفزازات الأميركية ستنقلب عليها وسط ما تعانيه الولايات المتحدة من تضعدع في الداخل الأميركي وستجد الصين في تلك التضعدعات فرصة لقلب السحر على الساحر ويبدو أن المعركة التي ستكسر العظم الأميركي ستكون في تايوان “قلب التنين”..