نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي
أثناء جلسة الثقة في «الكنيست»، قال بنيامين نتنيــاهو «اسرائيل» بحاجة الى رئيس يقول «لا» للرئيس الأميركي، و «لا» للدولة الفلسطينية. اعلان حرب، ولكن بأسنان محطمة، على البيت الأبيض.
لا أحد غير اليد الأميركية الغليظة تستطيع تركيب ذلك الكوكتيل العجيب من الرؤوس المتفجرة. أهل اليمين وأهل اليسار، ناهيك عن الاسلاميين بظهورهم المشرعة على كل الرياح، في سلة واحدة!
في وسائل الاعلام «الاسرائيلية» أسئلة حول ما اذا كان «زعيم الليكود» سيظهر وهو يتناول طبق الحساء في زنزانته حالما تبت المحكمة في التهم الموجهة اليه، والتي تتجاوز التهم التي حملت ايهود أولمرت، على شاكلة الهيكل العظمي، الى طبق الحساء اياه.
جون بايدن يرى في نرجسية بنيامين نتنياهو، وبهلوانياته، الخطر الأكبر على المصالح الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.
بعض أركان الحزب الديمقراطي من اليهود (وهؤلاء يختلفون مع، أو عن، السناتور بيرني ساندرز)، يرون فيه الساق الخشبية لدونالد ترامب، وهو ما بدا واضحاً ابان الحملة الانتخابية، حتى أنه حاول، شخصياً، اقناع بعض القضاة والمندوبين في عدة ولايات بتغيير النتائج، أو بالتشكيك فيها. ولكن من يتجرأ على اتهام اسرائيل بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
الرجل لم يعد موجوداً لدى كبار الديمقراطيين، ولا لدى الفريق الديبلوماسي ان في البيت الأبيض أو في وزارة الخارجية. الأولوية الآن أن يحال بينه وبين أي محاولة لتفكيك الائتلاف الهش الذي يتناوب على رئاسته اليميني نفتالي بينيت والوسطي يائير لابيد. لا بد من سوقه الى المحكمة. هناك تتم تعريته حتى من ورقة التوت.
صحيفة «اسرائيل اليوم» التي يمولها ـ ويوزعها مجاناً ـ الملياردير النيويوركي شلدون ادلسون استغربت كيف أن الرئيس الأميركي اتصل ببينيت بعد لحظات، فقط، من نيل حكومته الثقة لابداء دعمه له، «كما لو أنه يريد أن يغرز السكين، وهي ساخنة، في صدر بنيامين نتياهو» الذي لاحظنا كم يحاول عبثاً أن يبقى طافياً في الضوء.
بطبيعة الحال، لا أحد يتوقع انقلاباً وشيكاً في السياسات الأميركية، أو في «السياسات الاسرائيلية». لكن حرب غزة، وبعد حرب عام 2006 على لبنان، لا تعني تغيير قواعد الاشتباك فحسب، بل وتغيير قواعد اللعبة أيضاً، حتى أن بعض أركان «اللوبي اليهودي» بدأوا يستشعرون، مع دخول الصواريخ الى الحلبة، مدى الخطر الوجودي على الدولة العبرية اذا ما استمرت في استراتيجية وحيد القرن!
تالياً، لا بد من سقوط العقل الاسبارطي الذي حكم «السياسة الاسرائيلية» منذ أيام الهاغاناه، والايرغون، وشتيرن التي من عجائب الزبائنية كانت تفضل التحالف مع أدولف هتلر على التحالف مع ونستون تشرشل.
الادارة الجديدة، ومع ادراكها للتضاريس اللاهوتية، والتضاريس التاريخية، والتضاريس السيكولوجية، التي تحدق بالصراع، ترى أنه لا بد لهذا الملف أن يعالج بديناميكية ديبلوماسية مختلفة تماماً. وعلى الساسة في تل أبيب أن يعلموا أن دونالد ترامب لم يكن أكثر من فقاعة لو لم يتم ضبطها من قبل البنتاغون لحولت الشرق الأوسط، بما في ذلك اسرائيل، الى سدوم وعمورة.
هل يبدأ المسار الآخر من فيينا؟ في رأي ديبلوماسي مصري مخضرم «أن أبواباً كثيرة ستفتح وأبواباً كثيرة ستغلق في الشرق الأوسط». ما هي الأبواب التي ستفتح، وما هي الأبواب التي ستغلق؟ الثابت، وهو ما أكدت عليه قمة G7 في كورنوويل البريطانية، التصميم على العودة الى الاتفاق النووي.
هذا ما ستكون له تداعياته من جبال مرّان في اليمن الى شواطئ المتوسط، وصولاً الى ضفتي الخليج. معلومات القاهرة تشير الى أن مسار الاتصالات بين الرياض وطهران كما بين الرياض ودمشق يمضي نحو «النهايات السعيدة». واذا كان هناك من تباطؤ ما، فهذا يعود الى التداخل مع ايقاع المفاوضات في فيينا والتي من الصعب جداً ألاّ تصل الى نتائج تريح حتى الكرة الأرضية.
ماذا عن الدوامة اللبنانية؟ مبادرة الرئيس نبيه بري، وربما كانت على توقيت فيينا أيضاً، اظهرت أننا أمام أزمة «الأنا». من يكون رئيس الجهورية؟ في أذن الرئيس سعد الحريري اسم معين، وفي بيت الرئيس ميشال عون اسم آخر. لعلمكم هذا هو الاسم العتيد : فخامة الفراغ!!